كثيراً ما نبدأ صباحنا نحن الفلسطينيين بأغاني مخملية وملائكية الصوت ، سفيرتنا الى النجوم ، المطربة اللبنانية السيدة فيروز ، واسمحوا لي ان اضيف وأقول الفلسطينية ، لكثرة ما غنت وانشدت لفلسطين ولعودة المهجرين والمشردين ، ومنها أغنية " سنرجع يوماً " الشجية العذبة الرقراقة التي يقول مطلعها :
سنرجع يوماً الى حينا
ونغرق في دافئات المنى
سنرجع مهما يمر الزمان
وتنأى المسافات ما بيننا
سنرجع خبرني العندليب
غداة التقينا على منحنى
ولكن للأسف أن الأغلبية لا يعرفون أن صاحب هذه الأغنية وكاتب كلماتها هو الشاعر الفلسطيني الغزي الأصل هارون هاشم رشيد ، شاعر العودة والمخيم .
فمن هو هذا الشاعر يا ترى ؟
هارون هاشم رشيد هو احد العلامات البارزة المشرقة ، ومن الكواكب الشعرية الفلسطينية التي أضاءت سماءنا ذات يوم ، من أمثال عبد الكريم الكرمي وعبد الرحيم محمود وابراهيم طوقان ومطلق عبد الخالق وحسن البحيري ومحمد علي الصالح وفدوى طوقان ومعين بسيسو وغيرهم .
وهو من أكثر الشعراء الفلسطينيين استخداماً لمفردات العودة ، وممن حملوا المدن الفلسطينية في صدورهم وقلوبهم ووظفوها في قصائدهم خاصة يافا ، عروس فلسطين وعاصمتها الثقافية والفكرية ، ومدينة البرتقال الحزين ، التي أشعلت حرائق قلبه فصبغها بهالة شعرية متلألئة تميس عروساً للمدن في الشعر العربي ، ولكثرة ما كتب وتغنى وهتف ليافا ظنه الكثير أنه من مواليدها ، وهو ابن حارة الزيتون في غزة .
هارون هاشم رشيد من مواليد العام ١٩٢٧، عاش شبابه في غزة ، وعرف أحياءها وشوارعها وازقتها ، ويقيم في مصر حتى اليوم .
انه مسكون بتراب الوطن وهاجس العودة ، وهو شاعر الخيمة والبيارة الذي يلهح طوال الوقت بذكر فلسطين والتغني بالعودة .
وكانت أول قصيدة له عن الخيمة حين أن تحول الفلسطينيون الى لاجئين ، ونشرت آنذاك في صحف غزة ، ويقول فيها :
أخي مهما ادلهم الليل
سوف نطلع الفجرا
ومهما هدنا الفقر
غدا سنحطم الفقرا
أخي والخيمة السوداء
قد أمست لنا قبراً
غداً سنحيلها روضاً
ونبني فوقها قصرا
غدا بوم انطلاق الشعب
يوم الوثبة الكبرى
فلسطين التي ذهبت
سترجع مرة أخرى
من أعماله الشعرية : " مع الغرباء ، عودة الغرباء ، غزة في خط النار ، حتى يعود شعبنا ، سفينة الغضب ، رسالتان ، رحلة العاصفة ، فدائيون ، مزامير الارض والدم ، الرجوع ، مفكرة عاشق ، يوميات الصمود والحزن ، النقش في الظلام ، طيور الجنة ، وردة على جبين القدس ، المبحرون الى يافا ، وقصائد فلسطينية " .
يمازج هارون هاشم رشيد في قصائده بصدق وحميمية بين أحاسيس الذكريات والرؤى في وطنه ، وبين صيحات التمرد والثورة التي يذيبها في كؤوس تلك الذكريات لتثير دفء العروبة والوطن الفلسطيني وحرارة الدم .
في شعر هارون هاشم رشيد أحزان ودموع حرى ، ولغة صافية مرهفة الحس ، تنساب مثل نهر متدفق تلامس القلب وتأسره ، وهو يوفق في بث لوعته وجوى قلبه .
اشتهر رشيد بقصائده الفيروزية التي تغنى في كل أصقاع الغربة والمنافي والشتات الفلسطيني ، ويتميز بشعره الحار اللاهب العذب الذي لا يصدر الا عن قلب مؤمن وملتزم بقضية شعبه الوطنية والاخلاص لها ، ولقي هذا الشعر العفوي الصادق الواضح رواجاً واسعاً على امتداد الوطن العربي .
قصائده رشيقة خفيفة ، سريعة الايقاع ، واضحة المعنى ، سهلة التلحين والغناء ، وقد حقق بهذه البساطة ، وهذا الوضوح ، وهذا الصدق ما لم يحققه شاعر آخر .
هارون هاشم رشيد رصد معاناة فقدان الوطن ، واتسم بالرومانسية الوطنية ، وعشقه للحرية والحياة ، وقدرته على استنهاض الهمم والمشاعر ، وقصيدته فيها الرقة والجمالية والحنين والغضب والكفاح والتمرد ومعاني العودة .
بقي القول ، هارون هاشم رشيد من الشعراء الذين ذاع صيتهم على امتداد الوطن العربي ، اقترن اسمه بالقضية الفلسطينية ، وكرس حياته وشعره لخدمة هذه القضية والدفاع عنها ، انه يرغول فلسطين الذي ما زال يواصل العزف على الجرح منتظراً العودة ..!!!
بقلم/ شاكر فريد حسن