فجأة وجد الرئيس ابو مازن،الذي وضع كل البيض الفلسطيني،في سلة المحور السني العربي،والذي يشكل حاجز صد أمامه،بعدم الخروج من تحت عباءة هذا المحور،وإيهامه بأنه سيمارس ضغوطاً على "الصديقة" أمريكا من أجل حل القضية الفلسطينية،وليجد ان صفقة القرن التي بشر بها الرئيس الأمريكي ترامب وهذا الحلف،لم تكن سوى صفعة قرن كبرى،بدايتها كانت اعتبار القدس المحتلة،عاصمة لدولة الإحتلال،وليتبعها نائب الرئيس الأمريكي المتطرف مايك بنس،الذي قال بالحق التاريخي والطبيعي والأقدم لليهود في القدس كعاصمة لهم،ليقول بان حائط البراق والذي هو جزء أساس من المسجد الأقصى،ووقف إسلامي،هو مكان مقدس لليهود...هذه التطورات هل ستجعل تجعل الرئيس أبا مازن،يصل الى نتيجة بأن الموت بشرف وعزة أفضل مليون مرة من إستمرار الرهان على "قربة مخزوقة" أو "طلب الدبس من قفا النمس" ..؟؟.ورغم أن القيادة الأمريكية المتطرفة " تتوحش" و "تتغول" على الحقوق الفلسطينية،وعلى المدينة الأقدس لكل العرب والمسلمين،ما زال هذا الحلف وعلى رأسه مشيخة آل سعود يبيع الأوهام لشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية عن ان امريكا وسيط "نزيه" يعمل من اجل حل القضية الفلسطينية،وهي التي لم تعرف النزاهة يوماً في حياتها،كنظام رأسمالي معولم "متوحش"،ونحن لا نستغرب هذه الأقوال الصادرة عمن أرتضوا لأنفسهم،التنازل عن كرامتهم وعن سيادتهم وقرارهم السياسي،وحتى عن اموالهم في سبيل حماية عروشهم المتهالكة،فهذا النظام الرسمي العربي،لم يبلغ فقط مرحلة العجز والإنهيار الكلي،بل دخل مرحلة التعفن والتقيح،والتي لا ينفع معها سوى إجتثاث هذا النظام من جذوره...نحن ندرك بأن ولي العهد السعودي قد مارس ضغوطاً وتهديداً على الرئيس الفلسطيني،إما قبول صفقة القرن كما هي،او سيواجه البديل والإقصاء عن القيادة الفلسطينية،وبعد إعلان المتطرف ترامب عن قراره بالإعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الإحتلال،وما أعقب ذلك من تطورات إستدعت عقد قمم لوزراء الخارجية العرب في القاهرة ودول التعاون الإسلامي في اسطنبول،تلك القمم التي لم ترتق إلى مستوى الجريمة الأمريكية،واماني وتطلعات ونبض الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي،وإن بدت قمة اسطنبول على مستوى اللغة واللهجة والحدة والتحدي أكثر جرأة،حيث الحلف السعودي- المصري مارس ضغوطاً كبيرة على الرئيس عباس والملك عبد الله الثاني من أجل ثنيهم عن حضور قمة دول التعاون الإسلامي في اسطنبول ،وكذلك أفشلوا عقد قمة طارئة للقدس،اوصى بها مؤتمر وزراء الخارجية العرب،ولتتحول القمة الى لجنة سداسية،يقودها قادة المحور السني العربي،والتي هي من تواطأت مع امريكا في قرارها،وكذلك هي من تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع اسرائيل،وهي لم تقدم على إغلاق سفارة امريكية او اسرائيلية في بلدانها،ولم تقم حتى بالحد الأدنى كعرف برتوكولي في إستدعاء سفراء امريكا المعتمدين لديها للإحتجاج او الإستنكار لهذا القرار العنصري الظالم.
