جمر فلسطين لن ينطفئ ...

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

اليوم الأول من أوكتوبر 2017م يطوي فيه الشعب الفلسطيني صفحة الإنقلاب الأسود، صفحة الإنقسام الذي دام أكثر من عقد من الزمن، ذاق فيه الشعب الفلسطيني أمر الويلات في كل أماكن تواجده، وبالأخص في قطاع غزة المكتظ بالسكان، جراء ما نتج عن هذا الإنقلاب الذميم، الذي وضعه تحت طائلة حصار مجرم، وحروب غير عادلة ألحقت به كل أصناف العذاب من القتل والدمار والجوع ...

لقد راهن العدو الصهيوني على هذا الإنقسام لينهي القضية الفلسطينية، ويطفئ جمرها كي يتسنى له تأبيد وجوده وإحتلاله وتبديد فلسطين الأرض والشعب والقدرة والقيادة، لكن جمر فلسطين وقضيتها لن يطفأ مهما تآمر المتآمرون، ومهما جهل الجاهلون فقضية فلسطين عصية على التصفية وعصية على الإختزال، وعصية على الذوبان والتوهان، فلسطين رغم كل إفرازات الإنقلاب بقيت، قضية حاضرة، رغم التضحيات الجسام والمعاناة البالغة، كانت فلسطين تسجل الحضور تلو الحضور والإنجاز تلو الإنجاز مهما كان صغيرا أو معنويا لكنه في مسيرة النضال والكفاح كانت إنجازات مهمة تسجل لصمود الشعب الفلسطيني وثبات مناضليه وقيادته المجربة والحكيمة، بصبر وآناة تم محاصرة الإنقسام ومواجهة إفرازاته السياسية، والإجتماعية، والتخريبية والتدميرية ...

اليوم وبعد طول معاناة ينتصر صوت العقل وينتصر الشعب الفلسطيني لوحدته وقضيته ويغلق هذه الثقوب السوداء ويعيد اللحمة إلى بناءه الوطني السلطوي والإجتماعي والتمثيلي، فلا صوت يعلو على صوت الوحدة، ولا صوت يعلو على صوت الشعب الذي نبذ الإنقسام والإنقلاب بكل شرائحه وفئاته وجهاته، فلسطين الواحدة والموحدة، ترسم طريقها نحو مستقبل البناء والحرية والإستقلال بقيادة م.ت.ف، اليوم يسجل الشعب الفلسطيني إنتصارا جديدا في مساره النضالي ويسقط كل أفكار الفرقة، والإستفراد، والإقصاء، والمغالبة وكل أفكار الظلام والإنقسام، ويرسم طريق التكامل والمشاركة في العمل والعطاء من أجل وحدة الشعب ورفع المعاناة، من أجل فلسطين وإستقلالها وبناء دولتها، من أجل تحرير القدس عاصمتها الأبدية وأقصاها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.

اليوم يضيء الشعب الفلسطيني شمعة أمل جديدة على طريق إستعادة عافية ونقاء صورته وقدسية قضيته ونضاله، من أجلها فقط، ومن أجلها فقط تقدم التضحيات وتسجل الإنجازات ...

جمر فلسطين يزداد توهجا، يحرق كل الأيدي العابثة به، ويصلي العدو ليلا ونهارا، ويحرق كل مشاريع التآمر والتصفية، لأقدس قضية من قضايا الأمة المعاصرة، ولنا في تاريخ هذه القضية العبرة، فكل من تخلى عن فلسطين ذل، وكل من تبنى قضية فلسطين فقد عز وارتفع، ففلسطين تذل ولا تذل، هي عنوان حالة الأمة، ما هانت الأمة وذلت، إلا وقد إحتلت فلسطين وسقطت في براثن الأعداء، وما عزت الأمة وقويت، إلا وفلسطين كانت حرة، فهي عنوان الأمة وقضيتها المحورية والرئيسية مهما حاول البعض أن يتغاضى عن هذه الحقيقة التاريخية الإجتماعية والسياسية، ماضيا وحاضرا ومستقبلا.

إن مسؤولية الشعب الفلسطيني وقواه من فصائل وأحزاب على إختلاف ألوانها، وإتحادات ومنظمات شعبية ومفكرين ومثقفين، قادة ومسؤولين، ومواطنين في فلسطين وخارجها، مسؤوليتهم كبيرة وبالغة وخطيرة، وفي هذه المرحلة بالذات، لابد لكل هذه المكونات أن ترتقي في وعيها وأداءها وأن تتوافق وتتكامل، وأن تقرأ الواقع بموضوعية وشفافية متناهية وأن تدرك خطورة المرحلة، وما يتوجب عليها، في ظل جملة المتغيرات الوطنية والقومية والإقليمية والدولية، فتنتظم الصفوف وتتوحد الجهود للقيام بأعباء المرحلة، والحفاظ على جمر القضية الفلسطينية ملتهبا ومشتعلا، من أجل مواصلة الكفاح والنضال حتى تتحقق أهداف الشعب الفلسطيني في العودة والحرية وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس ...

اليوم تعيد الحكومة الفلسطينية بسط سيطرتها على قطاع غزة والتي تمثل الخطوة الأولى على طريق طي صفحة الإنقلاب والإنقسام، والخطوة الأولى في طريق إنجاز المصالحة الوطنية ... وعليها وضع الآليات والسياسات التي من شأنها معالجة كافة الإفرازات التي خلفتها مرحلة الإنقسام، سياسيا وإجتماعيا وإداريا، كي يتم تجاوز كافة السلبيات، وعلى جميع القوى والفصائل دون إستثناء وفي مقدمتهم حركتي فتح وحماس أن تعملا على تذليل كافة العقبات والصعاب التي تعترض أو تواجه الحكومة في القيام بأعبائها ومسؤولياتها الوطنية، فالكل شريك في النجاح والإنجاز وتجاوز هذه المرحلة الصعبة، وإرساء قواعد البناء الوطني الفلسطيني وإتمام الوحدة الوطنية الفلسطينية وإخراج النظام السياسي الفلسطيني من مأزقه، كي يبقى جمر فلسطين مشتعلا ومتوهجا، وعنوانا لتحدي المشروع الصهيوني، ولكافة المشاريع المشبوهة في المنطقة.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس