الصراع السعودي- الإيراني هل سيقود الى حرب عنوانها حزب الله..؟؟

بقلم: راسم عبيدات

التطورات والمتغيرات في المنطقة سريعة ومتلاحقة،والصراع بين محاورها يبلغ درجة عالية من التأزم،وهو يدور حول النفوذ والمصالح في المنطقة،وكل التطورات والتغيرات الحاصلة،لها ارتباط بالتطورات المباشرة في ملفات الأزمات السورية والعراقية واليمنية والقطرية،فواضح بأن المشروع الذي قادته امريكا ومن خلفها السعودية واسرائيل في بلاد الشام وبلاد الرافدين،أصيب بإنتكاسة كبيرة،بل لا نبالغ إذا قلنا بأن هذا المشروع قد هزم،هزم مشروع الفوضى الخلاقة والتفتيت المذهبي والطائفي،كما هزم مشروع الإنفصال الكردي عن العراق،وايران عززت من دورها ونفوذها في المنطقة وترسخت كقوة إقليمية،وكذلك ذراعها المتقدم في المنطقة حزب الله،وما يشكله ذلك من خطر على امن ومستقبل اسرائيل في المنطقة،وكذلك على المصالح السعودية في لبنان.

السعودية ومن خلفها لن يسلموا بالهزيمة بسهولة،ولذلك وجدنا بان السعودية،اتخذت مجموعة من الخطوات الدراماتيكية،والتي تؤشر الى انها تريد ان ترفع من حدة الصراع مع طهران وحزب الله،فمن بعد قيام جماعة أنصار الله "الحوثيين" بإطلاق صاروخ بركان 2 على العمق السعودي،استهداف مطار خالد بن عبد العزيز،اتخذت السعودية مجموعة خطوات تصعيدية،توحي بانها تريد رفع الغطاء عن حزب الله،ورفع حدة المواجهة مع طهران والحزب،حيث تم استدعاء رئيس الوزراء اللبناني الحريري الى الرياض،ومن هناك جرى إعلان استقالته،ولا نرفع حتى اللحظة إن كان قد استقال او أقيل، في إطار التصعيد المرجح ضد الحزب،ولكن ما يرجح الإقالة،هو تهديدات وزير الدولة السعودي السبهان،للبنان،بأن تشكيل أي حكومة لبنانية جديدة من ضمنها حزب الله،هو بمثابة إعلان حرب على السعودية،وكذلك إتهام السعودية للحزب بانه يقف من وراء إطلاق الصاروخ اليمني على العمق السعودي،حيث عمدت السعودية الى فرض حصار بري وجوي وبحري كامل على اليمن،وفي الداخل السعودي كانت التطورات الدراماتيكية المعنونة بمحاربة الفساد،حيث عمد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى اعتقال ثلاث جماعات او فئات،فئة الأمراء والوزراء،وفئة رجال الدين التقليديين،وفئة الرأسمال والقطاع الخاص،وهذه الإجراءات من اجل تثبيت زعامته وسيطرته على مقاليد الحكم في السعودية،وقطع الطريق على أي معارضة محتملة من داخل العائلة المالكة او خارجها،ولعل من المهم القول بان الإستدعاء السعودي للرئيس عباس الى الرياض بشكل مفاجىء،يحمل معاني ودلالات لها علاقة بالترتيبات والتصعيد المحتمل في المنطقة،فالسعودية،تريد من الرئيس عباس ان يصطف الى جانب محور السعودية،والإعلان بشكل علني عن دعمه لتوجهاتها ومواقفها،وأيضاً ربما أبلغته بموقفها برفض المصالحة في ظل توثيق حماس لعلاقاتها مع طهران وحزب الله،وكذلك الزيارة مؤشر عل ان بعض استحقاقات المنطقة المتعلقة بما يسمى بصفقة القرن الأمريكية قد نضجت،ولعل السعودية تراهن على ان إقالتها للحريري،ستخلق إرباكات كبيرة في لبنان،وتهيء المناخ لصراع داخلي،والى حرب اسرائيلية على حزب الله ولبنان،وهذه الأحداث والتطورات يجب ربطها بما حدث سابقاً وما ويحدث حالياً،لكي نستشعر بان هناك نذر حرب في المنطقة باتت أقرب من أي وقت مضى،فقد عقدت لقاءات مكثفة بين قيادات حماس وطهران والضاحية الجنوبية،وسعي حثيث من حزب الله لترميم العلاقات الإيرانية مع حماس على وجه التحديد،كمقدمة لعودة العلاقات السورية – الحمساوية،واسرائيل تستشعر المخاطر والتحديات الحاصلة في المنطقة،ولذلك واصلت عدوانها على الأراضي السورية،كما قصفت نفقاً يخص حركة الجهاد الإسلام شرقي خانيونس،نتج عنه خمسة عشر شهيداً والعديد من الإصابات والمفقودين،واسرائيل بدات من يوم الأحد الماضي ولمدة احد عشر يوماً،اكبر تمرين جوي دولي في تاريخ دولة الإحتلال،تحت اسم "العلم الأزرق"،حيث يشترك في التمرين الذي يعتبر ذو اهمية استراتيجية كبيرة لسلاح الجوي الإسرائيلي،عامل التفوق الرئيسي على أسلحة الجو العربية، 100 طائرة واكثر من 1000 طيار وتقني جوي من عدة دول حليفة معظمها لإسرائيل من بينها،امريكا وفرنسا والمانيا وايطاليا والهند واليونان،وسينفذ هذا التمرين الضخم في قاعدة "عوفدا" جنوب فلسطين.

