كنت كما أترابي ومنذ نعومة اضفاري أتحسس الوطن والنضال وروح الفداء من رمز لم أكن اعرف عنه الكثير حينها، كان بطلته الموشحة بالكوفية الفلسطينية يبعث الأمل والحماس في النفوس، وكانت كلماته القوية الواثقة تشعرنا بالاطمئنان، وبان لنا وطن ودولة اكبر من كل الكون .. تربينا على هذا الإرث النضالي الصادق بقيمه المجيدة، الغير ملوثة بالصراعات الداخلية الدموية ولا بقذارة التخوين والتكفير، ارث مرصع بقيم الوحدة والتاجي والمحبة والتسامح والتضحية بلا مقابل ودون حدود ... كبرنا وكبر في وجداننا الوطن .. وصار لأبي عمار معنى أعمق، ودلالة اشمل .. هو القائد والزعيم والرئيس .. هو بوصلة الثورة التي لم تعرف الانحراف .. بوصلة اتجهت دوما صوب الوطن والقدس، حكمتها روحه الفدائية، وكذلك واقعيته الثورية، التي أزهرت مواقف وفعل نضالي تجسد في الانتفاضة الشعبية الأولى التي قلبت الموازين، ولترس برنامج سياسي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية مكننا من اختراق جبهة الأعداء نحو حلم الاستقلال والدولة .
اجل لقد تعاملت أيها القائد التاريخي بحكمة وثورية عالية في جميع المراحل، وضحيت بزهرة شبابك لأجل الشعب والثورة، فكنت أبا للجميع، ورمزا يفتخر بك أبناء شعبك كافة ودون تمييز.. ولأنك هكذا كنت في عالمنا الشخصي وطن ورمز لا يمكن أن نسمح بان يُخدش.. فان كنا ونحن نخوض جميع معارك الانتفاضة الباسلة بتفاصيلها وما قبلها نحرص على تعليق صورتك فوق جدران منازلنا فخرا واعتزازا بك، فإننا رفضا بشدة وعلى جلودنا أن نشتمك ورقابنا تحت بساطير جنود الاحتلال السوداء أثناء اعتقالاتنا المتكررة ابان الانتفاضة الأولى .. وآثرنا الضرب الوحشي والسب والشتم القذر على أن تلوث ألسنتنا بسبابك او شتمك بناء على طلب الجنود .
هكذا كنت ولا زلت وستبقى قائدنا .. قائدا لكل الشعب .. وقائدا لمسيرته منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة التي كانت امتداد لنضالات شعبنا منذ مطلع القرن المنصرم وحتى رحيلك، بل والى الآن .. ستبقى ملهما لدروس النضال والصمود فينا .
وان كنا نحي اليوم ذكراك المشرقة دوما، فان الاحتفاء الفعلي بهذه الذكرى النضالية، والانتماء الحقيقي لتضحياتك ومواقفك البطولية، هو بالاستمرار فيما حرصت عليه دوما وأبدا .. وكنت تدرك بان الثورة ستتوه في زواريب المؤامرات إن ساد الشقاق والانقسام بين أبناء شعبنا .. كنت ترى في الوحدة حجر الزاوية ووقود النضال، وبرغم ما تعرضت له الثورة من مطبات ومأزق، كنت تسارع للملمة الصفوف من جديد لمواصلة الانطلاق، وتوحيد البنادق باتجاه العدو المشترك الجاثم فوق صدورنا .
واليوم نستلهم من إرثك النضالي ضرورة السير بذات الاتجاه، باستكمال مسار المصالحة وإنهاء حالة الانقسام الكارثية التي غدت سيفا يجز رقابنا .. انطلق قطار المصالحة الوطنية اليوم، وعلينا أن نتكاثف ليصل إلى محطته النهائية، نحو وحدة النظام السياسي وفق استراتيجيه وطنية موحدة، قادرة على مواجهة كافة المشاريع التي تستهدف مشروعنا الوطني، ومن اجل انجازها كافة... نحو استعادة الديمقراطية في جميع مؤسساتنا التمثيلية.. نحو معالجة قضايا ومشاكل جماهيرنا المعيشية لأجل تمكينهم للعيش بكرامة، وتدعيم صمودهم ومشاركتهم في معارك النضال الوطني، ومن اجل إعادة الأمل والثقة لشعبنا بنفسه وبقيادته وبالمستقبل .
نحن بحاجة لكل ذلك ونحن نحيي ذكرى استشهادك الثالثة عشر، واثقين بان أحرار شعبنا سيواصلون مشوارك النضالي بكل عزم وإصرار، وبان مسيرة الثورة ستستمر بأشكال متعددة إلى أن يحقق شعبنا أهدافه الوطنية المشروعة دون استثناء .
دمت حيا ودمت شهيدا أيها القائد المغوار ,, وسلام لك ولكل الذين يرسمون على طريق النصر علامة .
بقلم/ نافذ غنيم