منذ بدايات القرن العشرين يقع الشعب الفلسطيني تحت تآمر كبير على أرضه وحقوقه وتواجده على الأرض الفلسطينية ، حملات متكررة تستهدف الأرض والإنسان والثقافة والتراث والتاريخ العربي والفلسطيني على الأرض المقدسة .
أتى وعد بلفور نتيجة خطأ استراتيجي كان عامل أساسي من أحد العوامل الهامة التي تجرأ فيها بلفور والحكومة البريطانية على إعطاء وعد لإقامة دولة يهودية على الأرض الفلسطينية ، هذا الخطأ الذي وقعت فيه الأنظمة العربية عندما دعمت حكومة بريطانيا في موجهاتها في الحرب العالمية لألمانيا مقابل وعود بالإستقلال والحرية ، حيث كانت هذه الوعود هي مجرد مواقف مرحلية لحكومة بريطانيا لكي تقوم الأنظمة العربية بتجيير إمكانياتها وأرضها لقوات بريطانيا في نفس الوقت كانت الأنظمة تعتمد على بريطانيا التي كانت الأنظمة تعتبرها حضارية أمام التخلف العثماني ونظامه في المنطقة العربية ودفع الشعب الفلسطيني الثمن الباهظ نتيجة هذا التحالف أو التطويع للنظام الرسمي العربي لمآرب بريطانيا في المنطقة ، الإستعمار التركي للمنطقة العربية وبرغم تخلفه وأنظمته الفاسدة إنما كان يحقق وحدة الأمة العربية ووحدة أراضيها من المشرق إلى المغرب وكذلك تركيا تتحمل المسؤولية التاريخية عن ضياع الأرض الفلسطينية وتشرد أهلها إلى دول الشتات بل تتحمل تركيا المسؤولية أيضا باعتبارها هي التي حكمت الوطن العربي فكما يتحمل الشعب التركي أيضا وزر العذابات التي يمر بها الشعب الفلسطيني نتيجة فقدان أرضه ووطنه ويجب على تركيا أن تتحمل تلك المسؤولية التاريخية لما نجم عن هزيمتها في الوطن العربي في الحرب العالمية .
وعد بلفور كان له مناخات وأرضيات لم يحسن العرب فيها التعامل مع المتغيرات الدولية التي حدثت ما بعد الحرب العالمية الثانية ، فكما هو الحال قديما لحال النظام العربي القديم كما هو الحال الآن بل نفس الأخطاء ونفس الممارسات وبوجوه مختلفة .
ونجد من الجهلاء ومزوري التاريخ من يقول أن الفلسطينيين قد باعوا أرضهم في تغييب كامل لحركة التاريخ وللإرادة الفلسطينية الممانعة وللأحداث التي مهدت لصدور هذا الوعد المشئوم التي عملت فيه الدول الغربية على تكريس هذا القرار وتنفيذه كأمر واقع على الشعب الفلسطيني عندما أعلنت ما يسمى دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية وأول من اعترف بتلك الدولة روسيا وأميركا بل تعدى الأمر لأكثر من اعتراف حيث كانت المواجهة بين السكان العرب في فلسطين واليهود الروس المستجلبين إلى فلسطين مواجهات حامية الوطيس ، ومن هنا على روسيا أن تتحمل المسؤولية أيضا أمام ما يتكبده الشعب الفلسطيني يوميا من خسارة وعذاب في كافة عناصر تواجد الإنسان على الكرة الأرضية ، ويجب على روسيا أيضا أن تتحمل المسؤولية أمام مخالفتها لقوانين جنيف التي صاغتها الأنظمة المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ، أما أميركا التي بنت وجودها بما يشابه إفرازات وعد بلفور فلقد أقيمت أميركا على العنف والإستيلاء على الأراضي للهنود الحمر ومارست معهم كل ألوان التعذيب النفسي والقهري في تواجدهم على أرضهم في أميركا ، دولتين في العالم فوق القانون وتجاوز القانون الإنساني هما أميركا وما يسمى إسرائيل .
منذ وعد بلفور وثورة 36 الكبرى وأكبر إضراب في العالم مارسه الشعب الفلسطيني ضد الظلم والتعسف والقهر والعدوان بالمقابل أنهيت ثورة 36 وحوصر الشعب الفلسطيني من أدوات العمل السياسي الإقليمي والدولي في نفس الوقت كانت أعداد المستجلبين اليهود الروس والعرب تتزايد على الأرض الفلسطينية في حين أن السياسة العربية عجزت عن تنمية أدوات الصمود للمواطن الفلسطيني على الأرض الفلسطينية ، ولسنا هنا بصدد البحث عن التفاصيل التي سجلها التاريخ من عمليات قمع وممانعة في تزويد المقاومة الفلسطينية بالسلاح .
وكان عصب الكيانية المصطنعة على أرض فلسطين هم من اليهود الروس واليهود اليمنيين والعراقيين والمصريين ويهود المغرب العربي .
إذا من يتحمل المسؤولية عن عذابات الشعب الفلسطيني أليس من الواجب أن تراجع الأنظمة مواقفها وضميرها حينما تغذي حملات الإقليمية البغيضة التي تضر بالشعب الفلسطيني على المستوى الإعلامي ويقوم بعض الجهلاء بنشر فكرة أن الفلسطينيين قد باعوا أرضهم .
الأنظمة العربي بسماتها وأخطائها وسلوكها وباعتبار أن فلسطين جزئية صغيرة من الوطن العربي تتأثر بماهية هذه الأنظمة ولها إفرازاتها على الواقع الفلسطيني من شخصيات تعاملت مع واقعها بل انجرفت من خلاله إلى برامج خاسرة أثرت تأثيرا استراتيجيا على حياة الشعب الفلسطيني ، ومازالت هذه الإفرازات قائمة في صراع بينها وبين الشعب الفلسطيني وطموحات الشعب الفلسطيني وآماله في تحرير أرضه ومقدساته التي ساهم في فقدانها الجميع فالقدس اليوم في خطر والأرض في خطر والإنسان الفلسطيني في الداخل والخارج في خطر .
من وعد بلفور إلى وعود بلفورية اخرى طريق من الآلام الشاقة يعيشها الشعب الفلسطيني داخل الوطن وفي الشتات ، محطات مكملة لوعد بلفور بدء من قرار التقسيم إلى قرار 242 و 338 إلى الكارثة الكبرى التي تسمى أوسلو ومدرستها التي اعترفت بموجبها شخصيات فلسطينية بحق إسرائيل في الوجود الآمن على 80% من أرض فلسطين التاريخية ، جريمة كبرى دعمت وعد بلفور وأعطته الشرعية على الأقل بحكم الواقع والإستسلام له وعدم ممانعته ، جريمة كبرى ارتكبتها الأنظمة العربية في كامب ديفيد ووادي عربة حيث انسلخت تلك الأنظمة عن كينونتها الوطنية وبدأت تلهث وراء مصالح قزمية لحماية واقعها ومصالحها .
من وعد بلفور إلى التنسيق وخارطة الطريق التي كما حدث في الثورات الفلسطينية السابقة مطلوب بموجب تلك الخريطة الإقرار مرة أخرى بوجود وشرعية الكيان الصهيوني على أرض فلسطين بموجب تلك الإتفاقية أن تتحول الأجهزة الأمنية إلى أجهزة متعاونة مع إسرائيل في مواجهة الرافضين والمقاومين لمشروع الإستسلام والخنوع والذل الذي تفرضه واقع الأنظمة العربية ومجموعة من المستفيدين بالمواقع والقرار الفلسطيني .
بموجب خارطة الطريق أن يتحصل الفلسطينيين بوعود لإقامة دولة فلسطينية لا تمتلك سيادتها لا على الأرض ولا على البحر ولا تمتلك إرادتها على تلك الأرض التي لا تمثل أكثر من 18 % من الأرض الفلسطينية .
وإذا كانت كل المراحل السابقة تستهدف تحقيق وجود آمن للصهيونية على أرض فلسطين فإنها كانت تلاقي ممانعة قوية من الشعب الفلسطيني وأحرار الأمة العربية وأحرار العالم .
أما الآن ومن خلال مفاوضات استهلاك الزمن فإن الحقوق الفلسطينية وحقوق اللاجئين والقدس مهددة مع إغفال القرار 194 الذي ينص بعودة اللاجئين إلى أرضهم وتعويضهم تحت فلسفة دبلوماسية قائلة " حل عادل ومتفق عليه " .
مؤتمر نابولس لا يقل خطورة عن خطورة وعد بلفور ولا يقل خطورة عن إعلان ما يسمى دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية .
أصبحت قصة فلسطين التاريخية قصة مستبعدة وقضية مستبعدة من ملفات الدبلوماسية العربية والفلسطينية والدبلوماسية الدولية ، في مرحلية قذرة مارستها القوى المختلفة على الواقع الفلسطيني بدء من 48 إلى 56 إلى 67 م الى 94م الى 2000م اللا 2008 و2010 و2014 فالمعركة العربية وافرازاتها على الواقع الفلسطيني تفاوض الآن على الأرض التي احتلت عام 67م في ان كل الاطروحات السياسية تدخل الان في الحل الاقليمي المرتبط بصفقة ترامب او صفقة القرن والتمهيد للواقع الفلسطيني ومن خلال برنامج السلطة ومن ملامح التحركات الأولى التفاوضية بين حكومة أوسلو ومن خلفها النظام الرسمي العربي بل الأكثر إيلاما الجامعة العربية التي يفترض أن تكون هي الحاكمة والواقية للحقوق الفلسطينية تفاوض على التبادلية في الأرض وتفاوض على اللاجئين ، فلقد صرح أمين عام الرئاسة أن الدول العربية معنية بمؤتمر اقليمي للسلام وبمشاركتها بل وبمشاركة الجامعة العربية ، ولقد أفاد هذا المسؤول في حكومة أوسلو وسلطتها أن الدول العربية من حقها أخذ تعويض على إقامة الفلسطينيين على أرضها في تبويب واضح لعملية توطين تشارك فيها حكومة السلطة .
ومن هنا نقول بأي حق هؤلاء يمنحوا أنفسهم المواطنة على أرض فلسطين ويمنعوها عن الآخرين ظلما وعدوانا وأنانية ومصالح وركوعا لإملاءات الغير .
التاريخ يعيد نفسه بصور وألوان مختلفة والهدف دائما مزيد من التنازلات على حساب الشعب الفلسطيني واللاجئين الفلسطينيين ، فكما ذكرت قمعوا ثورة 36 وقمعوا الثورة الفلسطينية المعاصرة وقمعوا الإنتفاضة الأولى وحاصروها وقمعوا الإنتفاضة الثانية وحاصروها تحت مقولة أن السلام خيار استراتيجي مع العدو الصهيوني ، في حين أن العدو الصهيوني وللبارحة من توقيت كتابة هذا المقال ، إسرائيل تقصف غزة وتجتاح مدن متعددة في الضفة الغربية وتعلن عن برامجها الدائمة في حفر أنفاق جديدة في المدينة القديمة وتحت المسجد الأقصى .
في توقيت هذه الذكرى المؤلمة على الشعب الفلسطيني يخرج بعض المسؤولين الفلسطينيين وفي خطاب إعلامي يشابه الخطاب الإعلامي الصهيوني عندما يتحدث عن الفوضى والفلتان الأمني في مدن الضفة الغربية وملاحقة السلاح الغير شرعي ومن هنا نريد أن نقول : من هو السلاح الغير شرعي ؟ .. أهو سلاح المقاومة في نابلس ومدينة الشهداء جنين ؟ .. وهل السلاح الذي بحوزة مدبري صفقة أوسلو هو الشرعي ؟ .. إذا معنى ذلك أن كفاح الشعب الفلسطيني وثورته المسلحة منذ عام 1936 غير شرعية في وجهة نظر مدبري صفقة أوسلو المخزية الغازية لحركة التاريخ للشعب الفلسطيني المقاوم .
في هذه الذكرى الأليمة ما أحوج الشعب الفلسطيني لملمة جراحه والسعي الجاد من أجل إيجاد برنامج سياسي ونضالي موحد تختفي فيه نعرة الفصائلية وتختفي فيه أدوات التشرذم وتختفي فيه مسببات الأزمة القائمة وأن تتوحد الجبهة الداخلية الفلسطينية داخل الوطن وخارجه ومقاومة برنامج تصفية القضية الفلسطينية في نابولس التي أعلن عنها رئيس الوفد المفاوض مع الجانب الصهيوني بأنها فرصة جيدة للشعب الفلسطيني ، هذا المسؤول الذي أغمض عينيه عن التاريخ وعن الحقيقة أن فلسطين التاريخية ليس من حق أحدد التنازل عنها أو المساومة عليها سواء فلسطينيين أو عرب بل فلسطين التاريخية تهم كل مواطن عربي ومسلم .
من وعد بلفور إلى صفقة القرن طريق الآلام والتحديات والصمود للشعب الفلسطيني الذي سينتصر حتما على كل قوى الإئتلاف للشر وللظلم الدولي الذي يمارس على الشعب الفلسطيني.
بقلم/ سميح خلف