من المستفيد من المصالحة الفلسطينية المزعومة ؟؟ ..!

بقلم: أكرم عبيد

لاشك أن التأسيس لردم هوة الانقسام مهمة وطنية فلسطينية  صعبة ولكنها ليست مستحيلة إذا ما توفرت النوايا الوطنية الصادقة والإرادة الحرة لتحقيق هذا الهدف الوطني الذي يتطلع إليه الشعب الفلسطيني بفارغ الصبر للخروج من المأزق بأقل الخسائر وخاصة أن المستفيد الوحيد من هذا الانقسام المقيت كان وما زال العدو الصهيوني الذي استثمر عامل الوقت بعد توقيع اتفاقيات اوسلو الخيانية من اجل  تحقيق أهدافه العدوانية الاستيطانية وخاصة بعد التهام اكثر من 70% من الاراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والمساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية كمقدمة لإعلان ما يسمى يهودية الدولة وعاصمتها القدس الموحدة .

وكلنا يعلم ان سلطة عباس وسلطة حماس وقعت سبع اتفاقيات للمصالحة منذ العام 2007 لكنها فشلت لأسباب ذاتية تنظيمية واسباب موضوعية خارجة عن ارادة الطرفين وفي مقدمتها ان اصحاب الاتفاق لم يعالجوا بالمعنى الجدي اسباب هذا الانقسام وجذوره الحقيقية التي تتمثل باتفاقيات اوسلو وملاحقها الامنية والاقتصادية .

وهذا بصراحة يثبت بالدليل القاطع ان الانقسام لم يكن نتيجة لخلافات بين سلطة عباس وسلطة حماس فقط بل هو نتيجة معادلة اقليمية ودولية بقيادة صهيوامريكية اولاً.

ولم يكن تحريك ملف المصالحة الفلسطينية اليوم برعاية مصرية رغبة فلسطينية بين فتح وحماس بل كان  قرار خارجي  في اطار هذه المعادلة الاقليمية والدولية وخاصة بعد لقاء السيسي مع الرئيس الامريكي ترامب ورئيس وزراء العدو الصهيوني نتنياهو خلال وجوده في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وبالتأكيد وخلال هذه اللقاءات تم تفويض رئيس النظام المصري بملف المصالحة الفلسطينية لينسجم مع ما يسمى " صفقة القرن " التي ستوظف المصالحة الفلسطينية لفتح بوابة التطبيع لمعظم الانظمة العربية المتصهينة مع العدو الصهيوني الذي يسعى جاهدا بدعم ومساندة الرباعية الدولية والادارة الامريكية لتصفية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة والتفرغ لشطب معادلة الصراع العربي الصهيوني وتحويلها لمعادلة للصراع العربي الايراني بالإضافة لصراع مع محور المقاومة والصمود واعتبار قوى المقاومة مثل حزب الله والفصائل الفلسطينية المقاومة والحشد الشعبي العراقي والحوثيين في اليمن قوى ارهابية ويجب التخلص منها لإعادة ترتيب المنطقة بمقاييس ومفاهيم صهيوامريكية وهذا من اهم اسباب المصالحة المفروضة على سلطة عباس وسلطة حماس بالإضافة لسبب اخر مهم وهو ان العدو الصهيوامريكي يدرك قبل غيره ان المنطقة دخلت مرحلة جديدة بعد سقوط حلفائهم الاخوان المسلمين في مصر ووصول الحروب العدوانية  لخواتيمها وخاصة في العراق وسورية بعد دحر العصابات الوهابية التكفيرية من الجواحش صنيعته العدو الصهيوامريكي الذي تعمد تحريك الملف التقسيمي الكردي المتصهين من قبل بعض العملاء الصغار للتغطية على هزائمهم وارباك محور المقاومة والصمود والتحضير لعدوان قد يستهدف حزب الله في لبنان وسورية وقد يستهدف الجمهورية الاسلامية الايرانية بحجة تزايد نفوذها في العراق وسورية ولبنان وخاصة بعد تصعيد الخلافات الصهيوامريكية مع ايران والخلافات مع الانظمة العربية المتصهينة بقيادة النظام الوهابي التكفيري السعودي .

هذه من اهم العوامل والاسباب التي دفعت العدو الصهيوامريكي لرفع الفيتو عن المصالحة الفلسطينية وتكليف النظام المصري برعايتها كرشوة لحماس لتحييد الجبهة الجنوبية في قطاع غزة وتجميد فعاليتها المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني بعد التقارب مع سلطة عباس .

وبالرغم من رفع الفيتو الصهيوامريكي والغطاء الاقليمي للمصالحة الفلسطينية ما زال هناك جملة من التحديات التي ستواجه ملف المصالحة من اهمها الشراكة السياسية بين النقيضين في سلطة حماس وسلطة عباس والملف الامني في غزة والتنسيق مع الاحتلال وسلاح المقاومة والموظفين والمعابر والكهرباء والبطالة وغيرها كل هذه الملفات مطلوب حلها على قاعدة التوافق بين الطرفين وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل الموقف الصهيوامريكي وموقف الرباعية الدولية المتصهينة التي اصدرت بيان بهذا الخصوص تضمن ما وافقت عليه الادارة الامريكية اذ رحب بالوساطة المصرية التي ستمكن الشرعية الفلسطينية على حد زعمه من السيطرة على قطاع غزة وحل مشاكل القطاع وما لم يقله بيان الرباعية قاله المبعوث الامريكي جيسون غرينبلات الذي طالب بعزل حماس وربط ذلك بالجهود والمشاريع الرامية الى تحسين شروط الحياة الاقتصادية والمعيشية في الضفة الغربية في اطار السلام الاقتصادي الممكن حاليا تمهيدا لربطه بصفقة القرن الصهيوامريكية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية .

وفي هذا السياق يتساءل معظم ابناء شعبنا عن اسباب اندفاع الطرفين في سلطة عباس وسلطة حماس في ظل غياب برنامج واضح وصريح لهذه المصالحة التي تفتقد ايضا لتحديد العامل الزمني لهذه لتحقيقها .

وفي كل الاحوال لقد اثبتت الاحداث والتطورات ان كلا الطرفين في سلطة حماس وسلطة عباس مأزوما فاضطر كل منهما للهرولة لهذه المصالحة على مضد

اما دوافع سلطة حماس :

 فهي تعاني من ازمة مركبة بسبب الحصار وإغلاق المعابر مما فاقم الوضع الاقتصادي وتراجع الواقع المعيشي بالإضافة لازمة الكهرباء والماء والمحروقات وعدم اعمار ما دمرته الحروب الثلاثة التي تعرضت لها غزة مما فرض على الحركة ضغوط شعبية كبيرة تطالبها برفع الحصار المفروض على قطاع غزة منذ بداية الانقسام .

اما دوافع سلطة عباس فهي دخلت في نق مظلم بعد وصولهم للطريق المسدود في المفاوضات العبثية مع سلطات الاحتلال الصهيوني منذ توقيع اتفاقيات العار في اوسلو عام 1993 التي تخلى عنها العدو الصهيوني .

- يحاول رئيس السلطة المنتهية ولايته عباس من خلال هذه المصالحة العرجاء الرهان على الانتخابات الرئاسية والتشريعية لاستعادة شرعيته المفقودة لاستئناف المفاوضات العبثية مع سلطات الاحتلال الصهيوني والظهور بمظهر الرئيس الشرعي للشعب الفلسطيني بعد مشاركة حماس والجهاد الاسلمي ومعظم الفصائل الفلسطينية في الانتخابات القادمة من بوابة المصالحة .

- يحاول عباس استثمار هذه المصالحة بالرعاية المصرية لإفشال التقارب الحمساوي مع التيار الاصلاحي الفتحاوي بقيادة محمد دحلان ومن شروطه للمصالحة الغاء التفاهمات بين حماس وتيار دحلان .

-  يحاول عباس توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية قبل طرح ما يسمى " صفقة القرن " الصهيوامريكية ليحمل الجميع في الساحة الفلسطينية مسؤولياتهم .

وبالرغم من مرارة الانقسام الذي استهدف الارض والشعب بسبب اتفاقيات اوسلو الخيانية هناك بعض المشكلات الجدية التي قد تعترض المصالحة التي يتطلع لها شعبنا بفارغ الصبر من اهمها :

هل هناك توافق جدي على مفهوم المصالحة الفلسطينية ؟ ام لكل طرف مصالحة  وأهدافه الخاصة بتحريك هذا الملف على حساب المصلحة الوطنية الحقيقية للشعب الفلسطيني الذي يتطلع لردم هوة الانقسام واستعادة وحدته الوطنية الحقيقية واعادة بناء مؤسساته الوطنية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية على اسس سياسية وتنظيمية وطنية مقاومة للاحتلال لتستعيد  دورها ومكانتها في تمثيل الشعب الفلسطيني داخل وخارج الوطن المحتل .

هل هي مصالحة فلسطينية – فلسطينية ؟ ام استدراج لحركة حماس لمستنقع تصفية القضية الفلسطينية تحت يافطة المصالحة المزعومة على قاعدة ما يسمى " صفقة القرن الصهيوامريكية التي سيتم التوافق عليها اقليميا ودوليا  لإخراج الجبهة الجنوبية المقاومة في قطاع غزة من معادلة الصراع ومواجهة الاحتلال وردعه  ؟

هل العدو الصهيوامريكي سيسمح بمصالحة توحد الضفة الغربية  وقطاع غزة بلا ثمن في اطار حكومة وحدة وطنية في ظل حرمان سلطة عباس من مماسة صلاحياتها في الضفة وبالمقابل لم تسمح لسلطة حماس بممارسة صلاحياتها في قطاع غزة بعد وضعة تحت الحصار .

كيف ستسمح سلطات الاحتلال الصهيوني باستعادة وحدة السلطة الفلسطينية بين قطاع غزة والضفة وترفض في نفس الوقت قيام دولة في حدود الاراضي المحتلة عام 67.

اين تكمن مصلحة اللاجئين الفلسطينيين داخل وخارج الوطن المحتل بهذه المصالحة المزعومة ؟

وهناك ايضا مشكلة وعقبة كبيرة قد تعترض مسار المصالحة تتمثل بأصحاب المصالح  والامتيازات الشخصية الذين استولدتهم ازمة الانقسام من  الطرفين المتضررين من المصالحة الذين سيقاتلون من اجل افشال المصالحة وحماية الانقسام .

 وهذا بصراحة يقودنا الى تساؤلات مهمة :

ما هو مستقبل سلاح المقاومة في غزة ومستقبل الاجنحة العسكرية للفصائل وخاصه بعد رفض عباس لاستنساخ نموذج حزب الله ؟ .

وكيف ستعالج المصالحة قضية اكثر من اربعين الف موظف في قطاع غزة هذا الملف كان من اهم اسباب فشل كل محاولات المصلحة السابقة ؟

بالرغم من ذلك لا بد أن نقر ونعترف أن فصائل المقاومة الفلسطينية ما زالت عاجزة من إنقاذ القضية الفلسطينية من مستنقع أوسلو الآسن بسبب تورط معظمها في هذا الاتفاق وتحويل لفصائلهم من فصائل مقاومة إلى حالات متسولة تنتظر للراتب والموازنات اولاً وليس للقضية الوطنية وحقوق شعبنا الفلسطيني في فلسطين كل فلسطين المحتلة وهذا ما يشجع مجرمي الحرب الصهاينة على التمادي على حقوق شعبنا المحتلة والتهام المزيد من الأرض لاستيطانها وتهويدها والمساس بمقدساتها الإسلامية والمسيحية كمقدمة لإعلان ما يسمى يهودية الدولة المزعومة وعاصمتها القدس كما يزعمون

وهذا بصراحة يعزز الانقسام ويعمق الهوة بين أبناء شعبنا ولا يساهم  في تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية التي يجب أن تنطلق من حماية المقاومة وسلاحها وليس التفريط بها والاستجابة للشروط والاملاءات الصهيوامريكية .

بقلم : أكرم عبيد

[email protected]