إفلاس النظام الرسمي العربي

بقلم: راسم عبيدات

بعد اعلان اليميني المتطرف ترامب وأركان ادارته المتصهينة في البيت الأبيض عن قرارها بالإعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الإحتلال،واعلامه المسبق للعديد من زعامات النظام الرسمي العربي بقراره هذا دون ان يتخذوا أي خطوة عملية،من شانها ان تمنع صدور مثل هذا القرار،او التهديد بإتخاذ خطوات عملية رادعة،من شانها ان تشكل تهديد جدي للمصالح الأمريكية في المنطقتين العربية والإسلامية،هذا النظام العربي،ندرك تماماً انه بعد توقع السادات لإتفاقيات كامب ديفيد في أواخر السبعينات،وقوله بان 99% من أوراق اللعبة في يد امريكا،حدثت انعطافة كبيرة في بنيته ودوره ووظيفته،ولتبلغ تلك الإنعطافة ذروتها بالمشاركة في العدوان على العراق الى جانب امريكا،ومباركة عملية احتلاله واغتصابه... كل المؤشرات والدلائل والوقائع تقول بأن هذا النظام سائر نحو الإفلاس التام،لكي يقف عارياً دون ورقة توت ساترة لعورته،بل هو يباهي بعريه،ويشن حروباً وحملات شرسة ويتخذ عقوبات،بحق كل من يقول في عالمنا العربي،او يتبنى نهج وخيار المقاومة،وهذا النظام المفلس ليس فقط لم تعد قضية فلسطين والقدس قضيته الأولى،بل انتقل من مرحلة العداء مع دولة الإحتلال،الى مرحلة إقامة علاقات سرية معها في مختلف المجالات،ولكن اسرائيل كانت تصر على أنها لا تريد علاقات زنا مع هذا النظام العربي المتهالك،بل تريد زواجاً شرعياً وعلى رؤوس الأشهاد.
إستمر هذا النظام المفلس في بيع جماهير شعبنا وأمتنا العربية،الأوهام والأكاذيب،فهو طرح مبادرة عربية للسلام في أب/2002 في القمة التي عقدت في بيروت،جوهرها قائم على إنسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967،وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل تلك المناطق،بما فيها القدس،مقابل تشرع وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل .
إسرائيل استمرت في الثبات على مواقفها واستراتيجياتها،بنهب الأرض الفلسطينية وتكثيف الإستيطان فيها،ورفض إقامة دولة فلسطينية ما بين النهر والبحر،بل وسعت الى ضم مدينة القدس وممارسة تطهير عرقي بحق سكانها العرب الفلسطينيين،في حين "الصنم" للنظام الرسمي العربي،ما يسمى بمبادرة السلام العربية،كان يجري ترحيلها من قمة عربية الى أخرى،على امل أن تقبل بها إسرائيل،حتى بإدخال تعديلات جوهرية عليها،لكي يستمروا في ستر عوراتهم،التي أصبحت بائنة بكل تفاصيلها وعريها،ولكن إسرائيل قالت بان ما جوهري في المبادرة،شرعنة وتطبيع علاقاتها مع النظام الرسمي العربي،والتي طالما "تبجحت" قياداتها بانها تقيم علاقات واسعة مع الكثير من الدول العربية والإسلامية،حتى ممن ليس لإسرائيل علاقات معها،وهي ستخرج للعلن في القريب العاجل.
النظام الرسمي المنهار والمفلس،نستطيع القول أنه من مرحلة العدوان الإسرائيلي على المقاومة اللبنانية،وفي المقدمة منها حزب الله،تموز /2006،سعى الى إستدخال ثقافة الهزيمة و"الإستنعاج" لدى امتنا العربية والإسلامية،والقول بانه لا طاقة لنا في محاربة إسرائيل،ولسان حالهم كمنهارين ومفلسين يقولون بأن خيار ونهج المقاومة وثقافتها،هي مدمرة،وتجر على شعوبنا الويلات،ووقفوا سراً الى جانب إسرائيل،على امل ان تنجح في تدمير حزب الله والقضاء عليه،ولكن صمود الحزب الأسطوري،ومن ثم صمود المقاومة الفلسطينية في ثلاثة حروب عدوانية شنتها إسرائيل على مقاومتنا وشعبنا في قطاع غزة،2008- 2009 و 2012 و2014،هذا الصمود وعدم قدرة الاحتلال،على تحقيق نصر على المقاومة،جعل المقاومة العربية والفلسطينية تتصلب وتتجذر فلسطينياً وعربياً،وبالمقابل هذا النظام الرسمي العربي،كان يزداد إنهيارا وتعفناً،ولتبلغ ذروة هذا الإنهيار،مع بداية ما يسمى ب"ثورات" الربيع العربي،بقيام هذا النظام الرسمي بالمشاركة المباشرة في تنفيد المخططات والمشاريع الأمريكية والإستعمارية الغربية والصهيونية في المنطقة،بما يشمل تسليح وتمويل وتبني وإحتضان الجماعات الإرهابية والتكفيرية،التي هدفت الى تدمير وتفكيك جغرافية أكثر من بلد عربي،في مقدمتها سوريا والعراق،والهدف ولادة سايكس- بيكو جديد،يفكك الجغرافيا العربية ويعيد تركيبها على تخوم المذهبية والطائفية والثروات،ولم يكتف النظام الرسمي العربي المتعفن بذلك،بل عمل على تشريع استقدام القوى الأطلسية من اجل إحتلال ليبيا والسيطرة على ثرواتها.
