المرحوم الشيخ يوسف صالح قعدان من باقة الغربية ، اشتهر بولعه في الكتاب والقراءة والاهتمام بالثقافة ، فكان قارئاً مرموقاً ، وشاعراً مجيداً ، واتصف بذكائه الحاد ، وحسن المعشر ، وتواضعه الجم ، وسمو اخلاقه ، ولباقته ، وحنكته ورقته ، وحرصه على لغة الضاد ، لغتنا العربية الجميلة ، واطلقوا عليه لقب " الاصمعي " .
امتازت قصاتده بالرهافة والروح الانسانية وصدق التعبير ، ومعظمها دارت في ملامح الرؤى الانسانية ، واحاديث الشجن والحزن ، والمناسبات الاجتماعية والوطنية والدينية ، والذات الشاعرة .
وهو والد المرحوم طيب الذكر الصديق المثقف جمال يوسف قعدان ، الذي عرفناه كوالده شغوفاً بالقراءة والابحار في ينابيع وكنوز التراث العربي والفكري الانساني ، ومهتماً بالثقافة التنويرية ، والتجارب الادبية الابداعية ، واتسم بذوقه الادبي المميز الخاص ، وكانت جمعتني به عدة لقاءات لا تزال في دفتر الذكريات وسجل الذكرى .
وكان والده الشيخ يوسف صالح قعدان عاش ثمانين عاماً ، ولم يتنازل او يتخل عن عادة القراءة والكتابة الى ان لفظ انفاسه الأخيرة ، وقبل ان يتوقف عن قلبه عن النبض بسويعات ، خاطب ابنه ، وقال له بحسرة والم وتأثر " يا بني خذ القلم واحتفظ به " ، فما كان من قريحة ابي السيد الشاعر فاروق مواسي الفياضة ومخيلته الرحبة ، الا ان تجود بقصيدته " هاك القلم "، التي سارع الى نشرها في حينه على صفحات الملحق الثقافي الاسبوعي لصحيفة " الاتحاد " العريقة ، الباقية في حيفا ، الصادر يوم الجمعة ٢٨ نيسان ١٩٨٩ ، وما زلت احتفظ بهذه القصيدة المؤثرة المدهشة في ادراجي ،حتى يومنا هذا ، ويقول فيها :
وأظن اني
اني اكتفيت او انتهيت
هاك القلم !
فاحفظه يا ولدي - رعاء - للذمم
ذاك الذي كان احتفالاً شائقاً
قد دون الأيام والاوهام ممتطياً
حصاناً ابيض الأشواق يحلم بالمواسم
ويغذ سيراً في مروج لا تحفيها المعالم
حتى اذا رفت عليه نهاية العدم انطفأ
تحديقة من قلب قلبي وكفى
هاك القلم !
فاحفظه يا ولدي يسترك كالحرم
كم كان يجري في يدي
كالنهر يقفز تحت جنات الألم !
كان انتصاباً رائقاً
كانت. لياليه احتفاءً بالمنى
يتنفس الصبح الوضي للصبح طيباً مثملاً
سميته مفتاح ما في
عنقود موالي العذب
سميته عشب الرييع على الرياض يغلها الزمن اليباب
سميته كفي وكفي صافحت أحباب
سميته اشتات عمري وانتهت
هاك القلم !
ذاك الذي بالامس كان صديقي المنساب بالرهفة
ردوا عليه غطاءه
سجوه بالحزن المدمى
ورقاً ولهفة
هاك القلم !
رحم الله الشيخ يوسف صالح قعدان ، عاشق القلم والورق ، وابنه المرحوم طيب الذكر جمال يوسف قعدان ، وامد الله بعمر ابي السيد شاعرنا وحبيبنا وصديقنا فاروق مواسي ، ليبق حاملاً القلم الذي لا ينضب ..!
بقلم/ شاكر حسن