اشعر بالقلق عندما ارى البعض يصف الرئيس الامريكي ترامب بالارعن وهو الذي اتى للبيت الابيض بانتخابات شارك فيها كل المكون الامريكي وهو الان يقود الدولة العميقة بكل اجنحتها ومؤسساتها الاقتصادية والتشريعية والقضائية وبرغم ما قيل ان الدولة العميقة واعلامها وقفت ضد ترامب ابان حملته الانتخابية ، ولكن ان يسطح العض قرار ترامب الامني والسياسي والذي يستهدف خرائط سياسية في المنطقة بانه ارعن بالتأكيد ان هؤلاء لا يقرأون جيدا سياسة امريكا منذ عهد الرئيس ترومان الذي اشار له ترامب في قراره بنقل السفارة الامريكية للقدس وبالاحرى اعتراف امريكي صريح وواضح بان القدس عاصمة ما يسمى اسرائيل .
الرئيس الامريكي ترامب اختلفت حساباته عن سابقيه في البيت الابيض الامريكي وهذه الحسابات لم تأتي بمنهج عاطفي شخصي له بل حسابات قامت بها المؤسسات الاستخبارية والسيادية في الولايات المتحدة الامريكية ، فمنذ عام 1995م عندما اتخذ الكونجرس الامريكي قراره بنقل السفارة الامريكية ، كان المطلوب من رؤساء امريكا ان يقيموا التوازنات الدولية والاوضاع الاقليمية العربية والمناخات للدول الاسلامية وردود افعالها ان خرج القرار لمساحة التنفيذ ، ولذلك تعاقب على هذا القرار ثلاث رؤساء لامريكا ورابعهما ترامب بوش الاب وبوش الابن واوباما وظهرت فكرة حل الدولتين في عهد الرئيس بوش الابن ، ومن خلال تلك الدراسات كانت تؤجل اتخاذ القرار كل 6شهور وتقدمه للكونجرس .
ترامب لم يكن الا منفذا لقرار المؤسسة الامريكية واستكمالا لحصد النتائج لسياسة الولايات المتحدة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط والتي نظرت لها كونداليزا رايس لشرق اوسط جديد ومراحلها المتطورة منذ اكتوبر عام 2010م بما يسمى الربيع العربي والذي وصفناه في حينها لانه يخدم نظرية الامن الاسرائيلي والخرائط السياسية المبنية على هذه النظرية واولها استهداف الدول الوطنية في الوطن العربي وبالتحديد دول الطوق والدول التي تتحكم في الممرات البحرية ، اذا ما ذا تغير لينفذ ترامب وعوده بنقل السفارة ويتحد بكل ثقة انه معجب بقراره والذي يصف فيها اسرائيل بالدولة المتحضرة التي لها عطاء علمي وانساني في العالم .؟!
جردة من الحسابات الامريكية التي كانت وراء اتخاذ القرار ... فماذا حدث منذ عام 1995 م الى الان للتخذ امريكا قرارها الصارم : في تلك الازمنة .
1-تم تدمير العراق وغزوها وتدمير بنيته التحتية وتحويلها لدولة فاشلة
2- ظهور حركات التطرف بتمويل استخباراتي متعدد
3- الارهاب في الجزائر وظهور فكر وثقافة القوميات
4- تدمير الدولة اللبية وتفكيك وحدة اراضيها
5-استهداف سوريا وتوالد فيها حوالي اكثر من 70 فصيل متطرف مدعوم من اجهزة استخباراتية من اكثر من دولة ودخول سوريا في صراع دولي على اراضيها
6- ازمة اليمن وتفتيت الدولة وحويلها لدولة بلا مؤسسات ولا سيادة
7-محاولة ضرب السلم الاهلي في مصر وظهور الارهاب في مناطق مختلفة من مصر واستهداف الجيش
اما فلسطينيا:
1- اتفاقية اوسلو ودخول منظمة التحرير في سلام مع الاسرائيليين
2- الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة على قاعدة اختلاف البرامج والايديولوجية
3- ظهور الاستيطان بشكل متزايد والعمل سريعا على ايجاد نوع من التوازن الديموغرافي من خلال المستوطنات في القدس
4- ايجاد سلطة تمثل الشعب الفلسطيني مدعومة ماليا وامنيا بالمال الامريكي والاوروبي والمال الموجه وبتقدير عدم جاهزيتها لاتخاذ اي قرارات تخرج عن مفاهيم وجودها ومنطوق اوسلو التي دمرتها اسرائيل
نلاحظ في هذا الشريط الزمني تم تدمير اي فضاءات عربية معادية مع اسرائيل ، وانتشار ثقافة التطبيع وتقديم الحسابات الاقتصادية والامنية بالمنطقة عن القضية الفلسطينية كقضية عربية مع بروز النفوذ الاقليمي الايراني في المنطقة وتحول ايران لقوى اقليمية ، تحويل المنطقة العربية ودولها الوطنية اما في حالة مواجهة الارهاب او مواجهة ايران وتخطي اهمية القضية الفلسطينية واثارة المنهجية القبلية والمذهبية .
دول عربية مفككة سياسيا انشغل معظمها في ازماته الداخلية ن مع وجود ظاهرة ان التطبيع مع الاسرائيليين في تخطي للفلسطينيين وكثقافة يرددها النخب بان تخطي القضية سيحل ازماتهم الداخلية ووقاية لهم من التهديد الايراني .
انشغالات للنخب تطوع ما ورائها الشعوب ومنهم رجال دين وفتوى .
اتخذ ترامب بل اقول امريكا القرار بنقل السفارة وكان مشجعا الواقع العربي وما تم من نتائج لتجهيزة لاتخاذ القرار .
عند احراق المسجد الاقصى ارتعشت كولدا مائير من ردة الفعل العربي والاسلامي ولم تجد امامها صباحا الا رسالة من الرئيس جمال عبد الناصر يحث فيها الجيش المصري ان يجهز نفسه لاخذ الثأر وتحرير الارض العربية والمسجد الاقصى .
الواقع العربي غير ممهد للعب دور قوي يدفع باريكا للتراجع ، الوضع الفلسطيني كما قيل تم حل جميع الخلافات في الملفات للوصول للمصالحة ولكن اهي مصالحة بيروقراطية وظيفية ام مطلوب اجماع وطني لاعادة تقييم البرامج والاستراتيجيات .؟؟!! فاتخذ القرار بشأن القدس ، والفعل الان للميدان وقدرة الفلسطينيين على تغيير استراتيجيتهم والياتهم في مواجهة الاحتلال وقضية التحرير ايضا بعد فشل ذريع اصيب به تيار اوسلو ، وبالتالي اعادة الاعتبار للثقافة الوطنية ووضع استراتيجية عاجلة تقود حركة النضال الوطني الفلسطيني فلا معنى لبرنامج منظمة التحرير وحل الدولتين بدون القدس كحد ادني وبما طرح من سياسة الواقعية الفاشلة ... اعتقد ان المناخات ممهدة لطرح الدولة الواحدة وما يتبعها من تضحيات وتغيير في شكل ونماذج الاطر القيادية للمرحلة الحالية واللاحقة
سميح خلف