امريكا تتبنى دولة الإحتلال من رأسها حتى اخمص قدمها....في قضايا ذات بعد جوهري وإستراتيجي أكثر قيمة واهمية من قضية ما يسمى بنقل السفارة الأمريكية،فهي دعمت وتدعم دولة الإحتلال في نهب وسرقة الأرض والإستيطان،والبقاء كدولة مارقة فوق القانون الدولي،والجميع يعرف جيداً بأن الترويكا المتطرفة الحاكمة في البيت الأبيض متصهينة اكثر من الصهاينة انفسهم فيما يتعلق بقضيتنا وحقوق شعبنا،كوشنير وجرينبلات ونيكي هايلي يضاف لهم السفير العنصري المتطرف فريدمان،الذي لا يعترف بان اسرائيل تحتل الضفة الغربية،ويؤيد استيطانها في كل بقعة من فلسطين،ولذلك المواقف الأمريكية ليست بالجديدة من قضية القدس منذ عام 1995،وتوقيع الكونغرس على قرار نقل السفارة الأمريكية الى القدس،والإعتراف بها كعاصمة لدولة الإحتلال،والذي يستخدم منذ ذلك التاريخ من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة،أولاً من أجل خدمة مصالح امريكية داخلية ونوع من المزايدات الإنتخابية واستقطاب قوى اليمين والجماعات واللوبيات اليهودية لدعم هذا المرشح الرئاسي او ذاك،والمتغير المهم هنا،هو حالة الإنهيار العربي والإسلامي غير المسبوقة،والدعم الذي يلقاه ترامب في هجومه على العرب والمسلمين والديانة الإسلامية،من دول وقوى عربيه مرعوبة وخائفة على عروشها المتهالكة وبالذات المحميات الخليجية وفي المقدمة منها السعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية،والتي تدفع مئات المليارات من الدولارات جزية لترامب مقابل الحماية...والإدارة الأمريكية كلما شعرت بالحاجة للمزيد من الإبتزاز تلوح بورقة نقل السفارة لكي تحصل على المزيد من الإمتيازات وخدمة مصالحها واهدافها،بالإضافة للحصول على المزيد من المكاسب والتنازلات العربية والفلسطينية والإسلامية،وهي اليوم تبتدع نظرية جديدة الإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال كحق تاريخي وتوراتي وبقول مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي الموطن الطبيعي والتاريخي والأقدم،وكأن فلسطين ورثة له ولدولته،لكي يوزع ميراث وورثه،من لا يملك لمن لا يستحق،ويطلق تصريحاته المتطرفة والعنصرية،وتاتي تلك التصريحات والمقاربات الجديدة لحرف الأنظار عن الشيء الجوهري،وهو ال "تسونامي" الإستيطاني" في مدينة القدس بغرض تهويدها،وكأن ضياع الأرض وتهويدها قضية ليست بالجوهرية،المهم عدم نقل السفارة،فالمسألة ليست فقط مهمة في لجم التطرف والإنحياز الأمريكي،فنقل السفارة لن يشطب لا القدس ولا الأقصى من التاريخ،بل الأهم من ذلك تحرير القدس والأقصى،وليس الوقوف خلف ترامب وقبول "إمامته" للعرب والمسلمين ودفع مئات المليارات من الدولارات له،ودعم خطواته ومشاريعه في الحرب التي يشنها على العرب والمسلمين والدين الإسلامي ووسمهم بالإرهاب والتطرف،وفي الوقت الذي تتصدى قوى ودول اوروبية لنهج وتهور ترامب نجد انه أصبح القديس واليسوع المخلص مع فارق التشبيه للعرب والمسلمين،في تحريف وتشويه لجوهر الصراع من قبل دول عربية واسلامية اختارت الحضن الأمريكي والتفريط في الحقوق والمصالح والأمن القومي العربي.ولذلك آن الأوان للوقوف أمام ما هو جوهري،بعيداً عن استخدام "بعبع" نقل السفارة المستخدم في الإبتزاز والتخويف.
المقاربة الأمريكية المستخدمة اليوم لإرضاء الطرف الإسرائيلي،الإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال،بدل الشروع في نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس،وربما يجري إبتزاز الطرف الفلسطيني،عبر مقايضة قضية القدس،بقضية استمرار فتح مكتب تمثيل المنظمة في واشنطن،وهذه المقايضة،لا اعتقد بان هناك أي عاقل يوافق عليها، فالقدس مرتكز أساسي من مرتكزات المشروع الوطني ،ويكفي ما إرتكبناه من خطيئة كبرى بتأجيل مصير القدس لما سمي بالمرحلة النهائية،والتي ما زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم،المزيد من نهب الأراضي والبؤر الإستيطانية في قلب الأحياء العربية،ويترافق ذلك مع هدم احياء بأكملها،كما يخطط لحيي البستان في سلوان وكبانية ام هارون في الشيخ جراح،وكذلك مخططات الإنفصال وإخراج قرى وبلدات فلسطينية من حدود ما يسمى ببلدية القدس،والتي بدأت بإقرار اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع،اخراج قرية كفر عقب ومخيم شعفاط وجزء من أراضي قرية السواحرة الشرقية المصنفة كأراضي قدس وفق التصنيف الإسرائيلي ،بما يعني إخراج مائة فلسطيني من القدس ونقل مركز حياتهم الى خارجها،وتلك الخطة ستستتبع بإخراج المزيد من القرى الفلسطينية من حدود بلدية القدس،بهدف قلب ميزان القوى الديمغرافي لصالح المستوطنين،وبما يحافظ وفق زعم أصحاب تلك الخطط على نقاء عبرانية "عاصمتهم" الأبدية،وبما يشمل توسيع مساحتها لكي تكون 10% من مساحة الضفة الغربية،وضخ اكثر من 150 ألف مستوطن إليها،لتغيير مشهدها وفضائها ومكانها.
كوشنير صهر الرئيس الأمريكي سيعلن عن الخطة والمشروع السياسي الأمريكي للمنطقة،والذي قد يسبقه اعلان للرئيس الأمريكي الأربعاء المقبل إعتراف امريكي بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال كجائزة ترضية لدولة الاحتلال،والرئيس الأمريكي يعيش أزمات داخلية كبيرة،وخاصة على صعيد الأزمة المتصلة بتدخل الروس في الانتخابات الأمريكية،والتي قد تطيح بمستقبله السياسي،ولذلك هذا الإعتراف يهدف أيضاً لجعل اللوبيات ورجال المال اليهود الذين يسيطرون على وسائل الإعلام الأمريكي يخففون من حملتهم وضغوطاتهم عليه.
نحن ندرك بأن صدور مثل هذا الموقف الأمريكي،يشكل تصعيداً خطيراً،ولكن إسرائيل وامريكا تعتقدان بأن هذا الوقت المناسب لطرح هذا الموضوع،فالحالة العربية منهارة بشكل غير مسبوق،والوضع الفلسطيني،لم يتعاف ولم تتحقق المصالحة،والأوضاع الداخلية خطرة جداً،وهناك دول عربية تشارك أمريكا ضغوطاتها على القيادة الفلسطينية،للقبول ما يسمى بصفقة القرن الأمريكي،والتي تعني مجدداً القبول بالحلول المؤقتة واستعباد القدس واللاجئين والحدود من الصفقة،وهذا يعني التسليم بمشروع نتنياهو للحل،مشروع السلام الإقتصادي،مقايضة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بمشاريع ورشاوي اقتصادية،تحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني مقابل تأبيد وشرعنة الإحتلال،من خلال صناديق عربية ودولية.
إن اعترف أمريكا بالقدس عاصمة أبدية لدولة الاحتلال،يعني اعلان حرب على الشعب الفلسطيني،وإيغال في المعاداة لحقوق شعبنا الفلسطيني،وهذا يعني بأن أمريكا تشرعن الإحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة وجواز الإستيلاء عليها بالقوة،وتنكر واضح لقرارات الشرعية الدولية ودعم لإسرائيل،لكي تبقى دولة فوق القانون الدولي،و"تعهير" لقراراته ومبادئه.
وهذا القرار يشكل منحاً لدولة الكيان شرعية على مدينة القدس،وغطاءً للاستمرار في جرائم تهويد المدينة وطرد الفلسطينيين،وهو يدفع بالأمور نحو التصعيد وتفجر الأوضاع وعدم الإستقرار،وهذا يتطلب موقف جماعي فلسطيني رسمي وشعبي بالتصدي والرفض الحازم لمثل هذا الإعتراف والتغيير على الوضع السياسي للقدس،وبما يمكن من تعزيز صمود المقدسيين وثباتهم،من خلال الإسراع في إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الوطنية،بدل التلهي بالمناكفات وعمليات التحريض والتحريض المضاد،وكذلك العالم العربي والإسلامي على المستويين الرسمي والشعبي مطالبين بالوقوف عند مسؤولياتهم،والعمل على وقف هذا القرار وتجريمه،ولا مناص من التوجه لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي،لكون هذا القرار،يشكل تحدي وقح ونسف لقرارات الشرعية الدولية،التي تعتبر القدس مدينة محتلة،وبات من الضروري والملح التوجه لمحكمة الجنايات الدولية،بإعتبار ما يمارس من تطهير عرقي بحق العرب المقدسيين، وال"تسونامي" إستيطاني جرائم حرب بإمتياز،يجب جلب قادة الإحتلال ومستوطنيه الى تلك المحاكم لمحاسبتهم ومعاقبتهم على تلك الجرائم.
بقلم/ راسم عبيدات