عودة الموظفين.. اختبار للتمكين أم رصاصة الرحمة على المصالحة ؟

أثار قرار مجلس الوزراء الفلسطيني اليوم الثلاثاء،بعودة موظفي السلطة القدامى الذين تم تعينهم قبل 14/6/2007.إلى أعمالهم حالة من البلبلة في الشارع الغزي، وخاصة لدى"موظفين غزة" الذين عينوا في عهد حركة حماس .

القرار الذي اتخذ بشكل مفاجئ، وصف من بعض الفصائل أنه يعيق المصالحة، بينما انقسم رأى العديد من الكتاب و المحللين حول هذا القرار، فمنهم من اعتبره اختبار لمدى "تمكين" الحكومة من عملها بغزة، وآخر قال إن "هذا القرار هو بمثاية رصاصة الرحمة على المصالحة".

عودة جميع الموظفين القدامى

وكان مجلس الوزراء خلال جلسته الأسبوعية التي عقدها اليوم الثلاثاء في مدينة رام الله برئاسة رامي الحمدالله رئيس الوزراء أكد على ضرورة عودة جميع الموظفين القدامى إلى عملهم وتكليف الوزراء بترتيب عودة الموظفين من خلال آليات عمل تضمن تفعيل دور وعمل الحكومة في المحافظات الجنوبية كجزء من التمكين الفعلي لتحقيق المصالحة انسجاماً مع اتفاق القاهرة.

واعتبر المجلس أن اختصاص اللجنة القانونية الإدارية هو النظر في وضع الموظفين الذين تم تعيينهم بعد 14 حزيران 2007، وأن عمل اللجنة يأتي متمماً لجهود الحكومة لإنجاح مساعي المصالحة الوطنية، موضحاً أن عمل اللجنة في هذا السياق يوضح أي إلتباس حول وضع الموظفين بشكل عام.

 وشدد المجلس على أن تمكين الحكومة يعني قيام الوزراء بمهامهم في المحافظات الجنوبية كما في المحافظات الشمالية دون عراقيل، مؤكداً على أهمية توفير المناخ الملائم لعمل الوزراء في الوزارات والدوائر الحكومية لضمان توحيد العمل بين محافظات الوطن، بما فيها نقل الصلاحيات الخاصة بالهيئة الوطنية لمسميات الانترنت.

انتهاك لاتفاق المصالحة

وتعقيبا على دعوة الحكومة للموظفين القدامى بالعودة لأعمالهم قال الكاتب و المحلل السياسي شرحبيل الغريب :" إن قرار مجلس الوزراء بعودة الموظفين انتهاك لاتفاق المصالحة، وخضوع لإملاءات حركة فتح على حكومة التوافق وهو ما يطعن بمصداقية هذه الحكومة".

 وذكر الغريب وفق ما رصده تقرير" وكالة قدس نت للأنباء"، أن الدعوة لعودة الموظفين المستنكفين بهذه الطريقة "الفوضوية" هو محاولة من حكومة التوافق للتهرب من مسؤولياتها تجاه "مشكلة الرواتب وغيرها من المشاكل التي يعاني منها شعبنا جراء استمرار الإجراءات العقابية على غزة ".

وأشار الغريب إلى أن "حركة فتح تتخبط وكل ما يصدر عنها من تصريحات ومواقف نابع من أزمة داخلية كبيرة هدفه الهروب من استحقاقات المصالحة وصولا لإفشالها".

وعقب عماد الفالوجي مدير مركز آدم لحوار الحضارات فى تدوينه له على هذا القرار بالقول (( من حق الوزير قيادة وزارته حسب الاتفاق من خلال استدعاء الموظفين وعدم المساس بواقع الموظفين الحالي حتى تنتهي اللجنة المختصة )).

