الكرة في ملعبكم فاحتفظوا بها أيها الفلسطينيون

بقلم: أكرم أبو عمرو

استمعت واستمع الكثير الكثير إلى الخطاب الأخير للرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة ، وتابعت باهتمام بالغ إلى كثير من ردود الأفعال حول هذا الخطاب ، والتي كانت ما بين مؤيد لما جاء فيه من كشف صريح لعورات الشرعية الدولية وعجزها عن تنفيذ قراراتها ، وسيادة سياسة ازدواجية المعايير عند تناول القضية الفلسطينية ، وما بين معارض لا يرى فيه أي جديد ، بل رأى فيه الانهزامية والضعف ، حيث جاءت هذه المواقف من منظور ورؤى حزبية وفصائلية ضيقة .
دعونا نتحدث قليلا بشيء من الصراحة ، كاتب هذه السطور كان واحدا من أبناء هذا الشعب الذين استمعوا لهذا الخطاب ، وكنت أمل قبل أن يقف الرئيس على منصة الإلقاء أن يكون الخطاب ناريا ، فيه الكثير من القرارات الفلسطينية القوية ، أبرزها انتهاء حقبة أوسلو ، وإعلان الدولة الفلسطينية وهي تحت الاحتلال الإسرائيلي ، انطلاقا من قرار الأمم المتحدة رقم6719 لعام 2012 ، ويطالب المجتمع الدولي بضرورة وضع حد لاحتلال دولة لدولة أخرى معترف بها ، كنت أتوقع الإعلان عن سحب اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل حتى تعترف بالدولة الفلسطينية ، لكننا سمعنا خطابا من نوع جديد ، كان خطاب مفاجأة ، لأنه جاء مطابقا لما يدور في خلدنا ونؤمن به إذ جاءت كلماته كالحجارة ، نعم حجارة فلسطينية تلقى على الأمم المتحدة وقراراتها ، لعقمها وعدم فاعليتها وتنفيذها ، والسبب عدم قدرة المجتمع الدولي من اتخاذ أي إجراء عملي تجاه دولة إسرائيل المتمردة على هذه القرارات ، لقد ضربت إسرائيل بعرض الحائط بكل القوانين والأعراف والمعاهدات الدولية ، بكل قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن منظمات ومؤسسات الأمم المتحدة ، بكل المبادرات الدولية من الشرق والغرب ، بكل قرارات المؤتمرات الدولية ، ورفضت الأيدي الفلسطينية الممدودة للسلام .
خطاب كان بمثابة الإعلان عن فشل الجهود المبذولة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى اللحظة ، سنوات زادت عن العشرين عاما من المفاوضات لم تخرج عن طور العبثية وإهدار الوقت ، في المقابل استمرار إسرائيل في انتهاج سياساتها الاستعمارية والاستيطانية في الأراضي الفلسطينية ، نهب للأراضي ، توسع استيطاني ، طرق التفافية ، حصار ، اعتقالات بالجملة بين صفوف الفلسطينيتين ، نهب للموارد ، الدفع لتهجير الفلسطينيين بما يعرف سياسة الابارتهايد وتكريس التمييز العنصري للعمل بسرعة على تحقيق يهودية الدولة .
اعتقد أن الرئيس محمود عباس وهو الرجل الذي تخطى سن الثمانين من عمرة ، إنما أراد بهذا الخطاب هو وضع الفلسطينيون قبل غيرهم أمام مسؤولياتهم ، ليقول لهم لقد استنفذت كل المحاولات ، ولم نصل إلى نتيجة ، ويقول هذه أمانتكم بين أيديكم، هذه قضيتكم فامسكوا بها جيدا .
نعم اعتراف صريح بعدم جدوى المفاوضات في هذه المرحلة خاصة من يسيطر على إسرائيل اليمين المتطرف ، والدعم اللا محدود من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية ، أمام العجز العربي الحالي ، وكفى فرقة وتشرذم ، كفى رفع شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع أمام شعب يريد الحياة كباقي شعوب الأرض .
اننا وإذ نرى أن ما جاء به الخطاب هو عين الصواب ، فإننا نأمل من الكل الفلسطيني عدم الخوض في الانتقادات التي لا طائل لها ، واعلموا أننا نعيش واقعا نعرفه جميعا ولكننا نتغافل عنه وهو
أولا أن السياسات الإسرائيلية والممارسات القمعية التي يقوم بها الاحتلال إنما هي بفعل استخدام القوة العسكرية منذ اليوم الأول للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1967 ، هذا يعني أن استخدام القوة في مصادرة الأراضي ، وبناء المستوطنات ، والتوسع الاستيطاني المستمر ، والاعتقالات ، والاحصار ، ونهب الموارد ، والتهجير ، والقتل والتشريد إنما هي قائمة قبل توقيع اتفاقية واسلوا ومستمرة إلى الآن .
ثانيا أن فشل المفاوضات بين الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي ، يجب أن ينظر إليه على انه نجاح للسياسة الفلسطينية القائمة على عدم التنازل أو التفريط بالثوابت الوطنية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطينية ، وان هناك خطوط حمر فلسطينية لا يمكن لأي فلسطيني تجاوزها ، ولو كان هناك أي تفريط أو تنازل لرأينا اتفاقات بذلك، لكن هذا لم يحدث ، لان إسرائيل ترفض الحقوق و المطالب الفلسطينية، وأن سياسة التنسيق الأمني ، التي يعزف البعض عليها هي مفروضة على الفلسطينية وفي معظمها من اجل تحركنا من والى فلسطين وبين المدن والبلدات الفلسطينية وفي اعتقادي انه مهما أعلن عن وقف هذا التنسيق إلا انه سيبقى بصورة ا أخرى لان إنهائه نهائيا ، يعني تشديد الممارسات الاحتلالية بشكل أكثر أي عودة الحكم العسكري الإسرائيلي إلى الأراضي الفلسطينية .
هذه حقائق يجب أن نعرفها ونعيها جيدا بدون اتهامات وتخوين بعضنا البعض ، وان نبحث عن كلمة هنا أو هناك ونقف عندها وكان الدنيا قامت ولم تقعد ، كعبارة الإرهاب المحلي التي أشار إليها الرئيس ، فهي في الأصل لا يقصد بها المقاومة بل يقصد بها الإرهاب الحقيقي المعروف والموجود في الدول المجاورة كما اشر .
الخطاب هو دعوة صريحة إلى تقييم المرحلة الماضية وتصحيح المسار ، وهذا يجب أن يتم عبر المؤسسات الفلسطينية ، المنبثقة عن منظمة التحرير كالمجلس الوطني الفلسطيني ، وهذا لا يأتي إلا بانتخابات شاملة رئاسية وبرلمانية .
ولكي نصل إلى هذه المرحلة بسرعة دون ضياع الوقت لا بد من إزالة اكبر عقبة في طريقنا ألا وهي الانقسام الفلسطيني ، وعودة اللحمة الوطنية الفلسطينية ، فلا بد من دعم الخطوات التي تم التوافق عاليها مؤخرا في القاهرة وبرعاية مصرية ، وسرعة تطبيقها وعدم وضع العراقيل أمامها ، عندها سوف تتشكل رؤية فلسطينية سريعة للمستقبل ، ويتم رسم الطريق الذي سنسلكه من اجل تحقيق طموحاتنا وإقامة دولتنا المستقلة على أرضنا وعاصمتها القدس الشريف .

بقلم أكرم أبو عمرو
غزة فلسطين
2392017