من القدس وفلسطين ، وامتداداً إلى الدول العربية والدول الإسلامية ، وصولاً إلى دول العالم ، تحركت الشعوب قاطبة انتصاراً للقدس عاصمة فلسطين، مما دفع حكومات تلك الدول جميعاً إلى التفاعل مع حركة شعوبها ، فكان اجتماع وزراء الخارجية العرب ، واجتماع الاتحاد البرلماني العربي ، متبوعاً باجتماع القمة الإسلامية ، على حين تقاعست القمة العربية عن الانعقاد ، وكذلك اجتمع مجلس الأمن ، ومن ثم الجمعية العامة للأمم المتحدة .
هذه التحركات الشعبية والدولية أكدتا وبدرجات متفاوتة مدى أهمية القدس ، وما تعنيه هذه المدينة لدى شعوب العالم ، فالقدس فلسطينية الأرض ، عربية الانتماء ، واسلامية بالمسجد الأقصى أولى القبلتين ، ومسيحية بكنيسة القيامة ، وعالمية ببابها إلى السماء ، فهي لها وقع خاص لدى كل شعوب العالم ، فالمسلمون يكتمل حجهم بزيارة المسجد الأقصى ، والمسيحيون يحجون إلى كنيسة القيامة وكنيسة المهد ، فهي المدينة المقدسة دون مدن العالم كله ، والتي حباها الله بالمباركة والتبريك .
ولقد جاءت نتيجة التصويت في الجمعية العامة التي اجتمعت مرتين خلال ثلاثة أيام ، وكذلك نتيجة التصويت في مجلس الأمن الذي اجتمع مرتين أيضاً خلال أسبوع واحد ، جاءت نتيجة هذه الاجتماعات العربية والإقليمية والدولية بمثابة صفعة القرن للعدو الأمريكي الصهيوني ، فالعدوان السياسي الأمريكي على القدس ، هذا العدوان الذي أراده الرئيس الأمريكي صفقة تجارية رابحة في ميزانه التجاري الرئاسي ارتد عليه هزيمة سياسية مخيبة لآماله وأهداف إدارته ، وغم كل التهديد والوعيد الأمريكي الذي جاء على لسان ترامب شخصياً ، بقطع المساعدات عن الدول التي تصوّت ضد القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة للاحتلال الصهيوني ، فعلى الدول التي تتلقى المساعدات الأمريكية أن تقف إلى جانب القرارات الأمريكية ، فالإدارة الأمريكية تدفع للدول والحكومات من أجل أن تكون أداة بيدها ، وهكذا رددت هيلي المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة ، لكن هذا التهديد والوعيد ذهب أدراج الرياح ، وذلك عندما قالت الأربع عشرة دولة الأعضاء في مجلس الأمن لا للقرار الأمريكي وذلك في اجتماعي مجلس الأمن اللذين عـُقدا من أجل القدس ، هذا الموقف الدولي في مجلس الأمن جاء نتيجة للغطرسة الأمريكية ورئيسها ، ودرساً واضحاً من الدول الأربع الكبرى خاصة ، بأنّ هيمنة القرار الأمريكي على القرار الدولي قد انتهت ، وإن كانت الولايات المتحدة قد مارست حق النقض المخول لها ، وذلك لأنّ صيغة القرار المقدم مصرياً إلى مجلس الأمن كانت ضعيفة بقدر الضعف المصري خاصة والعربي عامة والذي لم يرقى بعد إلى قوة الشعب العربي ، فقد منح القرار المصري الضعيف حق التصويت للولايات المتحدة الأمريكية ، والذي كان يجب أن يتضمن إشارة واضحة إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها ترامب ، هذه الإشارة التي كانت بمثابة الشكوى ضد الولايات المتحدة مما يمنعها من التصويت على قرار مجلس الأمن ،حيث لم تستطع مصر إدراج هذه الشكوى في نص القرار الدولي ، مما أضعف القرار وأعطى الولايات المتحدة حق التصويت بالرفض والاعتراض والنقض ، وإن كان من سبب لذلك ، فهو بالتأكيد أنّ مصر تقع في دائرة القرار الأمريكي الذي لا تستطيع الخروج من تحت عباءته .
وخلال ثلاثة أيام فقط أثبتت الجمعية العامة للأمم المتحدة مساندتها للقضية الفلسطينية فكان قرارها يوم الثلاثاء 19/12/2017 المؤكد على حق الشعب الفلسطيني في ممارسة تقرير مصيره على أرضه والذي نال تأييد /176/ صوتاً ، بينما نال قرار الجمعية العامة يوم الخميس 21/12/2017 الرافض للاعتراف الأمريكي باعتبار القدس عاصمة للاحتلال الصهيوني على تأييد /128/ صوتاً مقابل رفض تسعة أصوات ، وامتناع /35/ دولة عن التصويت ، وجاءت هذه النتيجة رغم التهديد الأمريكي لدول العالم ، علماً أنّ الأصوات الرافضة دائماً لمشاريع القرارات المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني ، غالباً ما تكون هي أصـوات دول لا يـُسمع بها إلا عند التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وهذه الـدول مثـل ( ميكرونيسيا ، جزر المارشال ، بالاو ، ناورو ) ، فهي دول لها صوتها في الجمعية العامة ، وإن كان ليس لها كدول أي وزن وقيمة على الصعيد الدولي .
إنّ هذا التأييد العالمي لحق الشعب الفلسطيني على أرضه ، والذي جاء خلال الأسبوعين الماضيين ، هو نتيجة جهود التحرك السياسي للقيادة الفلسطينية مدعوماً بتحرك شعبي على الأرض ،هذا الحراك السياسي الفلسطيني على أعلى المستويات باتجاه الصين وروسيا وفرنسا والذي جاء متزامناً مع اجتماع الجمعية العامة ، يؤكد على أهمية النضال السياسي على الجبهة العالمية لعزل عدونا الصهيوني ورفع الغطاء السياسي عنه .
و أنّ نجاح النضال السياسي الفلسطيني على الصعيد الدولي بحاجة دائماً إلى قوة شعبية فلسطينية تمارس دورها على الأرض مقاومة شعبية للاحتلال الصهيوني ، لجعله احتلالاً مكلفاً باهظ الثمن ، هذه القوة الشعبية الفلسطينية التي تتمثل اليوم بالحراك الجماهيري ضد الاحتلال الصهيوني ، هذا الحراك الذي يجب أن يتطور إلى هبة عارمة وانتفاضة شعبية منظمة ، لها قيادة موحدة تحدد لها أهدافها الاستراتيجية وخطواتها اليومية لتؤتي ثمارها في إنجاز المشروع الوطني الفلسطيني ، بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم ، وهذا يتطلب الإسراع بإنجاز المصالحة بالتخلي عن الحسابات الفصائلية ، والذهاب إلى وحدة الموقف الفلسطيني في المنطلق والهدف والأداة ، وضمان استمرار التأييد العربي والدولي لنضالنا الفلسطيني ، والعمل على تحويل القرارات الدولية إلى واقع فعلي على أرضنا الفلسطينية .
بقلم : صلاح صبحية
22/12/2017 صلاح صبحية