واضح بان الزيارة المرتقبة للوفد الأمريكي المكلف بملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلى رام الله،تستشعر منها السلطة الفلسطينية مخاطر كثيرة وكبيرة حول المشروع الوطني والقضية الفلسطينية،وبان هذه الزيارة لا تحمل أية ردود وإجابات واضحة ومحددة على ما طرحته السلطة الفلسطينية على تلك الإدارة حول وقف الإستيطان وحل الدولتين،فالإدارة الأمريكية لم تبلور رؤيا واضحة،ولا تمتلك أي خارطة طريق للسير فيها نحو تطبيق مشروع سياسي يؤدي الى حل يقوم على أساس الدولتين،بل كل ما في جعبتها هو حديث عام عن الجانب السياسي،ورزمة من المساعدات والمشاريع الإقتصادية كإغراء للسلطة الفلسطينية،وللقول للعرب والمسلمين الذين ارتضوا لترامب إمامته لهم في قمم الرياض الثلاثة في العشرين من آيار الماضي،ودفعوا له مئات مليارات الدولارات كجزية،بانه يتحرك لحل القضية الفلسطينية،واجزم بان شكل وجوهر هذا يتحرك يلتقي مع مشروع نتنياهو للحل الإقتصادي،تأبيد وشرعنة الإحتلال مقابل تحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال،وحتى هذا الدور للسلطة الوظيفي تحت الإحتلال نتنياهو يريد مصادرته،وتحويل السلطة الى أقل من إدارة مدنية،دورها يقتصر على بعض الخدمات وحفظ الأمن والنظام العام،فالحكومة الإسرائيلية عملت على توسيع صلاحيات الإدارة المدنية وزيادة موظفيها وميزانياتها بشكل كبير والغاء مكانتها التاريخية كوحدة عسكرية،ووراثة دور السلطة وصلاحياتها في حال حلها،وكذلك المحور العربي السني،ربما رؤيته لحل القضية الفلسطينية تلتقي مع الرؤيا الأمريكية الإسرائيلية،حل للقضية الفلسطينية من خلال إطار إقليمي،والزيارة الأمريكية تاتي في هذا الإطار والسياق،حيث يستبق الوفد زيارته لرام الله بزيارة العديد من العواصم العربية لهذا المحور،والحل الذي يجري الحديث عنه للقضية الفلسطينية،يستجيب للشروط والإملاءات الأمريكية والإسرائيلية في تصفية المشروع الوطني والقضية الفلسطينية من خلال ما يسمى بصفقة القرن،تلك الصفقة التي تقوم على أساس ربط قطاع غزة بكنفدرالية مع مصر،وربط ما يزيد من أرض عن حاجة الأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية بكنفدرالية مع الاردن وتقاسم وظيفي مع السلطة الفلسطينية،على ان يجري الإجهاز على مدينة القدس وإخراجها بشكل نهائي من أية مفاوضات وتسوية قادمتين.
في خضم كل هذه المخاطر الكبيرة المحدقة بالمشروع الوطني والقضية الفلسطينية،تبدو السلطة الفلسطينية مربكة ومأزومة،ولا تملك أية خطة او رؤيا واستراتيجية شمولية للمواجهة،بل نجد بان الوضع الداخلي الفلسطيني يسير نحو المزيد من التأزم وتعميق الإنقسام،حيث الرئيس عباس يشدد من عقوباته المالية على قطاع غزة،وقطاع غزة يجري العمل على حل قضاياه ومشاكله،بعيدا عن السلطة الفلسطينية،والسلطة كرد على ما تتعرض له من تهميش،تارة تتجه الى تشديد العقوبات المالية على قطاع غزة،واخرى تدعو الى حل السلطة والتشريعي وتسليمهما الى المنظمة،وكذلك تدعو الى عقد المجلس الوطني،بعد غياب لمدة 21 عاما بالقفز عن تفاهمات المصالحة والخلاف والصراع الفصائلي محتدم حول عقده واهميته لجهة المكان والأهداف المتوخاة من عقده،او لجهة القفز عن التفاهمات السابقة وخصوصا مؤتمر بيروت في يناير الماضي وقرارات المجلس المركزي في 2015،أو الخوف من أن يتم في المجلس تنصيب في مواقع قيادية في المنظمة بعض السياسيين ممن تسلقوا لمواقع متقدمة في السلطة وممن ليس لهم أي تاريخ نضالي،أو يكون الهدف مجرد تجديد شرعية القيادة استعدادا للدخول في تسوية جديدة الخ.
في ظل كل هذه المخاطر التي تتعرض لها قضيتنا الفلسطينية،حيث التوحش والتغول الإستيطاني يسير بوتائر غير مسبوقة،في القدس والضفة الغربية،بل وعلى كامل مساحة فلسطين التاريخية،والأزمات الداخلية التي يواجها الرئيس الأمريكي ترامب،والتي قد تدفع نحو الإطاحة به،وكذلك الأزمة الخليجية وما يتصل بها من خلافات عربية عربية،وما تعانيه المنطقة العربية من حروب مذهبية وطائفية،وحالة غير مسبوقة من الإنهيار،تجعل من وزن العرب في السياسة الدولية صفر مئوي بإمتياز،كلها عوامل تشجع الإحتلال على رفض تقديم أية تنازلات فيما يتعلق بوقف الإستيطان وحل الدولتين،ولذلك الرهان على الدخول في مفاوضات سياسية،من شانه ان يدفع نحو المزيد من الخضوع للإملاءات والشروط الأمريكية الإسرائيلية،والتي ستحاول قدر الإمكان جر أية مفاوضات الى قضايا فرعية ومن باب المماحكات،وحرف تلك المفاوضات عن الجوهر الإستيطان وحل الدولتين،قضايا من طراز وقف دفع السلطة لرواتب الشهداء والأسرى ووقف التحريض في المناهج والإعلام وغيرها.
اذا كان الرئيس يدرس حل السلطة والتشريعي لتسليمها لمنظمة التحرير،لكي تكون هي المسؤولة عن الوضع الفلسطيني،فهل المنظمة باوضاعها الحالية،التي تعاني من ترهل وتهميش مقصود وفقدان مؤسساتها وهيئاتها للشرعية،قادرة على تحمل المسؤولية..،ام ان المنظمة بحاجة الى تفعيل واعادة بناء،واذا لم يكن بالممكن اجراء الإنتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني،في الظرف الراهن لمحاذير تطرحها الفصائل والقوى،فكيف بالإمكان النهوض بالوضع الفلسطيني... هل الإطار القيادي المؤقت الذي يضم كل القوى والأحزاب وطنية وإسلامية يشكل مدخلا للحل..أم يجري تفعيل واعادة بناء المنظمة من قبل الأحزاب والقوى المشاركة فيها،بعد تذليل عقبات مكان عقد المجلس والأهداف المتوخاة من عقده...أم يبقى الإنتظار سيد الموقف،وتبقى الصراعات والمناكفات الداخلية والجدل البيزنطي حول جنس الملائكة ذكر أم انثى،والإحتلال يمضي في تنفيذ مشاريعه ومخططاته لتصفية القضية...
ألم يحن الوقت لهذه السلطة والأحزاب والفصائل التي كشفت هبة الأقصى عن عجزها وقصورها الكبير،أن ترتقي الى مستوى المسؤولية وتضحيات شعبنا الفلسطيني،وتغادر خانة المناكفات والرهان والإرتهان لنهج وخيار المفاوضات العبثي...
بقلم/ راسم عبيدات