نميمة البلد: خطاب الرئيس ... وسكة المصالحة

بقلم: جهاد حرب

 (1)   خطاب الرئيس .... الملامح والمضمون

اكتسبت ملامح خطاب الرئيس في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام أهمية أكبر من مضمون الخطاب على أهميته. فالغضب في بعض ثنايا الخطاب بانتقاده تصريحات السفير الأمريكي عن "الاحتلال المزعوم" بداية خطابه، وساد أغلب الخطاب لغة احباط من عملية السلام وتحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته المتعلقة بتصفية الاستعمار، فيما ختم كلمته بنبرة تحدي عند تقديمه التحية خاصة للشهداء والاسرى ووعدهم بالحرية.

والمستمع لخطاب الرئيس في مضمونه عمليا لا يختلف عن خطاباته في الأمم المتحدة في السنوات الثلاث السابقة التي ركز فيها على تعثر المسيرة السلمية وفشلها الناجم عن إجراءات الاحتلال الاستعمارية وتهربه من دفع استحقاقات السلام، وعلى تهديده بحل السلطة الفلسطينية القائمة على أساس اتفاق أوسلو. على الرغم من تمسك الرئيس بخيار حل الدولتين الذي أكد عليه أكثر من مرة باعتباره الحل المثل والمقبول دوليا. لكن المستجد في خطابه هذه المرة هو حديثه عن خيار الدولة الواحدة التي تضمن المساواة الكاملة لجميع مواطنيها على ارض فلسطين التاريخية، صحيح أن هذا الخيار مطروح للنقاش منذ زمن بعيد، على الطاولة وامام المجتمع باعتباره خيارا استراتيجيا ثانيا لحل الصراع؛ وكأنها تأخذ حيزا من تفكير الرئيس الفلسطيني، واتبعها بتذكير المجتمع الدولي بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وموقف المجتمع الدولي منه آنذاك.

هذا الموقف المستجد في التفكير الفلسطيني "الرسمي" المتمثل بخيار حل الدولة الواحدة يطرح مسألة الايمان بهذا الخيار باعتباره خيارا استراتيجية ليس فقط لتخويف الاخرين أو التلويح به تكتيكيا باتجاه بلورة هذا الخيار في خطة عمل ووضع السيناريوهات التي تتضمن مواقف الأطراف المختلفة من هذا الخيار (وان كان على سبيل العصف الذهني) من جهة، ويحتاج الى توحيد استراتيجيات العمل الوطني من جهة ثانية، وتبني أشكال النضال المنسجمة أو المطلوبة في مسارات العمل المختلفة الداخلية والخارجية لتكريس هذا الخيار من جهة ثالثة. وان كان موقف كاتب هذا المقال لا يذهب الى تبني هذا الخيار الا ان المسألة تحتاج الى نظر وتحقيق وتمحيص فالشعوب لا تخلو جعبتها من خيارات وطموحات وآمال لكنها تحتاج التعمق في بحثها لتحقيقها.

(2)   سكة المصالحة ... رح تزبط!

السؤالان الأكثر طرحا أو تداولا هذه الأيام في مجال المصالحة يتعلقان بالتفاؤل من اعلان المصالحة الأخير والترحاب الرسمي به، وهل هذه المرة "رح تزبط"؟ وهما سؤالان مشروعان في ظل حالة الانتكاس الذي يعاني منها الشارع الفلسطيني. جواب السؤال الأول، في ظني، لدى الاغلب أن الأمل معقود فالمصالحة وانهاء الانقسام ضرورة وطنية لا يختلف عليها اثنان لكن التفاؤل محدود ان لم يكن مفقود لدى الاغلب الاعم في الشارع الفلسطيني وذلك ناجم النكسات المتتالية للأعوام السبعة الاخيرة التي تضمنتها اتفاقيات واعلانات وبروتوكولات دون إخراجها الى حيز الوجود العملي، وهو أمر معقول وربما مقبول.

أما السؤال الثاني: هل المصالحة "رح تزبط"؟ وعلى الرغم من ان هذا السؤال استنكاري، في الاغلب الاعم، إلا أن الامر يحتاج الى روية في الإجابة عليه لتحديد أوجه الاختلاف هذه الحالة عما سبقه من حالات للإعلانات والاتفاقات، وهي تتمثل بأن الطرفين في مأزق ليس له مخرج أو باتت المصالحة المنقذ الوحيد لهما أولا، وثانيا التدخل المصري أو الجهد المصري المبذول هذه المرة ليس فقط لسواد عيون الفلسطينيين بل لحفظ أمن سيناء أو جزء من الخطة الأمنية للحفاظ على الامن القومي المصري، وهو أمر مقبول في لعبة المصالح بين الدول والأطراف، وثالثا عدم الاعتراض الأمريكي والإسرائيلي على جهود أو إمكانية المصالحة بشكل معلن أو مباشر. هذه الأمور الثلاثة هي مؤشرات إيجابية قد تمنح التفاؤل "رح تزبط".

لكن هذا التفاؤل المحدود أيضا معقود على تحقيق أربعة أمور على الأقل؛ الأولى: تتمثل باختبار النوايا المتمثل بممارسة الحكومة صلاحياتها في قطاع غزة ومسؤولياتها أيضا باعتبارها الخطوة التي تسبق انطلاق القطار وعرباته المتعددة على السكة ما يتبعها وقف أو الغاء الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الحكومة أو الرئاسة في الأشهر الاخيرة. والثاني وضع خطة خارطة طريق "خارطة مستقبل" تتضمن جميع التفاصيل المتعلقة بالملفات والقضايا الناجمة عن الانقسام والمتضمنة في اتفاق القاهرة 2011 وما استجد من أمور بعده يحدد فيها الآجال الزمنية وآليات حل أو إنجازها ووسائل التغلب على الخلافات وهي تتضمن بمعنى آخر المرحلة الانتقالية، بما فيها اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، التي قد تمتد لعامين، والثالث مباشرة الجمهورية المصرية لدور فعال في الرقابة على تنفيذ خارطة المستقبل ولعب دور الميسر للحوار في كل مرحلة لتجاوز العقبات التي تعترض التنفيذ. والرابع التفهم من قبل الحركتين للانتكاسات الجزئية "التأخر في الإنجاز" هنا وهناك في ملفات المصالحة؛ بمعنى آخر توفر الإرادة السياسية لديهما لتحمل استحقاقات المصالحة ودفع ثمن انهاء الانقسام. 

بقلم/ جهاد حرب