الشيخ القرضاوي ... وضرورة التصويب

بقلم: وفيق زنداح

الشيخ الجليل يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وفي حديثه بالجلسة الختامية لمؤتمر الاتحاد والذي انطلقت فعاليته السبت الماضي بالعاصمة التركية اسطنبول والذي تحدث فيها بالعديد من القضايا والمحاور .
ما جاء بكلام الشيخ القرضاوي يستحق الرد والتوضيح والتصويب ... حتى لا يمر حديثه بانسيابه ومدلولاته وعباراته ومعاني مفرداته والتي تبتعد عن الحقيقة والصواب ... وكونها خارجة من الشيخ القرضاوي باعتباره قامة كبيرة يجب الرد عليها ... وتوضيحها ... او على الاقل تأكيد الحقائق ... بما يعرفه الجميع دون استثناء سواء اتفقوا ... او اختلفوا بتقديراتهم السياسية ... ومنظورهم الاستيراتيجي حول مجريات الاحداث وما وصلت اليه .
فالقامات الكبيرة والمناصب والشخصيات العامة الدينية والسياسية نحترمها ونجلها ... بحكم ثقافتنا وتربيتنا واصول جذورنا ... لكنها لا تعني بالمطلق امكانية القبول بالصمت ... والابقاء على حالة الغموض ... وتمرير بعض الكلمات التي لا تحمل صحيحا في انسيابها ... ولا صحة بنتائجها .. ولا صوابا بتحليلها ... بل مخالفة لكافة الوقائع ومجريات الاحداث .
وحتى نكون بصلب ما تحدث به الشيخ القرضاوي حول ان الامة الاسلامية تحتاج الى اعادة تأهيل لتحرير الاوطان ... بحسب ما جاء بكلمته ... وهذا كلام كبير ... وله معاني ومدلولات اكبر ... يطول الشرح والتفصيل فيها ... ويصعب الرد عليها من خلال مقال ... لان الحديث عن الامة الاسلامية وما فيها وعليها يحتاج الى عشرات الالاف من الابحاث والمقالات والكتب ... والتي تحتاج الى الكثير من الافكار العديدة واللقاءات المتعدده لوضع ما تحتاجه الامة ... وما يعيبها ... وهذا ليس مجالا للحديث بقدر ما اتفق مع شيخنا الجليل ان الامة الاسلامية بأسوأ احوالها ... وتحتاج الى تأهيل وتطوير ... ومعالجة صحيحة للكثير من المفاهيم والمغالطات التي انتشرت ... بحيث اصبحت ثقافة معلومة ومعمول بها ... حتى انها اوجدت بعض الجماعات والقوى التي أساءت للامة الاسلامية وجعلت منها مجموعات من القتلة ... الذين لا يتحلون بصفات انسانية .... مما جعل من الامم الاخرى ان تأخذ موقفا متحفظا ... بل متناقضا ... ورافضا ... لامتنا والتي بأغلبيتها أمة متسامحة ومحبة للجميع ... وتعمل بكل جهدها وطاقاتها على تعزيز حوار الحضارات والاديان والثقافات ... لاننا نعيش جميعا على هذه الارض ... وما يحكمنا انسانيتنا التي نتجمع حولها ... ولكل منا دينه وثقافته وتعاليمه .
الانسان المسلم انسان عظيم بقيمه واخلاقه ... بمبادئه وتعاليم دينه ... وهذا لا يعني أننا امة لا تحتاج الى اعادة تأهيل فكري ... ثقافي ... سلوكي مجتمعي ... قيمي .... وانساني .. اعادة تأهيل للاجيال المسلمة على صحيح الدين ... وعلى ارضيه وطنيه ملتزمة بالقانون والنظام ... وليس خروجا عنهم بأي حال من الاحوال .
الامة الاسلامية وحاجتها الى اعادة التأهيل لتحرير الاوطان من التخلف والاستحواذ والسيطرة ... وتغييب العقول ... تحتاج الى التأهيل والتصويب ... حتى نتمكن من مواجهة ما بداخلنا من فكر منحرف ... وسلوكيات شاذة ... وافعال مشينة ... ومجموعات ارهابية اخذت طريقها المنحرف ... مما اساء لنا ولامتنا وديننا ... وحتى لإنسانيتنا .
الشيخ القرضاوي يتحدث بنقطة ثانية عن ان ما جرى بالربيع العربي حسب تسميته قد احبطه الغرب بحسب قوله ... والذي يدير المنطقة حاليا بحسب رؤية الشيخ القرضاوي والذي يثير القلاقل بالمنطقة .
هذا ما جاء بكلام الشيخ القرضاوي وما طرحه من افكار ... وما تناقلته وكالات الانباء ... والذي يجعل واجب التصويب ... ومعالجة حقبة زمنية ... لا نريد لها ان تمر دون وقفة صادقه ... نعالج فيها ما ارتكب من اخطاء ... ونصحح فيها ما ورد من اقوال ... كما قول الشيخ القرضاوي الذي يتحدث عن ما يسمى بالربيع والذي جاء وفق مخطط مدبر لتخريب دول المنطقة ... واثارة الفتن بداخلها ... وتفتيتها وتقسيمها في اطار الفوضى الخلاقة والشرق الاوسط الكبير ... حيث كانت القوى الغربية هي من الجهات المدبرة والمخططة والمتابعه للتنفيذ ... الا ان حكمة الله وارادته... قد منعت كارثة كبرى كادت ان تحدث لتخرب منطقة بأكملها ولتدخل هذه المنطقة بحروب طويلة لا طائل منها .
