الحقيقية التي ينبغي ان تعرفها كل مكونات الشعب الفلسطيني بحركاته وفصائله وأحزابه وقواه الوطنية والإسلامية، ان هذا الوطن الذي نحيا فيه هو مسؤولية الجميع، قبل أن نقول انه حصة الجميع، باعتبار ان من يفكر بعقلية الحصص قبل التفكير بالمسؤولية اتجاه فلسطين، فإنه بالتأكيد سيكون قد ارتضى لنفسه التنصل والهروب من المساهمة الفاعلة والبناءة في بناء وطنه.
إن الحراك السياسي الذي تشهده الساحة السياسية الفلسطينية هذه الأيام له مدلولات عدة، من أهمها محاولة الخروج بالوضع في فلسطين من عنق الزجاجة كما يقولون وكسر حالة الجمود والإسراع في تشكيل حكومة التوافق القادمة، فمبدأ الشراكة الوطنية الذي تنادت به الكثير من القوى والفصائل الوطنية والسياسية الفلسطينية وعلى رأس تلك القوى التي اعتبرت مبدأ الشراكة الوطنية هو الحل للخروج من هذه الأزمة هو الرئيس محمود عباس الذي دعا من زمن طويل ومن خلال وسائل الإعلام المختلفة واللقاءات المستمرة بينه وبين مختلف القيادات السياسية الفلسطينية إلى أن الخروج بصيغة توافقية لابد أن يكون عبر مبدأ الشراكة الوطنية لأنه سوف يعُطي كل ذي حق حقه.
على كل حال فإن الصيغة التوافقية لابد لها ان تكون مطابقة لما يساهم في تقوية المشروع الوطني، وبالتالي فإن الاتفاق الأخير في جمهورية مصر العربية الشقيقة ما بين حركتي فتح وحماس، على صيغة توافقية يمكن له ان يزيل العقبات ويطوي الوقت والجهد في الإسراع بتشكيل الحكومة التي من شأنها النهوض بالواقع الفلسطيني المتردي إلى ما تصبوا إليه الجماهير الفلسطينية، ووفق البرامج الحكومية التي ستضعها هذه الحكومة القادمة، إذا فلابد للجميع ان يعلم إن سياسة الحوار واحترام الرأي الآخر وعدم إقصاء وتهميش إي جانب له مردودة الايجابي في الخروج بصيغ توافقية تخدم مبدأ الشراكة الوطنية الفلسطينية، والخلاصة إن ما دعا إليه الرئيس محمود عباس إنما يعبر عن بعد ثابت وحقيقي لمجريات الأمور في المشهد السياسي الفلسطيني، وهو خطوة جريئة لكل من ينشد المصلحة الوطنية التي ما أن تتحقق حتى يبدأ في فلسطين عصر جديد من الثوابت التي من خلالها يمكن ان تنشأ حكومة وطنية قادرة على القيام بمهامها على أحسن وجه وهذا هو بطبيعة الحال ما تنادي به الجماهير.
إن التوافق والشراكة الوطنية بين الكل الفلسطيني يلعب دورا كبيرا وربما محوريا في إشاعة الأمن والهدوء والاستقرار، وحل ومعالجة المشاكل والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية، وإنجاح العملية السياسية وتثبيت مرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني. وقد تكون أهمية التوافق الوطني اكبر في وطن، يتميز نسيجه الاجتماعي بالتنوع الحزبي والفصائلي والسياسي، وليس بالضرورة ان يعكس التنوع والتعدد دائما وجود أزمات أو مقدمات لازمات من نوع ما، بل ربما كان العكس هو الصحيح، ففي الحالة الفلسطينية ساهم ويمكن ان يساهم العدد الكبير من القوى الوطنية والإسلامية والحركات والشخصيات الوطنية والسياسية في بناء وطن قوي وعتيد، وفي ذات الوقت فإن القوى الموجودة على الأرض لابد ان تجد نفسها ملزمة بمستوي ما على التعامل والتعاطي مع ما هو قائم من معطيات وحقائق بواقعية وعقلانية، والى جانب ذلك فإن تجربة الأعوام العشرة الماضية أثبتت ان التوافق الوطني من شأنه ان يفضي إلى حصول مرونة في بلورة الخطوات والمقدمات المطلوبة لإقامة مجتمع فلسطيني متجانس ومنسجم، تختفي وتذوب فيه الانقسامات والاحتقانات والتشنجات والتشرذمات والمشكلات، مما يمهد بالتالي إلى الوصول للهدف المنشود إقامة دولة المؤسسات والعدل والنظام، ولاشك فان هذا كله وما يرتبط به بشكل أو بآخر ممكنا إلى حد بعيد إذا صدقت النيات وحسنت السرائر، وتم تقديم العام من المصالح على الخاص منها.
مرة ثانية وثالثة ورابعة نؤكد ونشدد على انه لا بديل عن مبدأ التوافق والشراكة الوطنية الحقيقية لإدارة العملية الوطنية الفلسطينية في الوطن خلال المرحلة المقبلة، وإقصاء أي طرف من الأطراف يمثل بالنسبة للرئيس محمود عباس خطاَ احمرا مهما كانت المبررات والحجج والذرائع، فالتوافق والشراكة الوطنية الحقيقية تعني بحسب فهمنا ورؤيتنا انه لا إقصاء ولا تهميش ولا استئثار ولا استفراد بالقرارات، وتعني الاستناد على قاعدة وطنية واسعة وعريضة، والتوافق على مبادئ وثوابت وطنية تكون محورا لبرنامج عمل الحكومة والدولة، فوطن مثل فلسطين لا يمكن ان يدار إلا عبر التوافقات السياسية والشراكة الوطنية الحقيقية المبنية على أساس الثقة المتبادلة وتغليب المصالح الوطنية العامة على المصالح الحزبية والفئوية الخاصة والضيقة.
لا يمكن بناء الدولة الفلسطينية إلا بالتوافق والشراكة الوطنية من الكل الفلسطيني، ووفق هذا المنهج تنظر الجماهير الفلسطينية بتفاؤل وأمل كبير على أن القادم سيكون للبناء والأعمار وتقديم الخدمات والقضاء على البطالة والفقر وسيكون الوطن الفلسطيني فيها هو المنتصر، ويأخذ دوره الريادي المعروف في المنطقة، ولا يساورنا الشك أبدا أن قلعة الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير ستبقى جذورا متأصلة في فلسطين ومثالا يحتذي به في جميع شعوب دول الجوار.
بقلم / رامي الغف*
• أخر الكلام
كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
*الإعلامي والباحث السياسي