من المؤسف أنه بعد عدة أيام من الانتهاء من جلسات الحوار في القاهرة إن جاز التعبير بتسميتها بهذا المسمى بالرغم من أنها لم تكن حوارية من الأساس!، بدأت لغة التراشق الإعلامي بين قطبي حالة الانقسام الفلسطيني تعود من جديد ، فمنذ أن تسرب الفيديو الذي تحدث فيه عضو المكتب السياسي لحركة حماس صلاح البردويل عن خيبة الأمل الكبيرة من هذه الجولات الحوارية التي كان من المفترض أن تؤدي إلى اتفاق وخطوات مُلزمة لتنفيذها، ولكن لم يتحقق شيء ولم ينجم عنها أي شيء جديد يحقق آمال الشارع الفلسطيني بشكل عام والغزاوي بشكل خاص، لذلك بدأ التوتر يعود من جديد في خطاب كلا الطرفين كانعكاس واضح لعدم توفر الثقة فيما بينهما ولحقيقة أنهما توجها لهذه الحوارات مرغمين تحت الضغط العربي والإقليمي والدولي وليس رغبة منهم ونزولاً عند مصلحة شعبهم.
فمثلاً تحدث في برنامج ملف اليوم الذي أذاعه قبل يومين تلفزيون فلسطين ، حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وذلك بفوقية غريبة وهستيرية ، عن الحالة القائمة، وبلغة الأمر التي لم تجد لها صدى وقبول في الماضي حتى تجد لها اليوم طريقاً منطقياً وسهلاً ولن يصطدم بواقع بالغ التعقيد، حيث تحدث عن معطيات مليئة بالأكاذيب وتزوير الحقائق ، لا بل كانت جامدة لا تعير للوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة أي اهتمام وكأن ذلك ليس هو صلب الموضوع في الأساس أو أنه لا يحظى بأي قيمة تُذكر لديه، وذلك لربما يمثل انعكاسا لرغبة دفينة تهدف إلى تعطيل عجلة المصالحة والعمل على تخريبها.
حيث كان حديثه مليء بالمغالطات والتركيز فقط كان حول الإملاءات التي يريدها هذا الطرف من ذاك بعيداً عن التطرق لحاجة المواطن الغزي وتعطشه لإنفراجة باتت مُلِحَة لتخفف من ألامه وأوجاعه التي أصابته نتيجة هذا الانقسام الهمجي القائم ، مع الإدراك مقدماً بأن هذه الأوامر العبثية والاستعراضية التي كان يسردها الشيخ، لن تجد لها طريق أو أذان صاغية طالما بقيت تسير من خلال هذه الألية المصطنعة والمثيرة للشبهات ، والتي تعبر عن حالة فوضوية سلوكية لا تحظى بثقة الأخر وتمنحه الأمان إن كان بالإمكان أن يُقبِل على تلبيتها.
لذلك كان من المفيد التوافق حول لغة إبداعية ومنطقية وليس لغة تهديد سمتها العنجهية والفوقية ، حتى تجد لها طريق سريع ومريح، خاصةً عندما تتوفر فيها آلية الاحتواء وتطمين الطرف الآخر بأنهم في أمان وهذا في تقديري غير متوفر أو لا يريدون له أن يكون متوفراً وذلك عن قصد بهدف استفزاز وإثارة هذا الطرف ومن ثم تخريب المصالحة.
علماً بأن الاحتواء كان ممكناً من خلال التعاطي بحذرٍ وبمسؤولية نابعة من شعورٍ وطني وليس بدافع جغرافي مقيت وبات مفضوحاً يعرفه ويشعر به القاصي والداني من ابناء الشعب الفلسطيني ، وهو الذي يهدف إلى ضمان التبعية كنتيجة مبتغاة تضمن مصالح الفريق صاحب السلطة والنفوذ ويتحكم بمفاصل السلطة ومقومتها الشمولية.
مع العلم بأن اللغة التي تحدث بها الشيخ ، لم تكن تلك اللغة الجذابة التي تقنع المواطن الفلسطيني بأن هناك حرصاً وطنياً، ولكن للأسف التوجه ومختلف تماماً ، وبالتالي وبدون أدنى شك هذا توجه مرفوض جملة وتفصيلا ليس من هذا الفريق وغيره، فحسب، وإنما من كل أبناء قطاع غزة إن لم يكن من كل الفلسطينيين في الداخل والشتات الذين لديهم ذرة كرامة ، حيث أن هؤلاء لن ينصاعوا لهذا الخطاب الفوقي المليء بالحقد والغطرسة قبل أن يتم الالتزام التام بتنفيذ خطوات عملية وواضحة وصريحة وغير مشروطة، وتحمل آليات واضحة لرفع العقوبات المفروضة ضد أبناء قطاع غزة الأبرياء وما خلف ذلك من ضحايا هذه السلوكيات الحمقاء والهمجية والعنصرية، كما أنه لابد أن يكون هناك تأكيد على إعادة حقوق هؤلاء المواطنين كاملة وغير منقوصة.
أما ما يقوله حسين الشيخ عن صرفه على قطاع غزة 11 عاماً ، وكأن الرجل في حالة ثراءٍ يمتلك قرار الصرف لمن يشاء ويمنع عمن يشاء من هذا الملك الذي هو صاحب القرار فيه ، لذلك في تقديري أننا كنا تحدثنا سابقاً عن أن هذه اللغة الوضيعة لا تليق بمن يرغبون بوصفهم قادة ، لأن قطاع غزة يا سادة لم يكن يوماً متسولاً لهم ولا لغيرهم حتى يتحدثون عنه بلغتهم البائسة والمعيبة هذه، وهم الأكثر دراية بأن هذا القطاع ومعاناة أهله هو من جلب لهم الأموال من الدول المانحة وغيرها حتى يتنعموا بها ويحظوا بمكانة قيادية واعتبارية بلا حسيب ولا رقيب بالرغم من العفن المتراكم الذي أصاب منظومتهم كاملة بدون استثناءات.