الرئيس عباس الذي وقف في قمة اسطنبول في منتصف الطريق،عليه ان يحدث حالة قطع مع المرحلة السابقة،بحيث يجب رفع المجابهة والمواجهة مع مثل هذا الصلف والعنجهية الأمريكية والإسرائيلية،بحيث يحدث استدارة كبيرة في الموقف والقرار والرؤيا والإستراتيجية،مستخدماً في ذلك سلاح المقاومة الشعبية وغيرها من أشكال المقاومة الأخرى الى جانب العمل السياسي والدبلوماسي والقانوني،وأيضاً يجب البحث عن فتح خيارات سياسية اخرى،سياسات تقوم على إلغاء اوسلو الكارثة،والمراجعة الشاملة لكل أشكال العلاقات مع دولة الإحتلال بما فيها الأمنية والإقتصادية والسياسية،وتغير دور ووظيفة السلطة والتزاماتها،بحيث تصبح سلطة خادمة لكل الشعب والمنظمة والمشروع الوطني،وهذا يتطلب سحب الإعتراف بإسرائيل،وهنا يصبح المطلب ليس حل السلطة،بل دفع الإحتلال من خلال خوض حالة من الإشتباك الشعبي والجماهيري الواسع معه،وبالتالي دفعه الى القيام بخطوات وردود أفعال،تؤدي الى استشهاد السلطة لا حلها،كما حدث مع الشهيد القائد الرئيس أبا عمار.
نحن ندرك بأن ما يسمى بالمحور السني يضع الكثير من الكوابح امام الرئيس عباس،ويستخدم الكثير من اوراق الضغط ترهيباً وترغيباً،مثل المال والبديل للقيادة،والبنية المتشكلة من قوى داخل السلطة وخارجها،المنتفعة من استمرار الإنقسام،وبقاء الوضع على ما هو عليه،من اجل منعه من مغادرة هذا الحلف،والخروج من تحت عباءته،لكي يمد جسور علاقاته وتحالفاته،مع حلف ومحور المقاومة والممانعة من طهران وحتى الضاحية الجنوبية،وهو يدرك بأن هذه مقامرة كبيرة،قد يدفع ثمنها فقدان سلطته وحياته ....وبالمقابل هو يدرك تماماً،بأن موافقته على ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية،والتي بدات ملامحها بالظهور،بضياع مدينة القدس،من حيث السيادة عليها وعلى مقدساتها وفي المقدمة منها المسجد الأقصى،بأنه سينتحر سياسياً،وسينهي تاريخه كمتخلي عن القضية الفلسطينية والمشروع الوطني،وبائع للقدس،ولا نخال بان الرئيس عباس،سيقدم على مثل هذه الخطوة او هذا الموقف،واذا كان من الموت بُد،فمن العار ان تموت جبانا،ولذلك ما نجزم به بانه سيقبل الموت كما،فعل سلفه الراحل القائد أبا عمار شهيداً.
نحن ندرك صعوبة الخيارات والمواقف الموجود بها الرئيس،والمترتبة على قراراته وخياراته،ولكن في قضايا الوطن والمبادىء والقدس على وجه التحديد لا معنى للمساومة او القبول،فهذا رديف الخيانة،ولا أعتقد بأن الرئيس بعد هذا العمر،سيختتم حياته كمفرط بالقدس والأقصى،ولذلك اعتقد بانه يختار التسلل من تحت عباءة المحور العربي السني الملتصق بامريكا،فخياراته كالسم الزعاف،دون ان يقدم على إحداث حالة قطع معها،وسيعمل على توسيع مروحة علاقاته وخياراته،دون ان يندمج كلياً في المحور المقابل،محور المقاوم والممانعة،ولكن اعتقد بانه سيتجه ويخرج لزيارة طهران،فهو يريد اوسع حالة من الإلتفاف العربي- الإسلامي،حول مواقفه وخياراته،وبما يشكل عامل حماية وضمانة له،في أي خطوات او قرارات قد يتخذها،وكذلك يدرك حجم المترتبات المالية التي قد تنشأ عن مثل هذا القرار،فالمشيخات الخليجية ستحجب عنه فوراً المال،ولكن قد يجد البديل عن ذلك من اكثر مصدر طهران والدوحة واسطنبول خيارات مرجحة،دون حسم نهائي لذلك.
الإدارة الأمريكية ممعنة في صلفها وعنجهيتها وفي تنكرها لحقوق شعبنا الوطنية والسعي لتصفية قضيتنا ومشروعنا الوطني،فهي عندما تنزع السيادة الفلسطينية عن عاصمة دولتنا الفلسطينية،قدس الأقداس،وتنزع حائط البراق من المسجد الأقصى،وبما يعني تهويد قدسنا ومقدساتنا،فهذا يعني ان القبول بصفقة القرن الأمريكية انتحاراً،ولذلك على الرئيس ان يتجاوز "الفيتو" السعودي- المصري في سبيل حماية القدس وفلسطين.
بقلم/ راسم عبيدات