اختبار جدي لمدى تمكين

بينما قال الكاتب و الباحث السياسي منصور أبو كريم ، فى تعقيب له على قرار عودة الموظفين القدامى لعملهم (( أعتقد أن قرار الحكومة اليوم بعودة الموظفين كان بمثابة اختبار جدي لمدى تمكين الحكومة الفلسطينية في غزة في ظل وجود الوفد الأمني المصري، وللأسف كالعادة وقعت حركة حماس بالفخ وأكدت للجميع أن دور الحكومة في غزة مجرد دور شكلي وأن حركة حماس وعناصرها مازالت تسيطر على كافة مفاصل الأمور بغزة )).

الفصائل و الموظفين

هذا و اختلفت آراء الفصائل الفلسطينية حول قرار عودة الموظفين، واعتبرت حركة حماس على لسان الناطق باسمها فوزي برهوم ،دعوة حكومة التوافق الموظفين المستنكفين للعودة إلى أماكن عملهم وتكليف الوزراء بترتيب هذا الموضوع مخالفا لاتفاق القاهرة الموقع في 4/5/2011 وتجاوز لمهام اللجنة الإدارية والقانونية المتفق عليها والتي تنص على أن "عودة الموظفين الذين كانوا على رأس عملهم قبل تاريخ 14/6/2007 يكون وفق الآلية التي توصي بها اللجنة المشكلة".

حركة فتح من جهتها ردت على تصريحات حماس، وأكدت التزامها المطلق والمبدئي بالعمل على إنهاء الانقسام، لإعادة وحدة الوطن ونظامه السياسي وفقا للقانون الأساسي والانظمة المعمول بها في مناطق السلطة الوطنية، وتذليل أية عقبات أو عراقيل، والتنفيذ الأمين والدقيق لكل ما تم الاتفاق عليه على أساس تلك القاعدة، وبعيدا عن التفسيرات الخاطئة والمزاجية.

وأوضحت الحركة في بيان لها، اليوم الثلاثاء، تعقيبا على تصريح الناطق باسم حماس حول عودة الموظفين إلى أماكن عملهم، وفق ما رصده تقرير" وكالة قدس نت للأنباء"،  أن "الاتفاق حول هذه المسألة أو غيرها أكدته وثيقة الوفاق الوطني (المصالحة)، بأن كل شيء يستند إلى القانون والنظام، وليس لاتفاقات ثنائية أو ثلاثية أو جماعية، والقانون هو الفيصل، وكل موظف يتقاضى راتبا من واجبه أن يعمل في مكان عمله، وعلى رؤساء الوزارات ومختلف المؤسسات المحافظة على المال العام، فلا يجوز أن يأخذ شخص راتبا من دون عمل، وسبق مناقشة هذا الموضوع عشرات الساعات في لقاءات واجتماعات الحوار".

وقالت فتح في بيانها: "الحكومة تعمل وفق القانون، وليس وفقا لرغبة هذا الطرف أو ذاك، دون الحاجة لأخذ موافقة أية جهة خارج القانون أو خارج إطارها، فلتترك الحكومة تعمل كما تريد وتحدد وفقا لذلك، ونحن لنا كل الثقة بها، ومتأكدون أن ما ورد في بيانها لا يعني تدفق الموظفين على وزرائهم دون نظام أو تدابير من رأس الوزارة أو المؤسسة المعنية، وبيان مجلس الوزراء واضح عندما قال: (... تكليف الوزراء بترتيب عودة الموظفين)".

وتابع بيان الحركة: "إننا نعمل في بلد واحد ونظام سياسي واحد وموحد وفق القانون الأساسي، ولسنا في بلدين نسعى للتوحد والاندماج وفق اتفاقيات ومحاصصات، وتمكين الحكومة هو أن تعمل وفق القانون والنظام، ولتترك الحكومة لتعمل دون تدخل أي فصيل أو جهة، حتى نتمكن كقوى سياسية من الانتقال إلى مربع جديد يوصلنا في النهاية للقضاء الكلي على مرض الانقسام الخبيث الذي يهدد حياة وطننا وتطوره، ونبني شراكة وطنية خالصة لخدمة شعبنا وبلدنا".