فالشعوب العربية وقد استيقظت بعد ان غرر بها ... واستطاعت ان تصوب اوضاعها ... وان تجدد انظمتها ... وفق ارادتها وانتخاباتها الديمقراطية ... ولم تمكن التنظيم الدولي للاخوان ... وما كان يدبر .. ويجري تأهيله لاجل السيطرة والتحكم وبسط النفوذ واطاعة الغرب بما يمكن ان يملى عليهم .
ما حدث بما يسمى بالربيع العربي مخطط امريكي وبشراكة غربية مع بعض دول المنطقة والاقليم وخاصة قطر وتركيا... اضافة للقبول الايراني ولمصلحة التنظيم الدولي للاخوان ... للاطاحة بالدول وتقسيمها واثارة الفتن بداخلها ... وحتى يتمكن الاخوان من زعامة المنطقة ودولها ... الا ان السقوط المدوي ... وردات الفعل الشعبية ... وصحوة الاحزاب الوطنية والتقدمية والقومية والاجهزة السيادية ومجمل المؤسسات الوطنية قد اوقفت هذا التهاوي والانهيار ... واوقفت هذا المخطط ... والى حد كبير رغم انه لا زال قائما وممتدا بالعديد من المناطق والساحات العربية .
الشيخ القرضاوي يطالب بأن نجعل من الامة الاسلامية أمة عادلة لنفسها ولمن حولها ... وهذا في اطار الاماني والتمنيات والاحلام التي نتمنى ان تتحقق ... وان نجد بأمتنا الاسلامية وشعوبها العدل وقد ساد ... كما نحلم بأن نرى مثال عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذي اتسم بالعدل وبخلق المسلم ... فأين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأين عدله في امتنا الاسلامية ...التي فيها من الظلم الكثير ... كما فيها من التجاوزات ما يطول الحديث عنها ... كما فيها من الجماعات التكفيرية الارهابية التي اساءت للامة وللانسانية ... والتي يجب على الشيخ القرضاوي بأعتباره قامة كبيرة وشيخ جليل أن يعلن عن موقف صريح وواضح حول هذه الجماعات الارهابية التكفيرية ... وأن يدينهم ... وأن يحدد موقفه الصريح والواضح اتجاه ما يفعلون ... وما يقومون به من قتل الابرياء وتخريب الاوطان ... وتهجير السكان ... وانتهاك حقوق الانسان .
الشيخ القرضاوي يتحدث عن حكم الغرب من وراء الستار ويحاول القضاء على الثورات العربية في سوريا واليمن على حد قوله ووصفه وتعبيره .. وهذا ما يثير الكثير من التساؤلات حول ما يسمى بالثورات وهل شيخنا الجليل يعتبر ان ما يجري في سوريا ثورة ؟ وهل يعتبر الجماعات التكفيرية وداعش وجبهة النصرة ثوار حرية ؟ ام ان شيخنا الجليل يعتبر الحوثيين أنصار الايرانيين والمهددين للكعبه وارض الحجاز والخليج ثوار حرية ؟ .
الشيخ القرضاوي يعرف اكثر من غيره أن ما يجري بسوريا واليمن ليس بثورات ... بل مؤامرات .. بل مجموعات ارهابية تكفيرية تحاول القتل والتخريب .. وبتمويل وبدعم وبتسليح من يعرفهم الشيخ القرضاوي .. وما يتواجد في بلادهم .
الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحده يعملون وفق مصالحهم الاستيراتيجية ... ويتواجدون بقواعدهم على الارض العربية لخدمة استيراتيجياتهم كما هو حال القاعدة الامريكية بقطر ... وما يحكم مواقف تلك القوى مصالحها واستيراتيجياتها .
ولكن الاهم يا سماحة الشيخ القرضاوي ان نعرف نحن ماذا نريد ؟!... والى اين نريد الوصول ؟! ... وهل ما يجري داخل الامة الاسلامية يرفع من شأنها ... ويعزز من وجودها ... ويمكنها من رسالتها .. أم يجعلنا مستعمرة كبيرة لقوى كبرى تريد استعبادنا والسيطرة علينا ... لاننا لا زلنا نتجاهل مصالحنا... ونسير بعكس طريقنا الذي يجب ان نسير عليه ... بل اوجدنا من داخلنا ... ومن خارجنا ... من يخرب بأوطاننا ومن يشتت شملنا ... ومن يجعلنا اضعف مما كنا عليه .
شيخنا الجليل يوسف القرضاوي ... نحترم مقامك باعتبارك احد شيوخ المسلمين ... ولك كامل الحقوق بالحديث عن اصول الدين والشريعه ... وان توضح لنا الحلال والحرام ... والصواب والخطأ .... بحسب تعاليم ديننا الحنيف ... لكن الحديث بالسياسة ... والخلط ما بين الدين والسياسة قد يجعلك تخطئ التقدير والحساب والموقف ... وهذا ما لا نريده وما لا نتمناه لك شيخنا الجليل .

الكاتب : وفيق زنداح