وجدت إسرائيل نفسها بعد ست سنوات من الربيع العربي، وأكثر ما يعنيها الجزء السوري واللبناني منه، أنها واقعة في مأزق فريد، لم يسبق أن وقعت فيه منذ تأسيسها حتى الآن.
قوام هذا المأزق زعزعة في الجدار الاستراتيجي، الذي لا حياة لإسرائيل دون رسوخه وتبنيه المطلق لسياساتها أينما اتجهت، أي الجدار الأميركي.
وبالتوازي صداقة مستجدة مع الجدار الآخر الذي يقيم تحالفاً عميقاً مع ألد أعداء إسرائيل، إيران ومعها بالتبعية "حزب الله"، وسوريا النظام، وهي بالتبعية مع إيران وروسيا.
المراقب للجدل المحتدم في إسرائيل حول هذا الأمر، وإسرائيل كيان لا أسرار فيه، يكتشف حقيقة أن عهد نتنياهو طويل الأمد وضئيل المنافسة، أدار سياسة ساذجة تقوم على أساس: عليه أن يحرّض وعلى الآخرين أن يؤدوا حروب إسرائيل نيابة عنها.
فعل ذلك حين ألقى معظم العبء السوري والإيراني على الإدارات الأميركية، ليكتشف هوامش خطرة بين مصالح الدولة العظمى، ونزوات الزعيم الإسرائيلي، ورغم كل ما فعل دعائياً، فإن الاتفاق النووي تم، وفوق ذلك تميز الجهد الأميركي في سوريا تحديداً بالرخاوة وتفادي الحسم، واستبدل به تفاهمات مع الروس، تتم بقوة على أرض الميدان، إلا أنها تشتعل في مجالات أخرى لا صلة لها بالملف السوري الإسرائيلي.
وامتداداً لهذا الموضوع الاستراتيجي، يأتي ملف "حزب الله" ولبنان، لقد عالج نتنياهو هذا الملف بضربات ذات طابع استعراضي تحت عنوان واحد: منع نقل السلاح عبر الممر السوري إلى "حزب الله"، إلى أن وصل الأمر أخيراً إلى اعتراف إسرائيل بأن لدى "حزب الله" ما يزيد عن مائة وخمسين ألف صاروخ.
وامتداداً لهذا أيضاً، جامل نتنياهو نفسه بأن أقام احتفالات لقرار مجلس الأمن الروتيني بتجديد عمل "اليونيفيل" في جنوب لبنان، وبدا واضحاً أن نتنياهو يريد من العالم أن يؤدي وظيفة لجم "حزب الله" من خلال حائط كرتوني اسمه "اليونيفيل".
بدا هذا النهج مترنحاً وعديم المصداقية عند مستويات بالغة الأهمية لدى الطبقة السياسية الإسرائيلية، والمثقفين وكتاب الأعمدة المؤثرين في تشكيل الرأي العام الإسرائيلي، والتأثير القوي على المزاج الإسرائيلي الذي يفرز الطبقة السياسية الحاكمة من خلال الانتخابات. في هذا السياق ينبغي أن تُفهم المناورات الضخمة التي قررها الجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، عنوانها البارز محاكاة ضربة جذرية لـ"حزب الله" مع عنوان لا يلقى عليه كثير من الضوء، هو إعداد الجيش لمعالجة ضربة مزدوجة بين "حزب الله" من لبنان، وحلفائه من الإيرانيين والسوريين.
إذا كان المحللون السياسيون يستبعدون حرباً على هذا المستوى، فإن الدول لا تقيم سياساتها الاستراتيجية على مجرد الاستنتاجات. هنا استفاق نتنياهو من غيبوبة الاستناد المطلق للجدار الأميركي، والاعتماد المهم على التفاهمات مع بوتين.
الخطاب الإسرائيلي الساذج الذي تلي على بوتين في سوتشي، ينطلق من القاعدة القديمة، وهي الطلب من روسيا طرد حليفها من سوريا لإرضاء نتنياهو. عاد رئيس الوزراء الغارق في متاهات تهم الفساد والسذاجة الاستراتيجية إلى تل أبيب، ليقرر مناورة ضخمة لعلها توصل ثلاث رسائل مهمة، الأولى للرأي العام المرتبك في إسرائيل، والثانية للخمول الأميركي على الجبهة السورية، والثالثة لعناصر المعادلة التي تحكم الحرب والسلام في سوريا، لعلها تقول بلغة القوة: نحن هنا.
نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني