لا يخفى على أحد أن التطوع هو ما يبذله الانسان لمجتمعه بدون مقابل، بهدف المساهمة في تحمل المسئولية المجتمعية، وهو ما يقدمه من جهد سواء جسدي أو فكري عن رضا وقناعة بدون مقابل مادي، بقصد خدمة المجتمع وحماية الوطن والمواطن من أي مخاطر، وهذا العمل يعزز القيم الانسانية والتعاونية بين أفراد المجتمع ويؤسس لمجتمع مدني، ولكن ما يلاحظ في هذه الايام على الصعيد المحلي بأن التطوع لم يعد رسالة انسانية بمفهومها التقليدي تتم بدون أي ضغوط أو تدخلات أو تأثير على المتطوع، بل أصبح شكل جديد من أشكال استغلال للظروف الناتجة عن البطالة وارتفاع نسبها بين الخريجين الشباب حتى وصلت 60%، بالإضافة لعدم قدرة سوق العمل على استيعابهم وفق تخصصاتهم المتعددة، والتي دفعت العديد منهم للبحث عن فرصة عمل بأي طريقة ممكنة وإن كانت بالمرحلة الاولي تطوعية بهدف التدريب والاندماج في سوق العمل متأملين بأن تكون لهم الاولوية بالعمل لحظة توفر أي فرصة في مكان العمل، وقد سجلت الاحصائيات بأن هناك مؤسسات تشغيلية يزيد عدد المتطوعين فيها عن 30%، ومنها مؤسسات صحية واجتماعية، قد بلغ عدد سنوات التطوع لبعض المتطوعين أكثر من 5سنوات بدون مقابل، وفي محاولة لفهم كيفية اجراءات التطوع نلاحظ أن بعض المؤسسات التشغيلية تستغل الخريجين والمهنيين وحاجتهم للحصول على فرصة باستدراجهم للتطوع بالعمل، ويتم اسناد مهام وظيفية كاملة لهم بحيث يخضعون لكافة اللوائح والنظم الادارية في بيئة العمل ومنها العقابية، ويتحملون كل المسئوليات الوظيفية والمهنية في العمل، برغم التحاقهم بالعمل كمتطوعين راغبين في الحصول على فرصة عمل.
لقد أصبح بعض المشغلين سواء كانوا أفراد أو مؤسسات اجتماعية أو هيئات عامة يتفننون في استغلال الخريجين والخريجات بتشغيلهم بدون أي مقابل مادي أو أي حقوق قانونية في بيئة العمل، في ظل غياب التشريعات والقوانين التي تعنى بالمتطوعين وسبل الرقابة على عملهم، فبعض المؤسسات تستدرج الخريجين المهرة للعمل فيها بدعوة التطوع، وتضع شروط للاختيار والمفاضلة، وأحيانا تجري مقابلات واختبارات لهم، ويأملون المتطوعين بإمكانية استيعابهم بالعمل كنوع من الترغيب والاستقطاب للتطوع والعمل لديهم.
حسب المعلومات هناك عدد محدود من المتطوعين الذين ساعدتهم الظروف للحصول على فرصة عمل وعقد ثابت، وللتوضيح أكثر فقد استمعت خلال الايام الماضية للعديد من المتطوعين والمتطوعات الذين تحدثوا لي بمرارة وقهر عن تجربتهم في التطوع والتي لخصت منها التالي:
- منذ التطوع والالتحاق بالعمل وهم يعملون بجد واتقان للمهام الوكلة لهم، مثلهم كمثل زملائهم الموظفين الرسميين بعقود عمل، والقيام بكل الواجبات ولكن بدون أي حقوق.
- أنهم لا يتقاضون أي مقابل مادي لعملهم، وقد بلغ مدة تطوع لبعضهم عدة سنوات، وعند التعيين تم استثنائهم وحرمانهم من فرصة التشغيل.
- أنهم يلتزمون بشروط العمل كاملة ولا يتمتعون بأي حقوق، حيث تعرض بعضهم لإصابة في مكان العمل، ولم يحصلوا على أي حقوق.
- منهم من تعرض في العمل لإجراءات عقابية وتعنيف وسوء معاملة في محاولة من الجهة التشغيلية لاستبدالهم بمتطوعين جدد وخاصة من مضى على عمله التطوعي مدة زمنية طويلة، خوفا من أي التزامات نحوهم.
- معظم المتطوعين يعتقدون بأن تطوعهم في العمل سيساهم في توفير وضمان فرصة عمل من جهة، ومن جهة آخري سيساعدهم التطوع بالحفاظ على مهنتهم وتخصصاتهم العملية، وخاصة المهن الصحية والاجتماعية والخدماتية.
- يعتبر المتطوعين من ذوي الحاجات الخاصة أن تطوعهم يشكل من وجهة نظرهم أقسى أنواع الاستغلال، فبرغم تميزهم خلال التطوع إلا أنهم محرومين من فرص العمل والتشغيل؛ برغم القانون ينص على حقهم بالتشغيل بنسبة لا تقل عن 5% في أي مؤسسة عمل.
الملاحظ أن المتطوع يتأمل من خلال التطوع الحصول على فرصة عمل كأولوية له باعتباره متطوع، وهذا الامل لا ينسجم مع مفهوم وفلسفة التطوع كقيمة انسانية واجتماعية تعزز الانتماء والتعاون الاجتماعي، وإنما أمسى وسيلة ومدخل للبحث عن فرصة عمل، مما فتح المجال لبعض المشغلين والمؤسسات لانتهاز الظروف والحاجة لدى الباحثين عن فرصة عمل باستغلالهم وتشغيلهم تحت مسمى تطوع واستثمار طاقاتهم وانتاجياتهم بدون أي تكاليف أو التزامات قانونية تجاههم، -أي تشغيل بدون أجر أو حقوق-، وهذا ساهم في استمرار بعض المشغلين والمؤسسات بتجاهل إمكانية استحداث وظائف جديدة أو فرص عمل حقيقية، مما جعل هذه الظاهرة تتفشى وتنتشر بسرعة وبنسب عالية بين المؤسسات الاجتماعية والصحية والخدماتية، مما يدعو للقلق من نتائجها، ولما يعانيه المتطوعين من مشاكل نفسية وضغوط وانعدام للأمل لعدم وجود رقابة أو حماية أو مستقبل مقابل الجهد المبذول، لذا من الواجب التدخل الفوري من كافة الشركاء واصحاب العلاقة لفهم هذه المشاكل والتحديات والعمل لإيجاد الحلول الموضوعية ومنها:
- اصدار تشريع أو قانون ينظم العمل التطوعي المنتج في أماكن العمل الخاصة والعامة، بما يحفظ حقوق المتطوعين واعتبارهم متدربين حتى الاندماج فعليا في سوق العمل.
- ضرورة العمل على تحديد فترة زمنية للعمل التطوعي بحيث لا تزيد عن 3 -6 شهور، وبعدها الالزام بالتشغيل وحصول المتطوع على عقد عمل، أو يعطى الاولوية بأي فرص عمل جديدة في مكان العمل.
- ضرورة العمل على تفعيل دور الجهات الرقابية التي تتابع العمل والعمال لمتابعة سبل واجراءات التطوع في بيئة العمل، وتنظيم علاقات التطوع والتشغيل لحماية المتطوعين من الاستغلال.
- العمل على تحديد المجالات التي يمكن تصنيفها أماكن للعمل التطوعي وخدمة المجتمع، فلا يجوز أن يصنف العمل المنتج الذي يعود بالمنفعة على جهة التشغيل سواء كانوا أفراد أو مؤسسات بدون أجر بحجة عمل تطوعي.
- ضرورة العمل على انشاء قاعدة بيانات للمتطوعين والمتطوعات، وتحدد فترات التطوع وأنواعها ومدة التطوع وأي معلومات تفيد المتطوع مستقبلا وتحفظ حقه.
- العمل على تعزيز ثقافة العمل التطوعي الصحيحة، وفق مفهومها التعاوني والتكافلي الذي يعزز الانتماء والعمل لصالح المجتمع؛ لا لأشخاص أو مؤسسة مستفيدة.
- ضرورة العمل على مواجهة أفتي البطالة والفقر ضمن خطة وطنية تنموية تساهم في خلق فرص عمل جديدة، وتجدد الامل لدى الشباب والخريجين، وضرورة إعادة النظر في السياسات التعليمية، والعمل على ربطها باحتياجات سوق العمل.
- ضرورة تشكيل جماعة ضغط أو لجان نقابية من المتطوعين لإبراز القضية، والنضال الجدي لوضع حلول موضوعية تحمي المتطوعين المنتجين في مؤسسات خاصة أو عامة.
أخيرا اعتقد أن المتطوعين لديهم الاستعداد للتطوع في العمل، لكن؟؟!! مقابل أمل بالتعيين والتوظيف في فترة زمنية محددة، كما لا يجوز الاستمرار في تجاهل هذه الفئة من قبل المسئولين في الحكومة والنقابات والمجتمع المدني لما يقع عليها من استغلال، وتنكر للحقوق بسبب الظروف وغياب التشريعات المختصة، فالمتطوعين والمتطوعات هم أبناؤنا وبناتنا الذين نسند لهم مهمات النهوض بالوطن وحمايته، فهم الامل والمستقبل وواجبنا رعايتهم وحمايتهم.
د. سلامه ابو زعيتر
· باحث في العمل النقابي والاجتماعي
· عضو الامانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين