الله يشفي عميان العيون إذا اتجهوا إلى الله مخلصين ليرد إليهم أبصارهم، ولكن ماذا عن عميان العقول الذين يرفضون الاستشفاء وطلب النقاهة. ماذا عنهم حين يمنعون الماعون ويصدون الأرزاق أن تصل إلى أفواه المحتاجين. ماذا عنهم وهم تحت وطأة شياطينهم التي توسوس لهم بما يدور في أفلاك أوهامهم، فينقادون إليها ظانين أنهم بالغوا رغائبهم. ماذا عنهم وهم يتناطحون فيما بينهم فتدور الدوائر على رءوسنا أجمعين وماذا نحن فاعلون حيال الصراعات الحزبية التي استنزفت قوانا العقلية والجسدية ومزقت نسيج خيمتنا المجتمعية وما الحل في ظل جرائم يرتكبها الكبار ويقع في أوحالها سائر الشعب. حيث نعاني من جرم فعله غيرنا ولا دخل لنا فيه، ومع ذلك فنحن ندفع الأثمان المكلفة. ولقد صور حالنا المتنبي منذ أكثر من ألف سنة فقال وجـرم جـره سـفـهـاء قـوم وحـل بغـيـر جـارمـه الـعـذاب
أصحاب الأقلام الصحفية الذين خرجوا من غزة هاربين إلى رام الله يتبارون أيهم يسبق الآخر في لطم وجه غزة وطعن خاصرتها وضرب اليد التي تمتد إلى التصالح المجتمعي، فنراهم يحاربون المصالحة بين حماس وبين فتح عباس. ونراهم كذلك يشككون في خطوات الوفاق بين حماس وفتح دحلان، ويصفها أحدهم وهو من أبناء القطاع بتفاهمات زواج المتعة، والله عيب. أما الآخر وهو من فتحت له غزة ذراعيها واحتضنته بالحب عندما جاء إليها عائدا مع العائدين فنراه لا يحض على هذا التقارب بل يشكك فيه، ويسميه داحس مرة، وحماسحلان مرة أخرى، وفي كلتا الحالتين لم يكن صاحبنا موفقا في نحته اللغوي، ولم ينل نصيبا من البر بأهله، ولا الإحسان إليهم، لا لشيء إلا ليحظى بالحظ والحظوة عند السلطان، فيحوز منه على ورقة عفارم . ولعلني أذكر الزميل المحترم بنعيه على أصحاب الحظ والحظوة ونقمته عليهم لأنه لم يكن منهم في تلك الأيام، أما اليوم فهو أحدهم. فهنيئا له وللآخرين أمثاله بما كسبت أقلامهم، وبما أصابوا من سخط الله عليهم و جفوة الناس منهم.
أما أدعياء الدين والسياسة والديمقراطية، فأمرهم عجيب غريب، إذ كيف لهم أن يتركوا تعاليم الدين وتعليمات الوطنية ويتفرجوا علينا ونحن في أفران الطهو الشرقي فنسلق ونشوى ونقلى بالعرق كل ليلة عشرات المرات وهم ينظرون إلينا ويسمعون ولا يغضبون لنا، بل إنهم يستحدثون وجبات التعذيب وجرعات النكد اليومي، فهل هان عليهم شعبهم نعم، فمن هانت عليه نفسه يهن عليه كل الناس مهما كانت درجة قرابته بهؤلاء الناس. ولكن فاتكم أيها السادة أن معاناتنا ومكابداتنا وآلامنا وأوجاعنا هي دعوات نرفعها إلى الله ضارعين إليه مخلصين أن يخلصنا منكم ومن كل آحزابكم وتنظيماتكم، ومن كل الفصائل المتواجدة في القطاع والضفة الفلسطينية التي ما عاد لبقائها من نفع يعود على الشعب، بل إن ضررها أكثر من نفعها إن كان يعتقد المنتفعون منها أنها ذات نفع.
