أُكِلْتُ يوم أُكِلَ المسجد الأقصى...

بقلم: عبد الحليم أبوحجاج

العقيدة اليهودية في التوراة تُحَرِّض معتنقيها وتنفث في وجدانهم سمومها بأنَّ المسجد الأقصى بُني فوق هيكل سيدنا سليمان – عليه السلام، ولهذا فهم يدأبون على هدمه، فنشط إلى تخريبه الغُلاة من المتدينين الصهاينة بُغية إزالته، تساندهم في تكرار الفعل حكوماتهم المتعاقبة، فابتدعوا أساليب عديدة لتهويد القدس وطمس البصمات الإسلامية ومحو المعالم العربية الفلسطينية عن هذه الأرض المباركة بنص القرآن الكريم الذي بارك الله فيها وحولها في سورة الإسراء. هذه السورة الكريمة التي يقرؤها المسلمون العرب والمسلمون العجم والمسلمون البجم دون أن تثير فيهم النخوة القرآنية، وكأنهم يقرأون خبراً في صحيفة يومية عن مباراة الدوري في كرة القدم، أو يطالعون إعلاناً : أين تسهر هذا المساء.

لقد عبثت الأيدي الصهيونية الحاقدة بالمسجد المبارك، فأشعلت فيه النار، وهدمت من حوله المنازل، وحفرت تحته الأنفاق، واستولت على الممتلكات، وأقامت الحواجز، ووضعت القيود والشروط الصارمة أمام القاصدين لدخول المدينة للصلاة في مسجدها. واستباحت قطعانُ المستوطنين باحاتِه ودنستْ ساحاتِه بالرقص والغناء والعربدة، يشجعهم تكرار ذلك جُبن الحُكام العرب وضعف السلطة الفلسطينية التي ألقت سلاحها وراء ظهرها، وأخذت تلهث وراء المفاوضات العبثية تستجدي الهواء والماء والحماية .

البوابات الألكترونية التي وضعها بنو صهيون مُذِلَّة، وهي إحدى خبائث أفكارهم الشيطانية لإحكام السيطرة على المدينة العتيقة. ويرفض الفلسطينيون دخول المسجد الأقصى عبرها أو من تحت مناظير كاميراتهم أو من خلال عدسات المراقبة التي يزرعونها على أبوابه. وانتفض المقدسيون انتفاضة الشجعان، وهبُّوا هبوب العاصفة في وجه الطغيان دفاعاً عن حقوقهم في حرية التنقُل والعبادة في مقدساتهم الإسلامية والمسيحية، فكل شيء فيها عربي الوجه، فلسطيني السمات والبصمات.

فأين أنتم يا عرب؟ أين رئيس لجنة القدس المُكلَّف بنُصرتها والدفاع عنها؟ أين الوصيُّ المزعوم الذي أعاده الرئيس عباس وصِيَّاً عليها، قيِّماً على مقدساتها، فتجاهل بذلك الصراع المرير الذي خاضه الشهيد ياسر عرفات لتخليصها من السبي الهاشمي؟ أين الأزهر الشريف بصفته المرجعية الدينية للسُّنَّة المسلمة؟ أين مسئولياتكم يا عرب! وماذا فعلتم لتحرير هذه المدينة الحزينة من الأسر المُهين، أم أنها مناصب للمراءاة والمباهاة والفخامة فقط !. بل أين المسلمون الذين يزعمون أنهم يشاركون الفلسطينيين ويزاحمونهم في ملكية المسجد الأقصى وهم عنه لاهون، غافلون؟. إنهم يشاهدون بأم أعينهم عبر شاشات التلفاز كيف يصد الإسرائيليون المسلمين عن الصلاة، ويروْن كيف يدافع الفلسطينيون بأرواحهم ودمائهم عن مدينتهم ومسجدهم : أولى القبلتيْن وثالث الحرميْن الشريفيْن ومسرى نبيهم محمد– صلى الله عليه وسلم– ومعراجه، لا يفرطون في رباطهم العقائدي ولا يتنازلون عن إرثهم الحضاري. ويروْن كيف تُضرَب نساؤهم وتُمَزَّق عنهن ثيابهن ولا يتحركون. أوَ ليست نساء فلسطين أخواتهم، وشرفهن من شرفهم، وكرامتهن هي كرامتهم، أم أنهم نسوا أبسط قواعد الشهامة العربية والمروءة العربية والنخوة العربية؟. فإذا كانوا قد نسوا تلك القيم العربية الأصيلة أو تخلوا عنها؛ فهم على حق ولا نلومهم، ذلك لأن تربيتهم قد شكَّلت وجدانهم، فمنهم مَن وُلِد وعُمِّدَ بمياه نهر التايمز، ومنهم مَن يدين بالولاء للغرب الذي ابتنى لهم عروشاً ونصَّبهم ملوكاً وأمراء وحماهم وما زال يحميهم، ومنهم مَن عاش وتعلَّم في مدارس أوروبا وأمريكا وتربَّى وتخرَّج في جامعاتها وتزوَّج من حسناواتها اليهوديات. إذاً لا نلومهم كثيراً فقد عرفناهم منذ أن تحالفوا مع الأعداء لضرب الأشقاء، وتركونا وحدنا وجها لوجه مع عدونا التاريخي، وما جاء تخليهم عنا إلا ليُعزِّز من اعتقادنا أن القدس مدينة فلسطينية الوجه والقلب واللسان بمساجدها وكنائسها، لا يشاطرنا أحـد في ملكية الأقصى وسائر المقـدسات الإسلامية والمسيحية مهما كان هذا الأحد. فليفهم ذلك كل المسلمين وكل العرب، وليفهمْ ذلك أيضاً الرئيس الفلسطيني عباس ورجال سلطته ومشايخه المذبذَبين، ولا داعي للمجاملات الكاذبة التي يصطنعون منها مراقد لهم لدى أبناء وحفدة النسَّاجين لخيمة نكبتنا.

أيها العرب المستعرِبة: سيأتي عليكم الدَّوْر، فاليوم للقدس والمسجد الأقصى، وغداً للمدينة المنوَّرة والمسجد النبوي الشريف، حينها سيَضرِب المسجدُ النبوي كفاً بكف ويولول: لقد اُكِلْتُ يوم اُكِلَ المسجد الأقصى. قد يثير كلامي هذا اندهاش القارئ الذي قد  لا يعلم أن خريطة يثرب(المدينة المنورة) كانت معلَّقة على الحائط فوق رأس الجنرال موسى دايان في وزارة الدفاع بتل أبيب بعد أن فرغ من هزيمة العرب وتَـمَّ له استعادة    الشطر الشرقي من المدينة سنة 1967. فـ (يثرب) في رأسه وعلى رأس اهتماماته التوسعية، وإذا كان موسى دايان قد مات فإن الفكرة الصهيونية التوسعية حيَّة لم تمت، ومَن يدري فقد تدور الدائرة ويأتي يوم نبكي المسجد الحرام يا سدَنة الكعبة، ويؤول حالكم كما هو حالنا الآن، وليس ذلك ببعيد ما دام حكامنا وملوكنا ورؤساؤنا يلتحفون بعباءة أمريكا، ويقيمون الأحلاف معها ويتقرَّبون منها بدفع الجزية العكسية وبالهدايا والهبات الثمينة، وما داموا يقيمون القواعد الأمريكية في بلادهم يستدفئون بها ويستقوون بها لمحاربة عروبتهم ولنحر المعاني النبيلة التي جاء بها القرآن الكريم ، وما دامت الأحزاب السياسية تنخرعظامنا فتتهاوى نفوسنا على مذبح الانقسام!.**

للكاتب الصحفي/ عبدالحليم أبوحجَّاج