حدود الدولة الفلسطينية بين المشاريع الإسرائيلية و“صفقة القرن“

بقلم: وسام زغبر

لم تعد التصريحات الهوجاء التي تطلقها إسرائيل بين الفينة والأخرى حول توطين الفلسطينيين أو إقامة دولة فلسطينية مستغربة، فتارة تدعو إلى وطن بديل في الأردن وتارة إلى التوسع في حدود قطاع غزة جنوباً نحو شبه جزيرة سيناء المصرية وتارة أخرى إلى توطين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم، والتي كان آخرها تصريحات وزيرة المساواة الاجتماعية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي غيلا غامليئيل وهي من حزب الليكود الحاكم التي دعت فيها إلى إقامة دولة فلسطينية في سيناء، زاعمة أن الدولة الفلسطينية فكرة خطيرة على إسرائيل ومن المستحيل إقامة دولة فلسطينية بين نهر الأردن والبحر المتوسط. فتلك التصريحات تعيد إلى أذهاننا تصريحات إيغال آلون وغيورا أيلاند في عام 1967 و2010 لإقامة دولة فلسطينية تضم قطاع غزة وسيناء المصرية.

فكل ما يطرح من حلول بديلة لحق العودة للاجئين الفلسطينيين وإيجاد حل لصفقة القرن من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والذي يعد الأطول في تاريخ الصراعات التي شهدتها المنطقة بل والأعنف في التنكر لحقوق الشعوب ولا سيما الشعب الفلسطيني وسرقة خيراته دون الاهتمام إلى مصيره ومواصلة القتل والتنكيل والتهجير والاعتقال والترهيب.

إن الحلول المطروحة إقليمياً ودولياً للوصول لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تحت ما يعرف بـ "صفقة القرن"، غالبيتها أسقطت حق العودة للاجئين الفلسطينيين والتعامل مع قضية اللاجئين بمنحهم الجنسية الفلسطينية وحق المواطنة في الدولة الفلسطينية العتيدة، إضافة إلى تحديد حدود هذه الدولة وتضم قطاع غزة إضافة إلى 40% من مساحة الضفة الغربية دون القدس عاصمة لها.

ولعل تصريحات الوزيرة الليكودية عن توطين الفلسطينيين هي محاولة بائسة لخلط الأوراق في استغلال واضح للأحداث الجارية في شبه جزيرة سيناء والنار المشتعلة في أكثر من دولة عربية واستمرار بناء التحالفات الجديدة بين العرب و "إسرائيل" لصد التمدد الشيعي في المنطقة. فالتسريبات الأخيرة عن الضغوطات التي يتعرض لها الرئيس محمود عباس بُعيد زيارته إلى السعودية والتي سبقها وصول جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي إلى المملكة للضغط على الفلسطينيين للعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل دون أي شروط مسبقة، والتي أكدها أكثر من مسؤول فلسطيني.

وبالإشارة إلى أبرز المشاريع التي تتعلق باللاجئين، فهناك مشروع إيغال آلون عام 1967 الذي استغل عجز مصر على السيطرة الأمنية على سيناء لإقامة دولة فلسطينية تشمل قطاع غزة وأراضي مصرية، فيما طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرائيل شارون عام 1971 نسخة معدلة من مشروع سيناء 1951 القاضي بإعادة توطين الفلسطينيين على 250 ألف فدان في سيناء، ووضعت الولايات المتحدة الأمريكية حلاً للاجئين الفلسطينيين في اتفاقيتي كامب ديفيد 2000 وطالبا 2001 يقوم على التوطين في عدد من الدول العربية والأجنبية، والذي تساوق مع مبادرة السلام العربية عام 2002 الذي دعا إلى حل عادل متفق عليه مع "إسرائيل"، فيما طُرح مشروع نسيبة/أيالون عام 2002 والذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في قطاع غزة والضفة الفلسطينية يترتب عليها إسقاط حق العودة إلا باستثناءات محدودة، فيما تبنى مركز بيغن- السادات (جامعة بارإيلان) عام 2010 مقترحات غيورا أيلاند والتي تنص على إقامة دولة فلسطينية في غزة بالإضافة إلى 720 كم2 من سيناء مقابل تنازل "إسرائيل" لمصر عن 720كم2 من صحراء النقب، وتحويل الأردن إلى فيدرالية تضم "دولة غزة- سيناء" والضفة الغربية ويترك لكل قطاع تسيير شؤونه اليومية ما عدا الدفاع والخارجية وصولاً إلى تصريحات عبد السلام المجالي رئيس الوزراء الأردني الأسبق عند لقاءه أعيان الخليل ورام الله ونابلس في مايو 2016 الذي قال ان قطاع غزة سيؤول إلى مصر وبعض مناطق الضفة ستؤول إلى الأردن، والذي اعتبرته عمان تحرك غير رسمي.

وأمام هذه الحلول الإقليمية والدولية، ومحاولة إيجاد حلول لصفقة القرن في ظل الحديث عن عقد مؤتمر إقليمي لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بديلاً عن المؤتمر الدولي برعاية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، فلا بد للفلسطينيين بكافة أماكن تواجدهم تسليط الضوء على الخطر المحدق بقضيتهم ورفع الصوت عالياً للتمسك بحق العودة إلى الديار والممتلكات والتمسك بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بقضيتهم وفي مقدمتها القرار 194 وما فسرته اللجنة القانونية بالأمم المتحدة، والتحذير من أية محاولة للالتفاف على هذا الحق أو تفريغه من مضمونه باعتباره حق مقدس لا يمكن التنازل أو المساومة أو التفريط به.

المطلوب اليوم قبل الغد، الشروع بمراجعة فلسطينية شاملة لـقرابة 70 عاماً من عمر النكبة إلى يومنا هذا، وما طرأ من تغيير في السياسة الفلسطينية خلال خمسة عقود من النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي ومشاريعه التوسعية الاستعمارية وسياسة التمييز العنصري والابارتهايد وسواها من الجرائم والإرهاب المنظم، والتأكيد على وقف المفاوضات الثنائية العقيمة والعبثية ورفض الضغوط والاشتراطات الأميركية والإسرائيلية الهادفة إلى الالتفاف على حقوق شعبنا، وكذلك طي صفحة مشروع أوسلو وغيره من المشاريع البديلة للبرنامج الوطني الفلسطيني، والعمل بدلاً من ذلك بموجب نتائج وقرارات الحوارات والمؤسسات الوطنية، والدعوة لمؤتمر دولي تحت إشراف الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي، لوضع الآليات والإجراءات العملية تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، والتقدم بطلب العضوية العاملة لدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أقر لها العضوية المراقبة، ومواصلة تنسيب دولة فلسطين إلى المؤسسات والوكالات الدولية كافة، كعضو فاعل في المجتمع الدولي وتحت سقف الشرعية الدولية، والمطالبة بتأمين الحماية الدولية لشعبنا، وتفعيل الشكاوي المعطلة في محكمة الجنايات الدولية ضد المسؤولين الإسرائيليين.

وأمام هذه السنوات الطوال، المطلوب، إعادة تقديم قضية شعبنا إلى الرأي العام العالمي، قضية تحرر وطني عادلة لشعب تحت الاحتلال والحصار والتهجير والتمييز العنصري، تستدعي تسريع خطوات إنهاء الانقسام وتطبيق اتفاق المصالحة، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، والعمل ببيان القاهرة في 22/11/2017، لمواجهة الاستحقاقات السياسية القادمة.

بقلم/ وسام زغبر