ما بين الاستراتيجي والتكتيكي بعالم السياسة ... نجد فروقا شاسعة لا تعد ولا تحصى ... ما بين الاستراتيجي الذي يتعزز بمقومات قوته وخياراته والمحافظة عليه ... وحتى الثبات والتمسك به ... وما بين التكتيكي المستخدم بحكم متغيرات طارئة استثنائية ... لمصالح انية ... محكومة بظروف داخلية ... واحتياجات لجماعات او لأفراد ... او لأصحاب نفوذ ومصالح ضيقة .
نحن اليوم بحالة انقسام اسود له تبعاته الكارثية ... وازماته العميقة واثاره المباشرة وغير المباشرة ... والذي يحتاج الى كل ما هو استراتيجي ... ولا يحتاج الى ما هو تكتيكي ... تجميلي ... ترقيعي ...
فالواقع بكافة تفاصيله الإنسانية .. الاجتماعية .. الاقتصادية .. الأمنية .. والوطنية السياسية ... وحتى الإقليمية والعالمية ... والحاضرة والماثلة امام اعيننا ... لا تحتاج الى أي جهد تكتيكي ... بل تحتاج الى كل ما هو استراتيجي يعزز من مقومات حاضرنا لأجل مستقبل لا زال محفوفا بالمخاطر والتحديات ... فليس هناك ما هو مؤقت ... كما ليس هناك ما هو مؤجل ... وان هذا مهم... وهذا غير مهم ... الحديث شاملا وتفصيليا ... طالما الحوار شامل ... حتى نكون اسما على مسمى ... وليس شكلا وتكتيكا يمكن ان نتحدث عنه للجلوس والتقاط الصور ... واتخاذ قرارات فيها من العمومية اكثر مما فيها من التفصيل والتطبيق .
حالنا لا يحتاج للمزيد من ثقافة المزايدة والتصيد ... وتعزيز الفرقة والانقسام ... ولا يحتاج الى المزيد من الشطارة المبالغ بها ... والتي ثبت بالملموس انها من صلب عيوبنا ... والتي اضاعت علينا ... وارجعتنا الى ما نحن عليه اليوم وحتى ينظر كل منا للآخر ... ونرى أحوال كل منا ... ونشاهد ونسمع ما يجري ... وما يمكن ان يحدث ... ويأتي علينا .
الجبال تتحرك ... والأرض لا تتوقف على حال ... بحكم عوامل الطبيعة والزمن ... الا نحن ما زلنا نتمترس حول مفاهيمنا وافكارنا ... ومواقف كل منا ... بكل ما فيها من أخطاء... وبكل ما اثبتته الأيام والاعوام انه أخطاء فادحة ندفع ثمنها دون ان نتعلم من تجاربنا .
حرام ... ومحرم علينا ... ان نبقى على حالنا وان نجادل بعضنا وان يتصيد كل منا الاخر .
نحن اخوة أبناء وطن ... وقضية واحدة ... والمفترض والواجب ان تكون امالنا واحدة ... وتطلعاتنا مشتركة ... ومن غير المسموح والمقبول ان نبقي على حالة الفرقة والانقسام النفسي .. السياسي .. الاجتماعي .. وبهذه الطريقة ... وبهذه التصريحات التي نشمئز منها ... ونغضب لسماعها ... وتعزز بداخلنا حزن شديد ... لمجرد سماعها ... ولا نعرف عن مدى صحتها ... لكننا طالما لم يأتي الرد برفضها ... ولا الحديث بما يخالفها ... فإننا سنعتبرها بصورة مبدئية وكأنها حقيقة .. وليس تأليف ... وهذا ما لا نتمناه بالمطلق.
صحيفة الحياة اللندنية التي تقرا على مدار اليوم... ما يثير فينا الغضب ... وما يعزز بداخلنا من فرقة وانقسام ولا نعرف ان كانت هذه الصحيفة بسياستها التحريرية ذات اهداف بعيدة ... او قريبة ... لكن بكافة الأحوال تحدثت عبر تقرير لها تم نشره اليوم وعلى لسان قيادي بحركة حماس لم تذكر اسمه... وهذا ما يشير الى (عدم التأكيد) بان هناك خطوطا حمراء...
أولا /
يتعلق بقضية استيعاب ودمج ودفع رواتب موظفي الحركة الذين عينتهم منذ سيطرتها على القطاع بالعام 2007
ثانيا/
ان ملف الأمن لا يمكن للحركة ان توافق على دمج أجهزتها الأمنية مع أجهزة امن السلطة الوطنية ... ما لم تتغير عقيدتها من التنسيق الأمني الى عقيدة المقاومة .
ثالثا/
رفضها نزع سلاح المقاومة الذي وجد للدفاع عن الشعب الفلسطيني في وجه العدو .