إرباك الساحة الفلسطينية

بينما  قالت الجبهة الشعبية  في تصريحات صحفية"،  إن "قرار الحكومة بعودة الموظفين المستنكفين يعيق المصالحة ويهدف لإرباك الساحة الفلسطينية ويجب عليها تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة ، وأن حكومة الحمد الله تنقلب على المصالحة بقرارها عودة المستنكفين، لأنه تم التوافق على أن تبت اللجنة القانونية بملف الموظفين وبإشراف مصري، ويجب عليها عدم اتخاذ قرارات فردية".

أما القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش فقال إن دعوة الحكومة لعودة الموظفين السابقين في غزة هي "دعوة لخلق بلبلة وصراع بين الموظفين أنفسهم، وخلق معيقات أمام الوفد المصري".

وبين البطش في تصريح صحفي أن القرار "يعد استعجال في غير موضعه ولن يسهم إلا سلباً في خدمة المصالحة".

وطالب الحكومة "بتوفير مستلزمات الحياة الكريمة لشعبنا في غزة ووقف الإجراءات العقابية عنهم، وعودة التيار الكهربائي الذي فصل بقرار من السلطة".

عودة الموظفين تحت إشراف مصرى

أما القيادي في حركة فتح عبد الله عبد الله عقب على هذا القرار بالقول:" إن الموظفون الرسميون سيعودون للعمل والنقص الحاصل في المؤسسات سيتم إكماله من موظفي غزة حسب الحاجة والحكومة ستبحث عن حلول للموظفين المتبقيين".

وقال النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس يحيى موسى، ان القرارات المتخذة من السلطة وحركة فتح دون الالتزام بما تم الاتفاق عليه "إرباك لحالة المصالحة" ، و أن حركة حماس اتفقت في القاهرة على تشكيل لجنة مختصة لدمج الموظفين المعينين قبل عام 2007 وما بعده.

ورأت النائب في المجلس التشريعي عن حركة فتح  نجاة أبو بكر، تعقيبا على هذا القرار، أن "المصالحة تسير في ممر معتم بعد اتخاذ الحكومة قرارات غير مسؤولة بشأن عودة جميع الموظفين القدامى المستنكفين إلى عملهم في غزة".

وقالت أبو بكر في تصريحات لها، وفق ما رصده تقرير"وكالة قدس نت للأنباء"، "من حق غزة أن تنعم بما نعمت به الضفة من توظيف وترقيات، لأنها جزء من الحالة الديمغرافية والسياسية الفلسطينية، ولا يجوز التفريق بين غزة والضفة"، لافتة إلى أنه لا يجب أن نفكر بهذا المنطق غير المسؤول فغزة مثل نابلس.

 هذا وأوضح د. فيصل أبو شهلا النائب في المجلس التشريعي عن حركة فتح أن قرار إعادة الموظفين المعينين قبل 2007 لعملهم، بناءً على اتفاق ابرم في القاهرة ونحن منفذون له وليس أكثر، و انه سيتم العمل على تنفيذ قرار عودة الموظفين تحت إشراف ووجود المسؤولين المصريين في غزة.

من جهته قال نقيب موظفي السلطة الفلسطينية بغزة عارف أبو جراد :" إن عودة الموظفين المستنكفين للوزارات يوم الأحد المقبل "، بينما عبر نقيب موظفي غزة يعقوب الغندور عن رفضه لقرار الحكومة بعودة المستنكفين رفضاً قاطعاً، "والأصل أن يصدر قرار للجنة القانونية والإدارية بالإسراع لدمج وتسكين الموظفين، وهذا قرار متسرع وخلط للأوراق".

وقال  الغندور:" لسنا حمولة زائدة لنا حقوق وأدينا واجباتنا وعلى الحكومة ان تؤدي واجباتها، ونجاح ملف المصالحة مرتبط بحل الموظفين حلاً عادلاً".

