هناك من القادة من يفرض عليك احترامه وتقديره ...ليس فقط لسيرته ومواقفه النضالية وصدق إنتمائه وموقعه القيادي،بل لسجاياه واخلاقياته وعلاقته البسيط والصادقة ليس مع تنظيمه وحزبه واخوته ورفاقه،بل مع عامة الناس والجماهير،حيث تلمس الطيبة والإخلاص في تعامله دون تكلف او تصنع،وهكذا كان الرفيق الشهيد القائد الفلسطيني أبا علي مصطفى... كان قائدا ومعلما ومتعلما من الجماهير...كان مدرسة ومعلما في النضال والكفاح....مدرسة في السلوك والأخلاق...نموذجا في العمل الوحدوي وطنيته تتفوق على حزبيته....كان واسع المدارك والإطلاع...عميق الخبرات والتجارب...لم يكن يحلم بأرصدة في البنوك ولا فلل ولا قصور ...ولم تكت تستهويه المظاهر الخادعة البراقة...إنتمى لحزب ومدرسة ثورية ...سبقه اليها الكثير من رفاق دربه ...ولذلك عند الحديث عن الرفيق القائد أبا علي ندرك أن هذا قائد من طراز خاص....في زمن نجد فيه بان الكثيرين من القادة او من يتبوؤن موقع القيادة في الساحة الفلسطينية، لم يدفعوا لا ثمنا نضاليا ولا كفاحيا ولم يضحوا لا من اجل شعبهم ولا من اجل قضيتهم،بل كانوا متسلقين على قيادة الشعب ومواقع القيادة بفعل رداءة المرحلة وحراشيتها...والعديد من هؤلاء القادة يمر في ذاكرة وتاريخ الشعب الفلسطيني مرور الكرام لا تاريخ يذكر ولا بصمات ايجابية تسجل له...بل تاريخ كله خيبات وانتفاع وارتزاق وتكسب ...واجزم بأن الكثير ممن يحتلون مواقع متقدمة في قيادة الشعب الفلسطيني،هم سبب رئيسي في مأساته ...ولا يستحقون سوى ان يلعنهم الشعب الفلسطيني...ولكن اللعنة والسباب لا تجدي بحقهم نفعا،فلا بد من رحيلهم كي تستقيم المعادلة...
أبو علي أنت قائد بحجم وطن،كذلك هم القادة الذين يرحلون أجسادا وتبقى ذكراهم ومبادئهم وأفكارهم خالدة في عمق ذاكرة ووجدان شعبهم...وهذا يكفي،اما قادة الغفلة ومرحلة الهزيمة فلا رحمة عليهم ولا مكانة ولا مساحة لهم في وجدان وذاكرة شعبهم.
تأتي ذكراك السادسة عشرة،والوطن بامس الحاجة الى قادة من امثالك وامثال القادة الآخرين الذين حملوا المشروع الوطني وقضية شعبنا على اكتافهم،وكان الوطن والمصالح العليا للشعب الفلسطيني فوق اجنداتهم الخاصة والحزبية والفئوية،فنحن الان يا أبا علي في مرحلة من اخطر المراحل التي تمر بها قضيتنا الفلسطينية ومشروعنا الوطني،حيث مخاطر التبديد والتفكيك والتصفية للقضية والمشروع الوطني حقيقية،والخطر لا يتأتي عليها فقط من إنقسامنا وتشرذمنا الداخلي،بل هناك ما هو اخطر من ذلك بان قوى واطراف عربية،أصبحت شريكة للمحتل في مشاريع تصفية قضيتنا،ضمن ما يسمى بالحل الإقليمي،وكثير من تلك الدول تتحلل من إلتزاماتها الوطنية والقومية،ولم تعد تمارس فقط دور الوسيط مع المحتل،بل هي أقرب الى المحتل وشركاؤه في فرض حلول تصفوية على شعبنا.
