فلسطين الغائبة الحاضرة في سياسات ترامب ...!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

بعد مرور تسعة أشهر على تسلم الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم في الإدارة الأمريكية، لازال التهويش والتشويش يطبع سياسة الرئيس ترامب، ولم تتضح سياساته الخارجية بأكثر من التصعيد اللفظي مع كل من كوريا وإيران لدرجة يكاد المتابع للتصريحات الصادرة عن الرئيس ترامب وإدارته يتخيل أن الحرب قد تقع قاب قوسين أو أدنى أو أن الوضع بات مفتوحاً على خيارات وإحتمالات ساخنة، فتهلع أوروبا خوفاً وشرق آسيا والشرق الأوسط ويكتم العالم أنفاسه ...!، يضاف إلى ذلك التوتير الظاهر والمتزايد في العلاقة بين الرئيس ترامب وروسيا، وأما الصراع العربي الإسرائيلي وفي جوهره الفلسطيني الإسرائيلي والذي لازال يبشر الرئيس ترامب برؤيته لإحلال التسوية والسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لازال الغموض والصمت يلف هذه الرؤيا، علماً أن الرئيس ترامب وفريق عمله المكلف في هذا الموضوع لا يخفون ميولهم وإنحيازهم الكامل لليمين الصهيوني الحاكم وتبنيهم لرؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي في معظم المواضيع التي تمثل جوهر الصراع، من القدس إلى الإستيطان إلى الحدود ...الخ، وقد تركت إدارة الرئيس ترامب الباب مفتوحاً على تكهنات وتسريبات واسعة حول رؤيتها للتسوية وإحلال السلام فيما تشير إليه التقارير (بصفقة القرن) دون أية تأكيدات رسمية لمحتوى ما ينشر من هذه التقارير، والتي تتبنى وجهة نظر إسرائيلية صرفة، وهنا نتوقف عند ما نشر ونسب إلى المستشارة / غدير زهدان / مؤسس ورئيس مجلس إدارة نبع الغدير لحقوق الإنسان والسلام بعنوان (القضية دولة فلسطينية كونفدرالية مع الأردن ومصر بدون القدس) والذي يتضمن 21 بنداً وتفيد المذكورة أن هذه الرؤيا بين يدي القيادة الفلسطينية منذ خمسة أشهر، وأنها ستقوم بتسويقها للدول العربية ...!!، وكأن هذه السيدة (غدير كاتمة أسرار القيادة الفلسطينية والإسرائيلية والأمريكية معاً).

إن الغموض الذي لازال يلف الرؤيا الأمريكية الترامبية لإحلال السلام ونشر مثل هذه التسريبات يأتي في إطار الحرب النفسية التي غالباً ما ترافق الحروب والصراعات أو تسبقها لضرب جبهة الطرف الآخر وخلخلتها، وقياس ردات الفعل .. الشيء المؤسف أن تجد مثل هذه التسريبات والإشاعات طريقها للقارئ العربي والفلسطيني منه خاصة، والإعتقاد أن العرب يمكن أن يُقْدِموا على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني قبل أن ينهي إحتلاله للأراضي المحتلة وفي مقدمتها القدس وقبل أن يتمكن الشعب الفلسطيني من إسترداد حقوقه غير القابلة للتصرف، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس...!

لقد مضى سبعون عاماً على الصراع والشعب الفلسطيني صابر وصامد في وطنه، ويمتلك رؤية سياسية واضحة وقيادة وطنية ثابتة، تتمسك مع شعبها بها، من أجل التسوية الواقعية وإحلال السلام وتكونُ مرتكزاً لأيةِ جهودٍ دبلوماسيةٍ إقليميةٍ أو دوليةٍ أمريكية أو غيرها، من أجل إقرار تسوية مقبولة يحل بموجبها السلام في المنطقة، وبالتالي فإن أية أفكار أو جهود لا تؤدي إلى إنهاء إحتلال الكيان الصهيوني للأراضي المحتلة عام 1967م وفي (مقدمتها القدس)، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في العودة وفق القرار 194 لسنة 1948م وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967م تشمل (قطاع غزة والضفة الفلسطينية والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية) لن تجد من يقبل بها من الفلسطينيين على الإطلاق وعلى كافة إتجاهاتهم ومشاربهم السياسية والفكرية والإجتماعية .. وكذلك أيضاً الأشقاء العرب على المستوى الرسمي والشعبي ..

وبالتالي فإن مثل هذه التسريبات لا تهدف سوى إثارة القلق والبلبلة لدى المواطن الفلسطيني والعربي على السواء، وزرع بذور الشك بين الأخوة والأشقاء.

إن قضية فلسطين الحاضرة الغائبة في السياسة الإقليمية والدولية وفي سياسة إدارة الرئيس ترامب تؤكد أن أية جهود تستهدف التسوية وإحلال السلام عليها أن تنطلق من هذه الحقائق، وإذا ما أرادت أن تتجاوزها فإنها تكون قد إختارت الإنحياز لصالح الإحتلال والإستيطان، واللذان يمثلان أعتى صور إرهاب الدولة المنظم، الذي يمارسه الكيان الصهيوني، وبالتالي فإن جهودها المنتظرة وغير المحددة وغير المعلنة لغاية الآن سيكتب لها الفشل الذريع قبل أن يعلن عنها.

ستبقى القضية الفلسطينية جوهر الصراع في الشرق الأوسط والقضية الأساسية ليس للفلسطينيين فقط وإنما للعرب والمسلمين ولجميع أحرار العالم، وسيبقى إرهاب الدولة المنظم للكيان الصهيوني المدعوم أمريكياً مصدر كل إرهاب وقلق وعدم إستقرار في المنطقة، ومحلُّ شجب وإدانة وإستنكار.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس