منذ انطلاقتها في العام 1965 لم تكن قيادة حركة فتح قاصرة على قادة بذات عينهم، بل اعتلت قيادة الحركة في جميع مواقعها القيادية من اللجنة المركزية والمجلس الثوري والهيئات القيادية المختلفة العديد من القيادات الشابة التي لعبت دورا عظيما في بناء التنظيم والعمل الفتحاوي الأصيل لحركة فتح طليعة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وبكل ثقة وافتخار نقف أمام قائد فتحاوي نتحدث عنه من باب انصافه لما له من بصمة بارزة في قيادة التنظيم، أنه من ريحة الراحل ياسر عرفات أبو عمار، باختصار أنه القائد ابو ماهر حلس عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، رجل بألف كلمة في جملة الوفاء لحركة فتح قولا وعملا، تاريخه النضالي مشرف ومفخرة للحركة والشعب، انتمي للحركة في السبعينات واعتقل في سجون الاحتلال لعده مرات لقيادته العمل العسكري لحركة فتح في غزة ضد الاحتلال الاسرائيلي، لم يغادر غزة كما الآخرين، وبقي بداخل غزة مقاوما عنيدا قائدا ميدانيا يحترمه مناضلو الحركة لصدق انتماءه ووطنيته للقضية والوطن نحو التحرر والاستقلال.
وبعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994 كلفه الراحل أبو عمار بقيادة التنظيم في قطاع غزة، وعينه أمين سر الهيئة القيادية العليا للحركة وهو أعلى موقع قيادي لم يمنح إلا لرجل تاريخي مناضل مشهود له بالوطنية والولاء والانتماء للحركة، اعتلى منابر الحركة في العديد من المناسبات الوطنية يحمل رؤية الحركة بعيدا عن الاجتهادات الشخصية، ملتزما بنهجها وفكرها، واحترام العقول والاختلاف والتنوع في الحركة، وبكل حق خلق حالة تنظيمية اتسمت في عهده بالفعاليه والتميز التنظيمي وعقد المؤتمرات التأسيسية لأقاليم الحركة وانتخاب قيادتها، وجسد البعد الإنساني والاجتماعي في الصفة القيادية متواضعا الى أبعد الحدود، وبقى منبع محبة ولا يعرف الكراهية وعلاقته وطيده مع كل الفصائل والقوى الفلسطينية، يحترم المناضلين من الأسرى المحررين والشبيبة والمرأة، ولم يقوم ببناء التكتلات والشلل وممارسة ثقافة الاقصاء وإثارة الخلافات وخلقها، ولم يستقوى بأحد خلال فتره قيادته للتنظيم التي اتسمت بالعمل الجماعي واستمرت طويلا الى حين وفاه الراحل ياسر عرفات، أحبه ابو عمار وتمسك به في قيادة التنظيم لنجاحاته الملموسة على أرض الواقع التنظيمي، قدم ابنه شهيدا في حماية المشروع الوطني، وقدمت عائلته العديد من الشهداء دفاعا عن الوطن والقضية والشرعية الفلسطينية.
لم أكن لأكتب عن هذا الرجل المناضل العريق المخضرم في العمل التنظيمي لولا أنه بحاجة ماسة اليوم للدعم المعنوي والوقوف بجانبه في ظل الظروف والتحديات التي فرضت نفسها عليه، والقنبله التي ارتمت في وجهة نتيجة توجهات قيادة السلطة والحكومة ضد غزة وموظفيها من التقاعد الاجباري وغالبيتهم من أبناء حركة فتح وغيرها من القرارات التي مست بحياة الناس المعيشية، تلك الاجراءات التي ارتبطت بحل اللجنة الادارية التي شكلتها حكومة الظل في غزة، ومطالبته باتخاذ موقف تنظيمي.
فالحقيقة أن تحمل المسئولية ليست بجديد على الأخ ابو ماهر، فهو رجل متزن وعقلاني وتجاربه في العمل التنظيمي تدعوه الى عدم التسرع في التعامل مع الأحداث، وان كان هو الرجل الوحيد من اعضاء المركزية المحسوبين على غزة المتواجد في داخلها يلامس هموم ومعاناه الناس وأبناء التنظيم، وعبء المسئولية على عاتقه كبير، وان كانت لم تمنح له الفرصة بالشكل الكافي منذ استلام مهامه كعضو لجنة مركزية للحركة والتحديات في ازدياد وتعاظم مؤشراتها وابعادها، وهو رجل يحب ان يعمل بصمت بعيدا عن الاعلام، وقد يختلف الكثيرين مع الاخ ابو ماهر فكريا إلا أنه لا يختلفون عليه كرجل تاريخي في الحركة، وقد ينتقده البعض وهذا حق للجميع ما دام الانتقاد في حدود المعقول وضمن الاطار الرسمي المسموح به بعيدا عن التشكيك والتخوين وغيرها من المفاهيم الخارجة عن أدبيات الحركة وحرية الرأي والتعبير.
وعلينا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح أنه ما زالت حركة فتح قوية متينة بقيادتها، ومليئة بمن بقيت أيديهم نظيفة والسنتهم طاهرة كالأخ ابو ماهر حلس لأنه من ريحة الراحل ابو عمار، وما انحنت هاماتهم إلا لله وحده، وليس بجديد على الحركة أن يسمع صوت قيادتها عاليا وتخوفاتهم المستقبلية حول مصير غزة وحقوق أبنائها من موظفين ومصيرهم المجهول، وقد لا يتفق الكثيرين من قيادة الحركة مع رؤية الحكومة للأمور، ومع ذلك الجميع بحالة انتظار رؤية أو حلولا ناجعة للازمات والمعضلات التي يمر بها الشعب الفلسطيني في هذه الظروف المعقدة والخطيرة على القضية ومشروعنا الوطني.
بقلم د. رمزي النجار
palramzyyahoo.com