ما مصير السلطة الفلسطينية...في ظل الإنغلاق السياسي...

بقلم: راسم عبيدات

واضح بان الخيارات المتاحة للسلطة الفلسطينية بات محدودة جدا،وكذلك هوامش المناورة تضيق امامها،ودورها يتقلص الى ما هو أقل من إدارة مدنية،فإسرائيل حسب ما ذكر موقع جريدة هارتس الألكتروني، بأن الهيئة الأمنية الإسرائيلية بصدد اعداد مخطط واسع النطاق لرفع مستوى الإدارة المدنية في الضفة الغربية بزيادة كبيرة لأعداد العاملين فيها،وبما يصل لأكثر من ألفي موظف يقدمون الخدمات للفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة الغربية والغاء مكانتها التاريخية كوحدة عسكرية،وهذا يعني بأن جزء كبير من الخدمات التي تقدمها السلطة او عن طريقها ستصبح من صلاحيات الإدارة المدنية،أي بمعنى اخر ان إسرائيل تعد العدة وتستبق إنهيار السلطة من اجل وراثة صلاحيتها في الضفة الغربية،فهي ترى بان وجود هذه السلطة مرحلي،وأستنفذ الأهداف والأدوار المطلوبة منها،وأن خيار حل الدولتين قد أسقط وبالتالي الأفق السياسي مسدود ومغلق،وأيضا الحالة الفلسطينية إمكانية تحقيق المصالحة فيها تكاد تكون شبه معدومة،وأبو مازن سيحتدم الصراع على خلافته بين أقطاب ومحاور فتح،،والسلطة سيتحول دورها الى حفظ الأمن ومنحها دور حكم ذاتي محدود،فأمريكا واسرائيل لا تمتلكان خططا واضحه تجاه السلطة الفلسطينية لجهة التقوية او الحل لها،وأفق تحول السلطة الى دولة غير متوفرة في اللحظة الراهنة،وإسرائيل تتمترس حول رفض خيار حل الدولتين،وامريكا لا يوجد لديها خطة سياسية واضحة لحل الأزمة او القضية،وغرق الإدارة الأمريكية في مشاكلها الداخلية والصراعات العربية العربية من الحروب المذهبية والطائفية الى الأزمة الخليجية والوضع الداخلي الفلسطيني المنقسم والمنشطر على ذاته،كلها تعزز الموقف الإسرائيلي برفض حل الدولتين والإصرار على ما يسمى بالحل الإقليمي وتنفيذ صفقة القرن،وصفقة القرن لا تعطي السلطة سوى دور مقاول درجة ثانية حيث المطروح كونفدرالية بين قطاع غزة ومصر،او لربما خيارات غزة بالتحول الى دولة أكبر بكثير من خيارات الضفة الغربية،حيث المطروح في الضفة كونفدرالية مع ما يتبقى او ما يزيد من الأرض الفلسطينية عن حاجة الأمن الإسرائيلي مع الأردن وبتقاسم وظيفي مع السلطة.
ما يسمى بالمحور السني العربي يرفض تحول السلطة الى دولة،ويعمل على تسوية للقضية الفلسطينية تتفق وتتكيف مع خياراته واهدافه،واسرائيل تجد ان الحالة الراهنة مريحة لها في جعل السلطة تستمر في القيام بدورها الأمني وبسلطات محدودة ومقيدة،وهي تتحرك في الميدان بحرية تامة لجهة تعزيز وتوسيع الإستيطان ومع تقدم مخططاتها ومشاريعها وتوسيع صلاحيات الإدارة المدنية تتحول السلطة الى وكيل امني يحفظ امن السكان فقط وبعض القضايا الخدماتية والمدنية .
الخشية الكبرى بأن بقاء الوضع على ما هو عليه مع استمرار التغول والتوحش الإستيطاني،قد يدفع نحو انفجار شامل تقوده الجماهير الفلسطينية،كما حصل في هبة الأقصى،وبالتالي تكون تداعيات ذلك اوسع وأشمل على المنطقة،وهذا الخيار المقلق والمزعج لإسرائيل وليس السلطة الفلسطينية فقط،فالسلطة تصبح مقلقة لإسرائيل إذا قياداتها تخلت عن مصالحها واستثماراتها وامتيازاتها واقتربت من التعبير عن نبض شعبها وشارعها ومست همومة،وهذا يتطلب إمتلاك الإرادة السياسية والإستعداد لدفع الثمن والوقف الكلي للتنسيق الأمني والإستفادة من دروس هبة الأقصى،ولكن حتى اللحظة لا يوجد مؤشرات جدية على ان السلطة ستسير في هذا الخيار.