حسب الحاجة ووفق ما تقتضيه مصلحة المواطن

وفي وقت لاحق، أكد رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله على ان حكومته "تعمل بكل جهدها على تكريس عملية المصالحة والدفع بها إلى الأمام ولن تتدخر جهدًا في سبيل ذلك ".

وكتب الحمد الله  عبر صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" رسالة موجهة الى موظفي الحكومة الفلسطينية في المحافظات الجنوبية ( قطاع غزة) قائلا :"إيمانًا منا بضرورة انجاح جهود إنهاء الانقسام وضمن خطة الحكومة لتذليل العقبات التي تعتري عملية التمكين،  وبعد التفسيرات الخاطئة التي استغلتها بعض الجهات لتفسير بيان حكومة الوفاق في جلستها الـ 180
فإني أؤكد لكم أن الحكومة وبعد انتهاء عملية حصر الموظفين لما قبل 2007 في كافة الهيئات والوزارات في المحافظات الجنوبية ارتأت الايعاز لوزرائها بالعمل على اعادة الموظفين القدامى إلى أماكن عملهم حسب الحاجة ووفق ما تقتضيه مصلحة المواطن والعمل الحكومي بهدف التخفيف من معاناة المواطنين والسير خطوة للأمام باتجاه عملية تكريس المصالحة وفقًا لاتفاق القاهرة  2011 والاتفاق الاخير.

واوضح الحمدالله في رسالته بأن قرار اعادة الموظفين القدامى إلى أماكن عملهم بقطاع غزة سيتم تنفيذه وفقًا لتقدير الوزير او رئيس الهيئة المختص.

اتفاق 2011

يشار إلى أن السلطة الفلسطينية استمرت بدفع رواتب نحو 70 ألف موظف مدني وعسكري منذ يونيو 2007 في قطاع غزة وحتى اليوم، حيث طالبتهم حينها بالجلوس في منازلهم.

و ينص اتفاق 2011 -الناظم لمسار المصالحة الجارية-الذي وقعته الفصائل الفلسطينية بالقاهرة على عودة "جميع الموظفين المدنيين بالضفة الغربية وقطاع غزة الذين كانوا على رأس عملهم قبل 14/6/2007 إلى وظائفهم".

ويشمل ذلك "المفصولين والمتغيبين على خلفية الانقسام مع الحفاظ على كامل حقوقهم وسحب وإلغاء قرارات الفصل".

إلا أن الاتفاق ينص على أن تكون "العودة وفق الآلية التي ستوصي بها اللجنة الإدارية والقانونية المشكلة وخلال المدة المقررة لعملها".

ويشدد على"الالتزام بعدم القيام بأية تعديلات أو تعيينات جديدة لحين انتهاء عمل اللجنة الإدارية القانونية المشكلة بموجب هذه الاتفاقية".

أما اتفاق 12 أكتوبر 2017 ، نص الاتفاق الموقع مؤخرًا على سرعة إنجاز اللجنة القانونية-الإدارية لإيجاد حل لموضوع موظفي القطاع، قبل الأول من فبراير 2018 كحد أقصى؛ مع مشاركة خبراء ومتخصصين ومطلعين من قطاع غزة.

كما نص على أن "استمرار الحكومة بتسليم الموظفين (موظفي غزة) لرواتبهم التي تدفع لهم حاليًا خلال عمل اللجنة اعتبارا من راتب شهر نوفمبر 2017، فور تمكين الحكومة من القيام بصلاحياتها الإدارية والمالية بما في ذلك التحصيل والجباية".

ونص اتفاق حوارات 21 نوفمبر 2017 فى القاهرة بمشاركة الفصائل الموقعة على اتفاق 2011 على ضم ثلاث شخصيات اقترحتها حركة حماس إلى اللجنة الإدارية والقانونية الخاصة بمعالجة ملف الموظفين المعينين بعد منتصف عام 2007 في غزة.

المصدر: غزة- وكالة قدس نت للأنباء -