تلك هي الخطوط الحمراء على لسان قيادي بحماس لم يتم ذكر اسمه حسب صحيفة الحياة اللندنية ... ليخرج قيادي فلسطيني اخر لم تذكر اسمه الصحيفة ذاتها ... والذي يرى ان لدى حماس خطا احمر رابعا يتمثل في إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أسس ديمقراطية تتيح لحركتي حماس والجهاد الإسلامي الدخول فيها (وانا ككاتب لا تعليق لي على الخطوط الحمراء الأربعة ... لانني لو كتبت سوف اثبت انها خطوطا ليس لها لون ... ولا رائحة ... ولا سببا جوهريا لقولها ... بهذا الوقت ... وقبل أيام قليلة من الحوار بالقاهرة )
ما نشر عبر صحيفة الحياة اللندنية أيضا وفي مقدمة تقريرها او خبرها وبحسب ادعائها ان الفصائل المدعوة للحوار بالقاهرة ... ( غير متفائلة) وان الدعوة ليومين لا يكفي للبحث بكافة الملفات المطروحة ( أيضا لا تعليق لي ... لانني لو علقت على الأقل نحتاج الى عقدين من الزمن حتى يمكن ان يتوفر الوقت لحل الملفات ... رغم ان اليومين مدة طويلة وليست قصيرة )
بهذه التصريحات اليومية وغيرها مما يطلق تثير فينا الغضب ... وتجعلنا امام حالة تدفعنا الى القول الصريح وغير المبالغ به ... ان القوى السياسية لا زالت على فكرها ... ثقافتها ... اليات قراراتها ... لا زالت تنظر للقضايا بعين واحدة ... ولا تريد ان ترى بشمولية اكبر ... وكأنها تتصور انها قوة عالمية ... تمتلك من القدرات والامكانيات ما يمكنها من فرض ارادتها... وقلب موازين السياسة الدولية ... وهذا على عكس الحقيقة تماما... فنحن لا زلنا بحاجة الصغير قبل الكبير ... كما بحاجة الضعيف قبل القوي... وان نحسب خطواتنا كما ونحدد الأمكنة التي نقوم بزيارتها ... كما لا نتناقض مع انفسنا ... وان نحدد خياراتنا ... واستراتيجيتنا ... بكل شجاعة ... وليس محاولة الالتفاف على انفسنا وعلى غيرنا .
لان خيارنا الاستراتيجي وهدفنا الاسمى بتحقيق المصالحة الوطنية والتي تلزمنا ... ولا تخيرنا ... مفروضة علينا ... وليست بإرادتنا ... محكومين لها ... وليس حاكمين عليها .
يبدو اننا لا نتابع ... وان كنا نتابع ما يجري بهذا العالم... فإننا نستخدم سياسة الانتقاء وليس سياسة التحليل والربط... ما بين القضايا والاحداث ...فإقرار لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب الأمريكي والنوايا بإصدار تشريع ينص على فرض عقوبات ضد الحكومات الذين يقدمون دعما ماليا وماديا لحركة حماس ... وهم يستهدفون قطر كما استهداف اللجنة لتشريع قانون بوقف المساعدات المالية الامريكية للسلطة الوطنية والطلب منها بوقف اعمال العنف ضد الأمريكيين والإسرائيليين وفق ما يجري امام أعضاء لجنة بالكونغرس الأمريكي والتي تدفع الى تعليق المساعدات الامريكية للسلطة الوطنية ... ( والتعليق هنا ان الولايات المتحدة وسياسة المكيالين ... والانحياز التام والكامل ... لا يعطيها حق رعاية التسوية ... وبصرف النظر عن موقفنا من قطر وسياستها التي لا تخدمنا ... بل تضر بمصالحنا الوطنية)
أي اننا امام تحديات داخلية لها علاقة بقصر النظر ... وضعف فكرنا السياسي ... كما ضعف اسلوبنا الإعلامي ... كما تناقض اقوالنا مع افعالنا ... حتى نجد أنفسنا امام تحركات وزيارات نقوم بها لا طائل منها ... ولا فائدة من ورائها الا المزيد من الضغوط ... واحكام الحصار علينا ... وزيادة التصنيف بيننا ... بين ما هو معتدل وارهابي... وبين ما هو مقبول ومرفوض ( فليس بحركاتنا السياسية من هو إرهابي ... فإسرائيل واحتلالها هو من يمثل الإرهاب المنظم ... لكن هناك مجموعات إرهابية تكفيرية لا علاقة لنا بها )
نحن بحاجة ماسة الى إعادة صياغة مواقفنا ... وتحديد خياراتنا ... وتعزيز استراتيجيتنا الهادفة الى إتمام مصالحتنا ... والاستفادة القصوى من وجودنا بقاهرة العروبة حتى نكمل كافة ملفاتنا ... وان لا نضع العراقيل امام انفسنا ... وان نفوت الفرصة على من يتربص بنا ... ومن لا يريد الخير لنا .
بقلم/ وفيق زنداح