أبو علي هم اغتالوك لأنهم يدركون،بأن القائد الوطني المخلص لشعبه والملتحم بهموم جماهيره ويعبر عن نبضها،يشكل خطرا عليهم وعلى وجودهم،لا يريدون ان يتجذر ويتقوى نهج وخيار المقاومة في الساحة والشارع الفلسطيني،ولا يريدون لشعارك الخالد عدنا لنقاوم لا لنساوم،ان يصبح واقعا ومنهجا ونبراسا لشعبنا واحزابنا وفصائلنا،ولذلك كان قرار تصفيتك واغتيالك،ظانين ومتوهمين بان نهج وخيار المقاومة واستمرار الكفاح بإغتيالك كما اغتالوا من قبلك قادة اخرين مؤمنين بهذا الخيار والنهج غسان كنفاني والكمالين وأبا يوسف النجار ووديع حداد وابا جهاد وابا اياد وخالد نزال والشقاقي والشيخ احمد ياسين والرنتيسي وأبا عمار وتلك القائمة الطويلة من قادة شعبنا الذين اغتالتهم أجهزة المخابرات الصهيونية،سينتهي في الساحة الفلسطينية او يحاصر ويتراجع،ولم يتعلموا من التاريخ بأن الشعوب مهما دفعت من ثمن وتضحيات،لن تتخلى عن حقها وخيارها في الحرية والإستقلال والعيش بكرامة.
بعد رحيلك ورحيل الكثير من قادتنا الكبار حالة من التوهان وفقدان البوصلة والإتجاه تسود ساحتنا الفلسطينية،والشعار الذي كنت انت وغيرك من هؤلاء القادة الراحلون تحرصون على ان يبقى خط احمر لا يمكن لأحد أن يتجاوزه او يعبث فيه،بتحريم سفك الدم الفلسطيني بأيدي فلسطينية،جرى تجاوزه بشكل فظ وسفك هذا الدم على مذبح الأجندات والصراعات الفئوية على سلطة منزوعة الدسم،ما زلنا نختلف وننقسم ونتشظى في الصراع والخلاف عليها،حتى بدا وكأن هذا الإنقسام يتشرعن ويتأبد.
هم يا أبا علي يعرفون طريق إنهاء الإنقسام،وهي قصيرة وليست طويلة،ولكن لا تتوفر عندهم الإرادات،حتى بت على قناعة بأنهم لا يمتلكون حق إنهاء الإنقسام،فهناك أشخاص وفئات مستفيدة من وجود الإنقسام،وتحققت لها مصالح وإمتيازات ومكاسب ومواقع سياسية واقتصادية واستثمارية وقيادية،ستخسرها وتضيع مع إنهاء الإنقسام،وكذلك هناك تدخلات عربية وإقليمية في الساحة والقرار الفلسطيني،وهي الأخرى غير معنية بإنهاء الإنقسام،من خلال إرتباطاتها وتحالفاتها،مع الطرف المتناظر معها من القيادة الفلسطينية في الرؤيا والموقف والمشروع السياسي،ولذلك كل المبادرات واللقاءات والحوارات لم تفلح في قبر الإنقسام وإجتثاثه.
أبو علي المقدسيون عندما توحدوا بكل مكوناتهم ومركباتهم السياسية الوطنية والدينية والمجتمعية والشعبية صنعوا نصرا على المحتل بوحدتهم بإرادتهم،بإيمانهم،بعقيدتهم،بمبدئيتهم،،بسجاجيد صلواتهم،وعدم تلوثهم بامراض الإنقسام والفئوية المقيتة،انتصروا في هبة باب الإسباط ومنعوا تقدم مشروع الاحتلال السياسي لتقسيم المسجد الأقصى مكانيا بعد تقسيمه زمانيا وصولا لهدم المسجد القبلي وإقامة ما يسمى بالهيكل المزعوم مكانه.
هبة باب الإسباط يا أبا علي كشفت عن عجز السلطة بشكل كبير وقصور القوى والأحزاب والفصائل،وعدم إرتقائها الى مستوى الهبة وعدم قدرتها على إلتقاط الحدث واللحظة المناسبة،لكي تقود الهبة برأس قيادي واحد وموحد،بل استمرت في مناكفاتها ومسلسلها الدائم والمتواصل في التحريض والتحريض المضاد وتحميل المسؤوليات،وكذلك كان حال اجنحتها العسكرية للفصائل،تهديد ووعيد وشعارات فارغة ،ليس لها أي رصيد.
أبو علي أنت وأمثالك غرستم في الشعب والجماهير قيما وأفكارا ومبادئا،ستبقى خالدة فيهم،يستلهمونها في نضالاتهم وتضحياتهم،ويقسمون ان يسيروا على هديكم ونهجكم،رغم قسوة المرحلة ورداءتها،ولكن الشعوب لم ولن تتعب أو تنهزم،وستبقى تناضل وتواصل المشوار حتى تحقق أهدافها في الحرية والإستقلال،وإن تعبت او تراجعت او إنهزمت قياداتها.
بقلم/ راسم عبيدات