طفولة باتت تفتقر لأدنى مقوماتها، تبحث عن زواياها وملامحها فلا تجد لها بين ازقة القدس وحاراتها عنواناً، ففي القدس كل شي مختلف، الاطفال لم يكونوا يوماً اطفالاً، كبروا بسرعة وشابوا، والمعلب بات بيت مدمر، وارض مصادرة، هناك خلف اسوار القدس لكل طفل حكاية ولكل صغير رواية خاصة، نسجت من ملامح القدس باحتلالها وعنفوانها، بتعقيد قضيتها بحضارتها وتاريخها وتراثها.
الطفولة المقدسية ترهق وانت تبحث عنها في هول ما تجد من عوامل تبددها وتدمرها، فالاحتلال اجهز على معظمها بقوانينه العنصرية وسياساته التهويدية، وما تبعها من تدمير وتهجير وحرمان، ليحمل الطفل هموم لا حمل له بها.
ويعتبر اعتقال الاطفال وفرض الاقامة الجبرية عليها اولى خطط الاحتلال لقتل الطفولة وتبديدها، فاعتقالات الأطفال المقدسيين المتزايدة وجهت ضربة نفسية كبيرة للأطفال، وعملت على تحويل الطفل المناضل الذي يبحث ويدافع عن حقوقه ويتربى في حضن وطنه، إلى طفل بعيد عن حقوقه وواقعه الوطني، فاصبح الطفل يعاني من النوبات النفسية وتساقط الشعر وصدمات نفسية تسببها ظروف اعتقاله، وعدم قدرة والديه على حمايته. وشهدت احياء الطور، والعيسوية، وسلوان والبلدة القديمة، اكثر حالات اعتقال للاطفال المقدسيين، ورغم اختلاف أشكال الاعتقال غير أن هدفها جميعها قمع الأطفال ومنعهم من ممارسة حياتهم اليومية الطبيعية، حيث تتم عملية الاعتقال الليلي من خلال القوات الخاصة والملثمين، وتتعمد اقتحام البيت بصورة همجية وسرقة الطفل من أحضان والديه لجعله يشعر بعدم الأمان وضربه ووضعه في سيارة عسكرية للتحقيق معه.
اما الإقامة الجبرية المفروضة على الأطفال، فيلجأ اليها الاحتلال بعد التحقيق لفرض إقامة جبرية لفترات طويلة قد تستمر لمدة عام؛ تضع الطفل وأهله في وضع صعب بعد كفالته من قبل أقاربه، ويُمنع خلالها من مغادرة منزله أو التوجه إلى المدرسة.
ومن الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال المقدسيين على يد شرطة الاحتلال الإسرائيلي أثناء اعتقالهم، الاعتقالات الليلية، استخدام العنف، التكبيل دون مبرر، والتحقيق دون وجود الأهل، ناهيك عن المنع من الذهاب للحمام، وحرمانهم من شرب الماء أثناء عمليات التحقيق معهم لإجبارهم على الاعتراف بإلقاء الحجارة. حيث تم انتهاك شرطة الاحتلال الإسرائيلي للقوانين الإسرائيلية الخاصة بالأطفال أثناء عملية الاعتقال والتحقيق مع أن هذه القوانين مطبقة ومعمول بها في القدس الشرقية، كما وتستخدم شرطة الاحتلال الإسرائيلي وحدات "المستعربين" ضد الأطفال المقدسيين، حيث تتم بشكل مفاجئ من قبل شخص مقنع.
ان الحرب التي تشنها سلطات الاحتلال ضد الأطفال المقدسيين تأخذ أشكالاً وأساليبا عدة، والاعتقال يأتي في مقدمتها، وأن معظم جرائم الاعتقال يتخللها ممارسة ضغوطات نفسية وجسدية عليهم ولا يتم الإفراج عنهم إلا بكفالات مالية عالية تزيد من الأعباء المادية المفروضة على العائلات المرهقة، فالأطفال ضحايا يعانون من تبعات الاعتقال مدة طويلة المدى مثل الحبس المنزلي الذي يمنعهم من التعليم ويُجبر أحد الأبوين أن يترك عمله للبقاء مع الطفل في المنزل، ولذلك تبعات مادية ومهنية إضافية، أو الإبعاد عن البلدة وما ينتج عنه من آثار نفسية واجتماعية على العائلة بشكل عام. ويعتبر الحرمان من التعليم جريمة جديدة وانتهاك فاضح يضاف للانتهاكات
الاسرائيلية ضد الاطفال المقدسيين، حيث مدينة القدس بحاجة للالاف من الغرف الصفية، وترميم لعشرات المباني، فالسياسة الاسرائيلية هي سياسة تجهيل من خلال اهمال البنية التحتية للتعليم.
بقلم:د.حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي