يكثر الحديث هذه الأيام عن حل الدولتين وبأن اسرائيل تسعى بوسائل مختلفة وعلى رأسها النشاط الاستيطاني غير المسبوق لتدميره ، معتمدة في ذلك على موقف أميركي جديد يعتبر حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة موضوعيا تفاوضيا ، حيث ترفض الادارة الاميركية الحديث عن حل الدولتين مثلما يرفض ممارسة الضغط على حكومة اسرائيل لوقف انشطتها الاستيطانية ، التي تدمر حل الدولتين .
وليس عندي اعتراض على تذكير العالم في كل مناسبة بحل الدولتين وبأن اسرائيل منذ فوز دونالد ترامب في سباق الرئاسة الامريكية في نوفمبر من العام الماضي تسابق الزمن في نشاطاتها الاستيطانية المحمومة وغير المسبوقة لتدمير هذا الحل ، غير أن الاعتراض يصبح أمرا حتميا ومسؤولية وطنية إذا ما ترتب على التركيز على حل الدولتين تراجع في الاهتمام الوطني والإقليمي والدولي بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف ، والتي تعبر عن نفسها باختصار شديد بحقه في تقرير المصير بإرادته الحرة والمستقلة .
وحق تقرير المصير هنا مثلث الأبعاد ويشمل جميع الحقوق الوطنية للفلسطينيين الذين يتوزعون على مجموعات سكانية ثلاث ، الاولى في الداخل الفلسطيني في أراضي 1948 ، والثانية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة ، أي الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 ، والثالثة الفلسطينيين اللاجئين الذين اقتلعتهم اسرائيل وشردتهم خارج وطنهم فلسطين بالقوة العسكرية الغاشمة ، كما عبرت عن نفسها بشكل وحشي في الخطة المسماة ( دالت ) التي أقرتها وبدأت في تطبيقها كل من الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية على ابواب انسحاب قوات الانتداب البريطاني من فلسطين في نيسان 1948 .
حقوق مجموع الشعب الفلسطيني ، فلسطينيو الداخل 1948 ، وفلسطينيو الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة ، وفلسطينيو الشتات والمخيمات من اللاجئين الفلسطينيين مترابطة ومتحدة وتستند في مجموعها الى حق تقرير المصير . ذلك يجب أن يكون واضحا عند الحديث عن حقوق الشعب الفلسطيني وتحديدا في هذه الظروف ، التي تكثر فيها تصريحات المسؤولين الاسرائيليين بمن فيهم بنيامين نتنياهو وخاصة في سياق الاحتفالات بمناسبة مرور 50 عاما على الاستيطان في الضفة الغربية التي نظمت في المنطقة الصناعية “بركان”، بحضور آلاف المستوطنين وعدد من السياسيين ، حيث قال رئيس الحكومة الاسرائيلية في نشوة العربدة الاستعمارية " إنه لن يكون هناك إخلاء للمستوطنين بعد اليوم ولن يكون هناك أي اقتلاع لمستوطنات في أرض إسرائيل فهذا ميراث آبائنا ، وهذه أرضنا ، عدنا إلى هنا كي نبقى للأبد. وهناك سبب ثان لكي نحافظ على هذا المكان ، فالسامرة (الضفة الغربية) هي ذخر إستراتيجي لدولة إسرائيل. وهي مفتاح مستقبلها ، فمن هذه المرتفعات العالية ، والمرتفعات العالية في جبل حتصور ، نشاهد البلاد من الطرف إلى الطرف ”.
هذا يعني ان حكومة اسرائيل قد اسقطت من حساباتها السياسية والتفاوضية حل الدولتين والذي يعتبر أحد مكونات الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف وأحد مكونات حق تقرير المصير والذي يعني بوضوح رحيل قوات الاحتلال الاسرائيلي عن جميع الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 وتفكيك المستوطنات ورحيل لمستوطنين وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الوطنية المستقلة كما أقرتها المجالس الوطنية الفلسطينية بدءا من الدورة التاسعة عشرة التي انعقدت في الجزائر عام 1988 استناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين ، وكما اقرتها كذلك قرارات الشرعية الدولية منذ العام 1947 .
وحل الدولتين هذا يعني ببساطة شيئا واحدا وهو قيام دولة الشعب الفلسطيني على حدود الرابع من حزيران عام 1967 ، وهو حل لا ينتقص شيئا من الحقوق القومية الجماعية وحقوق المساواة والمواطنة لأبناء الشعب الفلسطيني في أراضي 1948 ، وهي حقوق باتت مستهدفة ومعرضة للتبديد بفعل جملة القوانين العنصرية الموجهة ضدهم والتي كان آخرها قانون القومية المطروح على جدول أعمال الكنيست الاسرائيلي . ولا ينتقص شيئا كذلك من حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم وممتلكاتهم ، التي هجروا منها بالقوة العسكرية الغاشمة . ويخطيء هنا من يعتقد أن حق العودة يمكن أن يتم تجاوزه بشكل أو بآخر من خلال حل الدولتين ، إذ ينبغي الحذر من التوقيع على أي اتفاق تسوية سياسية محتملة في المستقبل يلحظ في أحد بنوده بندا ينص على إنهاء المطالب أو يلحظ في أحد بنوده بندا ينص على يهودية الدولة أو بندا ينص على حل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين قبل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
وعلى هذا الأساس يمكن توجيه رسالة قوية لحكام تل أبيب بدءا برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، زعيم الليكود ، مرورا بوزيرة القضاء العنصري إيليت شاكيد وانتهاء بنفتالي بينيت ، زعيم البيت اليهودي ، بعنوان واضح يقول : سياسة العربدة الاستعمارية المغلفة بالأساطير وأقوال العرافين يمكن تسويقها في اوساط اليمين واليمين المتطرف في اسرائيل ولكنها عاجزة عن طمس الحقوق والحقائق ، وعلى كل حال ليس هناك ما يلزمنا باستمرار البحث عن تسوية سياسية تتحول فيها ملهاة حل الدولتين الى حصان طروادة لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير .
بقلم/ تيسير خالد