حيث ان هبة الأقصى كشفت بشكل واضح عجز السلطة وقصور القوى والأحزاب السياسية عن التقاط اللحظة المناسبة والإستثمار الصحيح في هبة الأقصى وما تحقق من إنجاز صغير ذو مغاز ومعاني كبيرة في سياق صراع مستمر واشتباك جماهيري متواصل مع المحتل،يمكن البناء عليه،نحو تحقيق المزيد من الإنتصارات الصغيرة المتراكمة التي تمهد لتعديل جدي وحقيقي في ميزان القوى المختل كثيرا لصالح المحتل.
إسرائيل تدرك جيدا بان انهيار السلطة الفلسطينية من شأنه احداث فراغ وصراع بين المليشيات والأجنحة المتصارعة،وبالتالي هذا الفراغ قد يأخذ شكل الصراع المسلح،وربما تنجح عناصر كما تسميها هي بالمتطرفة من السيطرة على الوضع،وهذا قد يشكل خطر على مستوطنيها ومستوطناتها في الضفة الغربية،ولذلك هي تكون قد اعدت ببناء جهاز كامل للإدارة المدنية في الضفة الغربية،ومن ثم التدخل العسكري من اجل تصفية تلك المليشيات والأجنحة المتصارعة،او قد تنجح في تدجينها بتنصيب قيادة ترى انها قادرة على ضبط الوضع والسيطرة عليه وبما لا يمس بامنها،ودون ذلك ستحاول فرض امر واقع على شعبنا الفلسطيني.
اذا ما صارت الأمور بهذا الإتجاه وسيطرت إسرائيل بشكل نهائي على الضفة الغربية،فإن الأمور ستذهب نحو تكريس حالة الإنفصال بشكل نهائي بين الضفة والقدس والقطاع،وسنكون امام دويلة في غزة محاصرة وممكنات تحولها الى دولة تكاد تكون معدومة،فلا سيطرة لها على بر او بحر او جو او على معابر او حتى حرية حركة وتنقل،وهذا يعني باننا سنكون امام تشظي وإنقسام سياسي مكرس وإنفصال جغرافي نهائي.وبذلك يكون طرفي الإنقسام بالذات فتح وحماس يضاف لهما كل المكونات والمركبات السياسية الفلسطينية الأخرى،من تتحمل المسؤولية عن هذه الكارثة.
ولذلك أرى بان الهروب من هذا المأزق ليس من خلال عقد مجلس وطني فلسطيني جديد بمن حضر،فعقد المجلس الوطني على هذا الأساس،ليس فقط يكرس ويشرعن الإنقسام،بل ويصفي بشكل نهائي القضية الفلسطينية.
حيث سينتقل الصراع من على مؤسسات السلطة والسلطة نفسها الى صراع على شرعية ووحدانية التمثيل،والمبرر والذريعة،هي البحث عن شرعية متآكلة جراء عدم اجراء الانتخابات،خطر جدا عقد جلسة مجلس وطني جديد في ظل غياب رؤية واستراتيجية موحدتين وعدم توفر شراكة وطنية حقيقية،خطر إنهاء وحدانية التمثيل الفلسطيني المستند الى مشروع وطني واحد قائم على الرواية والحقوق التاريخية ووحدة القضية والأرض والشعب.
فالمجلس الوطني يجب ان يشكل محطة هامة لإستنهاض الحالتين الوطنية والشعبية لمواجهة الإستيطان والإحتلال،ولذلك أرى ان السلطة الفلسطينية،عليها ان تراجع خياراتها نحو تصليب وتمتين وتوحيد الحلقة الفلسطينية وفق برنامج وطني توافقي ورؤيا واستراتيجية موحدتين،تقومان على أساس تفعيل وتصعيد الكفاح والإشتباك الجماهيري والسياسي والدبلوماسي والقانوني والحقوقي مع المحتل بشكل متواصل،وتوفي كل ممكنات ومقومات الصمود،بعيدا عن استخدام ذلك كخيارات تكتيكية بائسة استخدامية للعودة للخيار التفاوضي المدمر.

بقلم راسم عبيدات
القدس المحتلة فلسطين
14/8/2017
0524533879
Quds.45gmail.com