واضح بان النظام الرسمي العربي،كخادم للمشاريع الإستعمارية في المنطقة،من أجل حماية عروشه المتهالكة وحماية مصالحه واستمرار سيطرته على شعوبه،ونهبه لخيراتها وثرواتها،عمد الى حرف الصراع في المنطقة،من صراع عربي- إسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية إلى صراع مذهبي إسلامي- إسلامي (سني –شيعي)،وأصبح هذا النظام يوظف كل أمواله وإعلامه وعلاقاته من اجل تحريض واشنطن على شن حرب على طهران على أساس أنها دولة إرهابية،تزعزع امن واستقرار المنطقة،وتشكل خطر مباشر على أمنها والأمن القومي العربي،وكانت تحرص على الترويج بأن ايران هي العدو الرئيسي للعرب،وبان إسرائيل دولة "صديقة" ومكون طبيعي من مكونات المنطقة،وتعمل على شرعنة وعلانية علاقاتها التطبيعية معها،ليس في إطار التنسيق والتعاون،بل وحتى الشراكة،ومع تولي ترامب للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية،زاد رعب وإرتجاف النظام الرسمي العربي،وأصبح اكثر إلتصاقاً بالنظام الأمريكي،هذا النظام الذي كان يبيع الأوهام للنظام الرسمي العربي بانه سيعمل على حل للقضية الفلسطينية،ولكن ضمن ما يسمى بالإطار الإقليمي،هذا الإطار الذي كنا على قناعة بانه سيستخدم للضغط على القيادة الفلسطينية،للقبول بمشاريع سياسية وحلول مؤقتة،تتجاوز حل الدولتين،والنظام الرسمي كان يتقدم بخطى سريعة نحو خدمة المشاريع المعادية للأمة العربية ولحقوق شعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية،حيث كانت القمة العربية - الإسلامية - الأمريكية في الرياض 20آذار الماضي،والتي ارتضى النظام الرسمي العربي أن يصطف خلف "إمامة" ترامب،وليواصل ضغوطه على القيادة الفلسطينية للموافقة على صفقة القرن الأمريكية،والتي كنا نعتقد بانها ستكون على حساب حقوق شعبنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني،حيث الإدارة الممسكة بالقرار الأمريكي،من كوشنير وجرينبلات ونيكي هايلي وديفيد فريدمان ومايك بنس أكثر صهيونية ومعاداة لحقوقنا الوطنية من قادة دولة الإحتلال،وفي الوقت الذي كنا نترقب إعلان ترامب لخطته المعروفة بصفقة القرن،وجدنا انه استبق ذلك بكشف جوهر هذا الخطة،التي كانت صفعة قرن،بالإعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال،في تشريع واضح للإستيطان والإحتلال وتقويض لأسس الشرعية الدولية،ورغم هذه النقلة النوعية الأمريكية في الإنتقال من الإنحياز التاريخي الى جانب دولة الاحتلال،للشراكة في العدوان المباشر على شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية الإسلامية،وجدنا ان هذا النظام الرسمي المتهالك والمتعفن استمر في بيع الأوهام،والحديث عن الوسيط النزيه،رغم كل الحقائق بأنه لم يكن في يوم من الأيام نزيهاً،والأنكى من ذلك،أن قادة هذا النظام الرسمي العربي المفلس،يذرفون دموع التماسيح على القضية الفلسطينية والقدس،ويرفعون عقيرتهم في شتم طهران وانقرة،وتوجيه الإتهامات لهما بالمزايدة و"الجعجعات" الفارغة،وبالمقابل جدنا انهم غابوا عن مؤتمر قمة التعاون الإسلامي في أنقرة،او شاركوا بتمثيل منخفض،وكأنهم يتعمدون إفشال المؤتمر المخصص لبحث قضية لا تهم فقط شعبنا الفلسطيني،بل امة عربية – إسلامية تناهز المليارين،وبما يؤشر الى موافقتهم على القرار الأمريكي ضمناً،رغم إنتقاداتهم الخجولة من بيانات شجب وإستنكار.
نعم النظام الرسمي العربي،وصل قمة مرحلة الإفلاس،وفقد قدرته حتى على التلطي بورقة التوت، بعد أن فقد فاعليته في التصدي للمهام التي نشأ من أجلها ... لقد فقدوا القدرة على "المزايدات اللفظية" في زمن بات فيه "كشف العورات" متطلباً أساسياً لكسب ود واشنطن، والتقرب من إسرائيل.
بقلم : - راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
17/12/2017
0524533879
[email protected]