أمريكا واسرائيل لا تريدان لأي حركة مقاومة ان تنمو وتكبر عربياً وإسلامياً وتشكل خطر جدي وحقيقي على مصالحهما في المنطقة وعلى وجود اسرائيل على وجه التحديد،ولذلك اوكلت امريكا الى اسرائيل في تموز /2006 ان تخوض عنها لأول مرة حرب بالوكالة،وكما قالت الراحلة وزير خارجية امريكا أنذاك "كونداليزا رايس"،الحرب من اجل خلق شرق اوسط جديد،ولكن اسرائيل خسرت تلك الحرب،وتعسرت ولادة الشرق الأوسط الجديد،الخالي من قوى المقاومة والخاضعة للسيطرة الإسرائيلية والجاعل للمنطقة بحيرة امريكية مغلقة...ولكن امريكا لا تتخلى ولا تتراجع عن مخططاتها بسهولة،فهي تدرك بان تجذر وتمدد نهج وخيار المقاومة في المنطقة،سيقتلع الكثير من المصالح الأمريكية في المنطقة،وسيسقط انظمة عديدة،هي من ركائز الوجود الأمريكي في المنطقة،ولذلك كانت خطة الفوضى الخلاقة،القائمة على إدخال كامل المنطقة العربية في الحروب المذهبية والطائفية،ضرب الإسلام بالإسلام (سني - شيعي)،ولذلك كان لا بد من استحضار الجماعات الإرهابية والتكفيرية للقيام بهذا الدور،وقد تم احضار " القاعدة" المجربة في أفغانستان وأخواتها وامهاتها من المجاميع الإرهابية والتكفيرية الأخرى،لكي تقوم بهذه المهمة في المنطقة العربية،ولكي تنقل الفتنة المذهبية من الجانب الرسمي الى الجانب الشعبي،وفي البداية نجح المشروع الإرهابي التكفيري الدموي في التمدد في المنطقة،وسيطرت ما تسمى بدولة الخلافة الإسلامية "داعش" على مساحات شاسعة من أراضي العراق وسوريا،ولكن حالة الإستعصاء التي واجهتها تلك الحركة في الحلقة السورية،رغم كل الإمكانيات التي توفرت لها عسكرية ومادية وسياسية واعلامية واستخباراتية ولوجستية واحدث أجهزة التكنولوجيا والتجسس،والإحتضان والرعاية من قبل قوى عربية وإقليمية ودولية، لكنها فشلت في كسر وهزيمة الحلقة السورية،صمود الحلقة السورية وتماسكها قيادة وجيشاً وشعباً،بدعم وإسناد ومشاركة مباشرة من قوات حزب الله في الحرب والمعارك الى جانب الجيش السوري،وكذلك التدخل الجوي الروسي الفاعل والقوي والإسناد والتسليح والخبراء الإيرانيين،كل ذلك لعب دوراً حاسماً في هزيمة المشروع المعادي،وما يهمنا هنا القول بان حزب الله خرج من هذه الحرب أكثر قوة وخبرة وتجربة وتسليحاً،عما كان عليه في حرب تموز /2006،وأصبح يصنع معادلات وتحالفات إقليمية.

فشل اسرائيل وفشل "القاعدة" في تحقيق الأهداف الأمريكية لا يعني بانها ستسلم بسهولة.فنحن نشهد حالة غير مسبوقة من التحريض على حزب الله فيها الكثير من الشواهد تجعلنا متيقنين بان حرب باتت وشيكة عليه،فلعلنا نذكر جميعاً بأن القمم الثلاثة التي عقدت في الرياض،وارتضت ان يصطف العرب والمسلمين خلف "إمامة " ترامب لهم ،واحد من قرارتها بإعتبار ايران دولة راعية ل"الإرهاب" وخطر على أمن واستقرار المنطقة،وبانها أقامت أخطر منظمة "إرهابية" في المنطقة ،والمقصود هنا حزب الله.

وامريكا والسعودية وإسرائيل،لم تكتف بإعلان حزب الله منظمة إرهابية،بل سعت من أجل تجفيف موارده الماليه،وضغطت على البنوك في لبنان وغيرها لعدم التعامل مع حزب الله،وكذلك وزارة الخزانة الأمريكية،اعتبرت حزب الله منظمة إرهابية.

الضغوط والتحريض على حزب الله تكثفت بشكل كبير،بعد قيام حزب الله بتحرير كامل سلسلة الحدود الجبلية اللبنانية – السورية من عصابات "داعش" و "جبهة النصرة" في زمن قياسي،جعل قادة الاحتلال يتخوفون من قدرة وكفاء مقاتلي حزب الله،وكذلك ما لديهم من ترسانة عسكرية، تجعل التفوق العسكري الإسرائيلي في مهب الريح.

فجأة الإدارة الأمريكية تذكرت قتلى العملية الإستشهادية التي نفذها حزب الله ضد جنود المشاة البحرية الأمريكية في بيروت عام 1983 وادت الى قتل 241 منهم،وستقيم إحتفالاً لهم في الذكرى الرابعة والثلاثين لمقتلهم،والرئيس الأمريكي يقول بأن :- أمريكا لن تنسى جنودها الذين قتلوا في بيروت،وحليف ترامب المتطرف ليبرمان دخل على الخط ،وقال بأن السيد حسن نصر الله مسؤول عن إطلاق القذائف من الجولان بإتجاه الجولان المحتل على مواقع إسرائيلية في تناغم مع الموقف الأمريكي.

أمريكا تعلم جيداً بأن إسرائيل فشلت في حربها وكذلك مشروع ما يسمى بدولة الخلافة الإسلامية "داعش" في مراحله النهائية والأوضاع والظروف والمعطيات تغيرت كثيراً،فأمريكا لم تعد شرطي العالم وقدره،المشروع الأمريكي في المنطقة يتراجع وتتقدم قوى دولية وإقليمية وعربية وتملأ الفراغ،فروسيا استعادت قوتها ودورها وحضورها،وصارت الرقم المقرر في أوضاع المنطقة،وكذلك هي ايران،وحزب الله غدا قوة إقليمية مقررة في المنطقة،وهذا واضح من لقاء روؤساء أركان الجيوش العربية "المحور السني" ورئيس أركان جيش الإحتلال،مع رئيس أركان الجيش الأمريكي في واشنطن،الذين وضعوا شعار «مقاومة هيمنة حزب الله على المنطقة» بعد عقود من انطلاق حزب الله تحت شعار مقاومة الهيمنة الأميركية «الإسرائيلية» على المنطقة.الحرب الأمريكية على العراق أتت بإيران الى العراق،والحرب العدوانية التي تشن على سوريا أتت بإيران وحزب الله الى سوريا،والحرب على حزب الله ستؤدي الى تواجد ايران وحزب الله في فلسطين،ودولة الاحتلال سيكون وجودها على المحك.

فتهديداتها بشن الحرب على حزب الله ودمشق وطهران،ليست بالنزهة فبالقدر الذي ستستهدف فيه الجبهة الداخلية اللبنانية،وبناه التحتية،كذلك سينال الجبهة الداخلية الإسرائيلية وبناها التحتية الكثير من الدمار،فمعادلات الردع اليوم موجودة،والمواجهة لن تكون ساحتها لا بيروت ولا الضاحية الجنوبية فقط،بل هي ساحة اشتباك ستمتد من بيروت والضاحية لتمر بدمشق وطهران،وستنضم اليها بغداد،وسيشارك فيها عشرات الألآف من المقاومين العرب والمسلمين،وكما هزم مشروع الشرق الأوسط الأمريكي،ومشروع دولة الخلافة "داعش" سيهزم المشروع الأمريكي الجديد، وسماحة السيد حسن نصر الله قال عهد الهزائم قد ولى،وتكلفة المقاومة والقول للرئيس الراحل حافظ الأسد أقل من تكلفة الهزيمة،وهذه المنطقة قدرها أن لا تعرف الاستقرار،بسبب السياسات والأطماع الإستعمارية،فيها خيرات وثروات ومواقع وجغرافيا واهمية جيو استراتيجية،ولكن يبدو ان المنطقة ستكون امام متغيرات وتحالفات جديدة في إطار التحول،تحول يقول بإنتهاء عصر الضياع والهزائم العربية،نحو تركيم نضالي يصنع فجراً وحرية لشعوب تواقة لقيادة تعبر عن همومها وطموحاتها،وتعيد لها كرامتها وعزتها وتصنع لها نصراً.

المنازلة الكبرى والحرب قادمة...وهي بإنتظار صاعق التفجير،وعلى نتائجها سيتوقف مصير المنطقة بكاملها،وحزب الله سيكون عنصر أساسي في هذه الحرب،وفي قلب الإستهداف،ويبقى السؤال هو متى ستندلع هذه الحرب..؟؟ وهل ستخوض اسرائيل حرباً بالوكالة عن السعودية،التي تبنت وجهة نظرها بالكامل ودعت الى دعمها ضد حزب الله وايران،ام ان اسرائيل لن تخوض هذه الحرب إلا بضوء اخضر امريكي.؟؟

بقلم/ راسم عبيدات