أما مركزية فتح القيادية ذات الصيت والصوت النضالي قد عميت بصيرتها عن ملء شواغرالأعضاء المناضلين الذين توفاهم الله، فأخذت تقبل بضم بعض الهمجيين الغوغائيين الذين تسلقوا بحبائلهم إلى عضويتها برام الله والذين يحثون الرئيس على التشدد في حصار غزة وخنق أهلها، وإنهم ليغضبون من اليد التي تمتد إلي الغزيين بالنور وأبسط الأمور، أفلا يخجل مانعو الخير وآكلو أموال الصدقات من فعائلهم. وعلى رأي المثل لا هم يرحمون ولا هم تاركون رحمة الله تنزل . أيريدون بإبداعاتهم السخيفة في استحداث الوسائل المهينة أن ينالوا من شعبهم في غزة بما توسوس لهم شياطينهم ظانين أنهم يضغطون على حماس فيجبروها على رفع راية التسليم. يا ألله ما أبشع ظنكم يا عميان العقول إذا كنتم تظنون أنكم بقراراتكم اللامسئولة ستثيرون الغزيين عليها لتقويض نظام حكمها. يا ألله كم أنتم واهمون، وفي وادي الأوهام تهيمون، لأنكم تعلمون أن حماس عنيدة بغير حق وأنتم تجاكرونها بغير حق أيضا، وهي تقابل التحدي والمجاكرة بتحد أشد ومجاكرة أصلب، وإنها مثلكم ليهون عليها الشعب وما يلاقيه من عذاب وتوجع. فوالله الذي لا إله إلا هو لو أن حماس رأت حوت يونس يبتلع غزة ويغرق أهلها عن بكرة أبيه كما يقولون ما استسلمت لكم ولا سلمتكم غزة، ففكروا بطريقة أفضل لتخليص الشعب الفلسطيني كله من الانقسام وعداوات الحزبية. وباركوا كل يد تعمل على رتق النسيج المجتمعي وتصفية الأجواء من الأكدار التراكمية بين حماس غزة وبين فتح رام الله. ونحن بدورنا نبارك أي تقارب بين حماس وبين فتح دحلان وبين فتح عباس، إن كان فيه خلاصنا مما نعانيه من آلام وأوجاع، وإذا كان ذلك سيحسن من ظروف حياتنا بوفرة الكهرباء والسائغ من الماء وتوفير الطب والدواء، ويخفف عنا قسوة الحياة اليومية وبخاصة فتح معبر رفح لمن يرغب في السفر لأي غرض كان. فالسفر وحرية الحل والترحال من حقوق البشر، هذا إذا كنا ما زلنا مدرجين في قوائم البشر.
إننا ندرك أن في رام الله وفي غزة من يخشى المصالحة الفلسطينيةالفلسطينية لغرض في نفسه. فلماذا لا نتخطاهم وننهض كلنا مشاركين في ترميم ما انهدم من حوائط البيت الفلسطيني. نحن نقول وبالصوت العالي مرحبا وألف مرحب بكل الأيدي التي تعيد الوحدة الوطنية وتنهي الخصومة وتنبذ الخلاف وتطوي صفحته إلى الأبد، مرحى وألف مرحى لكل رجل رشيد يستمسك بحقوقنا التاريخية في بلادنا فلسطين، لا يفرط فيها، ولا يتنازل عن ذرة رمل فيها، فما لا نتمكن من استرجاعه اليوم سنسترجعه في يوم قادم يكون فيه شعبنا أقدر على انتزاع حقوقنا وتحرير فلسطيننا، وليس ذلك ببعيد. فلا نستعجل رزقنا، إنه آت آت، المهم ألا نتنازل عن شيء منه أو نوكل فيه أحدا غيرنا.
أيها الناس لا تمنعوا عن أهليكم قوامات الحياة، بل امنحوهم وسائل العيش الكريم، وامنعوهم من الأعداء التاريخيين. ولا تنسوا أن تخلى عنا وعن فلسطيننا وعن قدسنا وأقصانا كل العرب وكل المسلمين، أفلا يستوجب ذلك منا أن نتحد ونتوحد في السراء والضراء. ورحم الله الزعيم الشهيد ياسر عرفات الذي نهض ثائرا وطنيا، فكان بوصلة فلسطين الواحدة، يستشعر آلآم شعبه، ويستمع لأنينهم، ويلبي لهم احتياجاتهم، فأوجد صندوق الصمود ليمد أهلنا في الأرض الفلسطينية المحتلة بما يثبت أقدامهم على هذه الأرض، ويعينهم على نوائب الزمان بالثبات والصمود والتحدي، فأين منه خلفاؤه الذين يسلبون الشعب وسائل عيشه ويصادرون صبره على المكاره ويجفـفون منابع الحياة فيه، ويراءون ويمنعون الماعون بل أين منه أحزابنا المتناحرة فيما بينها على المال والسلطان. وإني على يقين لو أن استفتاء نزيها وشفافا حصل في أرضنا الفلسطينية فإن نتائجها ستكون حسب المتوقع لا للأحزاب ولا للتشرذم الفصائلي، وهذه اللاءات هي لسان حال الشارع الفلسطيني فاسألوا صاحب الجرح، إنه أصدق تعبيرا عن الألم.
بقلم الصحفي/ عبدالحليم أبو حجاج