أيضاً محاولة الشيخ بمغازلة القيادة المصرية الواعية، بأنه ومنظومته معهم بالباع والذراع في مصابهم الجلل وهو يعلم بأن الشعب الفلسطيني كاملاً يقف مع مصر الشقيقة شعباً وحكومة وقيادة كواجب متأصل في هذا الشعب بدون أن يتاجروا بهذه المواقف حسب الحاجة إليها وهذا ما تعرفه القيادة والحكومة المصرية جيداً!.
لذلك فإن الأولى به أن يتذكر أرامل قطاع غزة أولاً وأطفالهم وكبارهم ثانياً، وهم الذين اصابهم الضر نتيجة سياسات حمقاء ارتكبها هو نفسه من خلال تنفيذه لأوامر قيادة هي منتهية الولاية وفاقدة الشرعية وتغتصب السلطة عنوة، وذلك بمنع إصدار تصاريح العلاج للمرضى كحق إنساني كفلته المواثيق الدولية، لا بل ، لا تزال قيادته هذه تمعن بوقاحة وبدون رحمة أو وازع ضمير، بالتلذذ بمعاناة المواطن الغزي وهي تعربد على كرامته وتضرب عرض الحائط القانون الدولي الذي يعاقب على امتهان حياة وكرامة الإنسان الذي دفع الثمن غالٍ جداً نتيجة هذه العقوبات غير الإنسانية، ولكن لربما أن هذا غائب عن الشيخ لأنه لربما يعيش حالة من رفاهية الاختيار بدون الحاجة للشعور بألآم وأوجاع أبناء شعبه الذين كسرهم هذا الحصار وحطم إنسانيتهم ودمر أحلامهم واسقط مستقبلهم، نتيجة غباء منظومته وغطرستها وتواطؤها المشبوه بالدوس على أمالهم وتطلعاتهم.
أيضاً خرج علينا عضو اللجنة المركزية ورئيس وفد حركة فتح إلى المصالحة عزام الأحمد من خلال برنامج حال السياسة بأن انهاء الانقسام الفلسطيني بعد 11 سنة بحاجة الى وقت ولن يتم بين يوم وليلة وكأن الرجل لا يدرك حجم الجريمة التي لا زالت تُرتكب في حق أبناء قطاع غزة الذين لم يعد لديهم المزيد من الصبر لتحمل هذه السلوكيات الفوقية البغيضة التي تتجاهل أمالهم وتطلعاتهم ولا تعمل على تخفيف ألامهم وأوجاعهم عن قصد وبهدف إذلالهم وكسرهم.
لا بل تمادى بحديثه الذي ظهر فيه وكأنه يستخف بمشاعر المواطن الغزي ، هذا المواطن الذي لم يعد لديه قدرة على الصبر على هذه الغطرسة والفوقية بالتعاطي مع احتياجاته الحياتية ، حيث قال ، أن انهاء الانقسام بحاجة الى ان نمشي خطوة خطوة لتمكين الحكومة من بسط سيطرتها على قطاع غزة ،ولذلك يجب ان نمشي بخطوات ثابتة وراسخة وقوية ، وعندما تنتهي الخطوة الأولى ننتقل الى الخطوة التي تليها، سواء في قضايا الوزارات والأمن والقضايا المتعلقة بالحياة المعيشية لسكان قطاع غزة، بدون تحديد أي سقف زمني لخطواته المزعومة هذه!.
مما سبق ذكره أجد أن الصورة قد اتضحت أكثر ، وهي التي تتلخص في أن المواطن الغزي ليس له قيمة لدى هؤلاء المتاجرين بالوطن، وسيبقى الأمر على ما هو عليه طالما أن هذا المواطن نفسه لم يدرك أهمية وضرورة البحث عن آلية لرفض هذا الإذلال الذي تمارسه هذه القيادات التي باتت تتحكم بها نزعات عدوانية غير مقبولة إنسانياً أو وطنياً ، وهي القيادات الفاقدة للوعي والحس الوطني والمشاعر الإنسانية ، التي من المفترض أنها تلبي الحد الأدنى من تطلعاته واحتياجاته.
لذلك نخشى أنه بدلاً من النزول للشوارع بمئات الآلاف للهتاف لمن ظلموهم كما حصل بسذاجة وتحت تأثير العاطفة وخضوعاً لتظليل الوهم الذي بيع لهم قبل عدة أسابيع ، أن تأتي لحظة لنزول المواطنين بالملايين صغاراً وكباراً ونساءً وشيوخاً إلى الشوارع في قطاع غزة ، لكنس كل من يعمق هذا الانقسام ويرفض إرساء مصالحة واضحة تعيد للمواطن الفلسطيني الأمل وتخفف من ألامه وأوجاعه وتعيد البسمة لأبنائه وبناته وتفتح له أفاق من الأمل بغدٍ أفضل في ظل سلام عادل وشامل يرتكز على قاعدة الإيمان بأهمية التعايش بين شعوب المنطقة بأمن وأمان، لأن ذلك سيجلب رخاء وازدهار لكل المنطقة.
بقلم/ م. زهير الشاعر