هبوط النصر إلى مطار الأنبياء الفلسطيني

بقلم: عبد الحليم أبوحجاج

الشعب الكريم كالفرد الكريم خليق به أن يعرف عيوب نفسه ويجد في تقويمها وإصلاحها ما وجد إلى ذلك من سبيل. ولكني أرى هذا الشعب الذي أنا فرد منه قد سعى إليه الجبن والانكسار، وأطاح به الذل والهوان، ولم ينزعج كثيرا من عيوبه ومقابحه، ولم يحدث حراكا لتغيير الطارئ ورتق الممزق من علم بلاده. وبقي خنوعا يجتر سالف الأمجاد، مستسلما لمن يصادر حياته من قبل أن يأذن الله له بالموت.
جهاد شعبنا الفلسطيني عليه شهود، فقد أمضى قرنا من الزمان مناضلا وقدم الأرواح والدماء قربانا للأرض والعرض، ولكنه اليوم ابتلي بقيادة مترهلة سلبته حقه في الجهاد وانتهجت طريق الاشتباك السياسي والإعلامي مع العدو المحتل ظنا منها أن هذه الطريق ستؤدي بها إلى الدولة والعودة، فخاب ظنها ومسعاها، ونسيت ونسي شعبنا طعم الدم ورائحة البارود ومتعة الكفاح وحمل السلاح، فتحول شعبنا إلى نعاج متفرقة مبعثرة لا يجمعها جامع، تسوقه عصا من يحكمه دون إبطاء ودون اعتراض، فقد اجترأت الذئاب والضباع والكلاب المسعورة على الرعية بعد أن مات راعيها وغاب عن ساحاتها زعيمها ياسر عرفات، وكأني بالنخوة العربية والشهامة الفلسطينية قد غادرت بلادنا، والدليل على ذلك أننا أصبحنا متسولين على المستوى الرسمي، ومتسولين على المستوى الشعبي، نجري وراء الكوبونة، تاركين وراءنا حق الدولة وحق العودة ومنشغلين بمجاكرة بعضنا بعضا.
استسلم الشعب في غزة لحكم الانقلابيين بعد أن خذله الرئيس عباس ومن معه من جنرالات آخر الزمان، وكلاهما قسم فلسطين إلى قسمين فلس في رام الله، وطين في غزة. واجبر الشعب على التعايش مع الانقسام ومعايبه، وذاق الأمرين، واحتمل السط واللط من القريب ومن البعيد عقدا من الزمان وما زال يعاني ويكابد، وكظم غيظه وصبر، لم يتوجع من ضربات أعدائه، وإن آلمته طعنات أشقائه .
الرئيس عباس استغفر الله، الكاهن الأكبر يخنق شعبه، هل رأيتم يا ناس رئيسا يخنق شعبه هل قرأتم يا ناس أن رئيسا يجوع شعبه ويئد ابتسامات أطفالهم ويحرمهم من ساندوتش المدرسة ومن ملابس العيد بسبب قطع الرواتب ومستحقات الإغاثة عن الموظفين والأسرى المسجونين أو المحررين منهم هل سمعتم يا ناس رئيسا يدير ظهره لجزء من شعبه ويدعهم لحتفهم هل رأيتم يا ناس رئيسا أقسم يوم تنصيبه رئيسا أن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة ، ولا يبر بيمينه. هل مر بكم يا ناس أن رئيسا مثل رئيسنا عباس يفقأ عين القمر لئلا يستعيض الناس بنوره بعد أن أوحى إلى الأعداء وإلى مخرجي الصدقات بقطع الكهرباء عن غزة ومنع الدواء عن المرضى، وقطع الطريق عليهم للاستشفاء بمستشفيات الضفة الفلسطينية أو بالخارج. وسؤالي ما قبل الأخير موجه إلى كبير المفتين في رام الله هل يجوز شرعا لأدعياء الدين من المشايخ المتفرنجين أمثالكم أن يواطئوا الرئيس عباس ويمالئوه ويحرضوه على خنق أهلهم وذويهم بقطاع غزة، ويزينوا له أفعاله ويشرعنوها بالفتاوى التي ترضي سيدهم وسلطانهم . ألا تخافون الله، ألا تتقونه، أم أن المال والمناصب والمنافع قد أعمت بصائركم فأصبحتم بفضل شياطينكم مشاركين في قتل الأبرياء من أهل غزة. فما دمتم كذلك فلا تعتلوا المنابر بعد اليوم، ولا تطلقوا صراخكم ولا دموعكم الكاذبة على فلسطين ولا على المسجد الأقصى الذي حرم الجيش الإسرائيلي على المسلمين الصلاة فيه أيام الجمع الفائتة. فماذا فعلتم ولا أسألكم ماذا قلتم. ثم لماذا لا نراكم تشدون الرحال إلى القدس وهي على مرمى حجر منكم، كما تشدون الرحال بالسفر إلى بلاد العرب والعجم والبجم تجولون فيها وتتفسحون في لياليها، أم أنكم تكتفون بالزيت يرسل إلى قناديل القدس، وتركنون إلى الراحة بعد أن أقنعتم أنفسكم أنكم قدمتم شيئا للقدس، وكأن الأقصى لا ينقصه إلا زيتكم لتسرج به قناديله. فالتحية والاحترام والإكرام للمقدسيين وحدهم الذين أعادوا فتح مطار الأنبياء الفلسطيني العالمي لهبوط البراق ونزول المضيفين المقدسيين بالنصر للصلاة على أرضه المقدسة الطاهرة، والخزي والعار على رؤساء العرب وملوكهم ومشايخهم الذين لم يغيثوا المرأة الفلسطينية التي تستغيث بهم وهي تهان ويهان شرفها بأيدي بني صهيون أمام أعينهم وعلى مسمع منهم . ولا يدعي أحد من الرؤساء والملوك العرب والعجم والبجم أنه جلاب النصر. ولا فضل للسلطة الفلسطينية ولا لرئيسها أي سهم أو مشاركة في افتتاح مطار الأنبياء، ولا حضور للمدعي العام الديني القابع في رام الله بين حراس الأقصى الذين وقفوا صفا واحدا يستقبلون طائر البراق وهو يهبط أرض الحرم القدسي، فالمقدسيون وحدهم صناع النصر ولا غير. فمتى تفيق الشعوب وتثور على حكامها الطغاة، فلا شيء أقبح من شعب حر ينخدع بسلطان جائر يتلفع بعباءة أمريكية ويحتمي من شعبه وجيرانه بسيف من ذهب، ويحارب الأعداء الغاصبين بالكلمة العريانة من رداء القوة والكرامة. ولا شيء أخزى من أن يقود الأمة رجال دين قبلتهم البيت الأبيض، يسترضون إسرائيل لينالوا الرضا من أمريكا. فقد صور المتنبي حالنا منذ مئة وألف سنة 339هـ، حيث قال لا شيء أقـبح من فـحـل لـه ذكـر تـقـوده أمـة لـيسـت لـهـا رحــم
أغاية الدين أن تحـفـوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
للكاتب الصحفي عبدالحليم أبوحجاج