منذ المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل بسويسرا آب 1897،ومرورا بوعد بلفور تشرين ثاني1917 الذي أعطى ممن لا يملك لمن لا يستحق،وما تلا ذلك من صراع محتدم معاسرائيل كتجسيد مادي للحركة الصهيونية على الأرض الفلسطينية،التي جاءت لكي تحتل أرض الشعب الفلسطيني وتطرد سكانه الأصليين وتحل محلهم المستوطنين القادمين من كل أصقاع الدنيا،تحت شعارات كاذبة ومخادعة ومضللة علمانية ودينية أرض بلا شعب لشعب بلا أرض والأرض الموعدة وغيرها من المقولات التي جرى توظيفها لخدمة اهداف الحركة الصهيونية ومشروعها التهويدي للأرض الفلسطينية القائم على الطرد والتهجير والتطهير العرقي لسكان البلد الأصلين،فكانت حرب 1948 وما نتج عنها من نكبة للشعب الفلسطيني،نكبة طرد وشرد خلالها اكثر من 850 ألف فلسطيني خارج حدود وطنهم،ودمرت اكثر من 531 قرية من قراهم،ولتقوم دولة الإحتلال على مجموعه 78 من مساحة فلسطين التاريخية،ورغم هذه النكبة فالشعب الفلسطيني لم يتسلم ولم يرفع الراية البيضاء،بل استمر في المقاومة والنضال والكفاح دفاعا عن أرضه وكل مقومات وجوده،وهو لم يندثر او يختفي كما أراد له دعاة وقادة الحركة الصهيونية،ومن دعموهم من دول الغرب الإستعماري،في زرع دولتهم في قلب فلسطين،ورغم ان حرب عام 1967 ،التي مني فيها العرب بهزيمة ساحقة،تلك الحرب التي كان يعول عليها الفلسطينيين،بأن العرب سيعملون على تحرير ما اغتصب واحتل من أرضهم،ولكن جاءت تلك الحرب،لكي تستكمل احتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية،وأراضي العديد من الدول العربية،ولقد كانت تلك الهزيمة حافزا للحركة الوطنية الفلسطينية بكل مكوناتها ومركباتها،لكي تقود نضال الشعب الفلسطيني هي بنفسها،دون التخلي عن البعد والحاضنة القومية العربية،والدعم والمساندة الدولية من كل الشعوب المضطهدة والدول الحليفة والصديقة،وقد استطاعت المقاومة الفلسطينية،من خلال قاعدة ارتكازها في الأردن،وبمشاركة الجيش العربي الأردني ان تلحق هزيمة بالأسطورة التي انغرست في أذهان العرب عن جيش الإحتلال بانه الجيش الذي لا يقهر،لتحلق به هزيمة نكراء في معركة الكرامة 2131968،ومن بعد ذلك كانت حرب تشرين 1973،والتي اعادت للعرب الثقة بأنفسهم وبقدراتهم على إلحاق الهزيمة بجيش الإحتلال والمشروع الصهيوني،ومن بعد تلك الحرب،ونجاح اسرائيل وحليفتها الإستراتيجية أمريكا ودول الغرب الإستعماري في اخراج مصر من معادلة الصراع بثقلها العسكري والبشري من الحرب مع المحتل،عبر توقيعها إتفاقية كامب ديفيد في 17أيلول1978،ومن بعد تلك الإتفاقية سعى الإحتلال من أجل الإجهاز عن الحركة الوطنية الفلسطينية،حيث كانت حرب حزيران 1982 التي شنت على المقاومة الفلسطينية في لبنان،بغرض التصفية والتبديد للقضية الفلسطينية ومشروعها الوطني،حيث توزعت قوى المقاومة الفلسطينية على أكثر من دولة عربية بعد صمود اسطوري ناهز الثمانين يوما،ولتأتي حروب التصفية والتجاهل للقضية الفلسطينية،ولكن شعبنا الفلسطيني وقيادته الوطنية،كانت مصممة على مواصلة النضال والكفاح من اجل حماية شعبها ووجودها ومنع الإنتصار الكامل للمشروع الصهيوني،مؤمنة وقانعة ومسترشدة بمقولات القادة الكبار من امتنا الراحل الكبير الرئيس عبد الناصر لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف باسرائيل وبان ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وقول حكيم الثورة الراحل القائد القومي والوطني جورج حبش إن هذا الصراع مع المحتل قد يمتد لمئة عام قادمة وعلى قصيري النفس التنحي وكذلك قول القائد القومي الكبير الرئيس حافظ الأسد إن ثمن المقاومة أقل كلفة بكثير من ثمن الإستسلام،ولتأتي الإنتفاضة الأولى،انتفاضة الحجر كانون اول 1978،ردا على محاولة تصفية القضية الفلسطينية وتجاوز ممثلها الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية،ولكن تلك الإنتفاضة اجهضت ولم تنجح في تحقيق هدفها بالحرية والإستقلال،نتيجة الإستثمار السياسي المتسرع لنتائجها من قبل القوى المتنفذة في المنظمة،وولوج طريق التسويات والمفاوضات،وليجري توقيع اتفاق ترتيبات المرحلة الإنتقالية،أوسلو الكارثة في 13أيلول1993،هذا الإتفاق الذي نتج عنه سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية في الضفة والقطاع،او ما سمي بالسلطة الوطنية،لم يتقدم خطوة للأمام نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة،حيث كانت المفاوضات الماراثونية،نهج وخيار السلطة القائمة،يضاف لذلك ما حدث من إنقسام مدمر في الساحة الفلسطينية في حزيران 2006،بين القوتين الرئيسيتين في الساحة الفلسطينية فتح وحماس،وما اعقب ذلك من انفصال جغرافي وقيام سلطتين واحدة في الضفة واخرى في غزة،وفي الوقت الذي كان فيه حضور القضية الفلسطينية يتراجع كقضية مركزية عربية إسلامية،وتصبح هامشية على الصعيد العالمي،كان الإحتلال يصعد من حربه على شعبنا الفلسطيني،في كل الإتجاهات،الإجهاز على القدس نهائيا واخراجها من عملية تفاوضية،تكثيف الإستيطان وزيادة اعداد المستوطنين في الضفة الغربية،وتقطيع اوصالها،بما يلغي أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة،مع تشديد الحصار على قطاع غزة.
كل هذا العدوان والحروب التي شنها ويشنها الإحتلال على شعبنا الفلسطيني،وتحويله للسلطة في الضفة الغربية الى سلطة بدون سلطة،لم تنجح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني،وشل قدرته على المقاومة والصمود،حيث كانت الإنتفاضة الثانية في أيلول 2000،والإنتفاضة الثالثة في تشرين اول 2015،والمتواصلة حتى اللحظة صعودا وهبوطا في اشتباك انتفاضي متواصل،يؤكد على ان شعبنا مصمم على نيل حقوقه في الحرية والإستقلال وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 دون مستوطنات وتخلي عن حق العودة.
إن الأوهام التي تعشعش في أذهان الحكام العرب،بأن اسرائيل التي تحتل أرضنا وتتآمر علينا،في سبيل حماية عروشهم المتهالكة،وإنهيار نظامهم الرسمي وانكشافه،وانخراطهم في علاقات علنية وتطبيعية مع دولة الإحتلال، يمكن ان تصبح جارة ودولة صديقة ومكون طبيعي من مكونات وجغرافيا المنطقة على حساب شعبنا وامتنا،من خلال حرف الصراع عن أسسه وقواعده وتحويله من صراع عربي اسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية الى صراع اسلامي مذهبي سني شيعي،واعتبار ايران العدو المركزي للأمة العربية،ومصدر الخطر على امنها واستقرارها ووحدتها الجغرافية،تجعلنا نقول لكل هؤلاء الواهمين،بان عليهم مراجعة حساباتهم،فبلدانهم ووحدتها الجغرافية وثرواتهم وخيراتهم،لن تكون بمنأى عن الإستهداف الإسرائيلي الأمريكي لها.
بقلم/ راسم عبيدات