ابراهيم ابو الثريا الفلسطيني الاقوى والاكثر ايمانا وعطاء, فقد سبق ان قدم قرابين للوطن هما والده وشقيقته وعين والدته وساقيه, وحين وجد ان الوطن ظل بعيدا ولم يعد كما تمنى, حين رأى ان النصر كان فقط دم والده, ان الوطن المنتصر لم يقدم له ساقين بديلا ايقن ان الوطن لم يعد, لذا واصل خلع حذائيه بوجوهنا لا بوجوه الاحتلال وذهب بصدره يستعيد الوطن او يعود هو الى ساقيه, ولأنه كان وحيدا ومكشوفا امام بنادقهم فقد كان من الاسهل ان يلحق ابراهيم الصدر والجبهة بإبراهيم الساقين, كذا فعلت عهد التميمي الطفلة الغضة التي لم تتسع لعروبتها ملاعب القدس المعبرنة والمهودة فقررت ان تستعيد ملاعبها بجدائلها المشرعة في وجه الريح لا في عيون السخفاء فانتصرت, فخجلنا من شعرها فشتمناه, والحقيقة ان الشتم لم يكن لشعر عهد السافر سلاحا ضد الاعداء بل كان مداراة لفضيحتنا ونحن نتركها وحدها في مواجهة الة البطش الصهيونية تستعيد لنا بعضا من كرامتنا المهدورة علنا بسبب من غيابنا الفاضح عن فعلنا وادواته.
ليسوا وحدهم بل عشرات ومئات والاف الشهداء والجرحى قدم شعبنا منفردين بعيدين عن الفعل الجماعي فطالت بنادق الاعداء جباههم وصدورهم وسيقانهم فغيبتهم او اقعدتهم وواصل الاعداء فعل التهويد والاستيطان والقرصنة علنا بل ووجدوا من يؤيدهم ويقدم لهم كل الدعم والاسناد ليس من ترامب وامريكا فقط بل وفي صمت مخزي من الاصوات الرسمية في دنيا العرب والمسلمين ودول العالم ولا يمكن لصوت باهت في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ان يعيد شيئا لبلادنا وشعبنا فلدينا من مثل هذه القرارات تلال وسلال وسدد لم تجدي نفع طوال قرن من الزمن ولا زالت وكان بها حجة العاجز ليقول للمنتظرين منه دبسا ان في نيويورك بعض الدبس دون ان يذكر ان نمس نيويورك هو من يحكم ومن يقرر وان حبر تصفيق وتأييد 128 دولة لقرار اممي لا يساوي الوقت الذي استقطعه مندوبي الدول من حياتهم ليهدوا لنا صمتنا, صانعين لنا " لهاية " نصر جديد اتقنت المنظمة الاممية الرسمية فعلها معنا عبر الزمن بعد ان ايقنت بانها تنجح بذلك.
بكل رزانة وبياقات منشاة وربطات عنق وبدلات داكنة اللون لا تخشى الغبار واعداد هائلة من الشاشات والميكروفونات وصفحات الاعلام الورقية والالكترونية يخرج علينا من امتهنوا صنعة القيادة بلا كلل ولا ملل ليهللوا للنصر في نيويورك وليغنوا علنا وبكل بجاحه للبطل بلا ساقين وللطفلة التي سرق منها الاحتلال اسوار القدس التي غطت شعرها عبر الزمن فرآها البعض بطلة وراها البعض خارجة عن الدرب في ان معا.
اجتمع العرب في القاهرة وفي كل قاهرة اسما لا مضمون في الاجتماع والمجتمعين واجتمع المسلمون في اسطنبول واجتمع العالم في القاهرة ووحدنا نحن لم نجتمع واصدر العالم كل العالم البيانات والبيانات بينما ظلت عهد التميمي بدون قدسها وظلت ساقي ابراهيم لا تاتي بانتظاره ان يأتي اليها بصدره وفعل, وحدنا في حارات رام الله وغزة وغيرها لم نجتمع على جدائل شعر طفلة ولم نذد عن الحياض واكتفينا بسفيرة في المعتقل وسفير في السماء الطفلة عهد التميمي وحامل ساقيه على ظهره ابراهيم ابو ثريا.
“مَن أراد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني” (مت16: 24) هذه الكلمات التي صرخ بها اول الشهداء الفلسطينيين ... الشهيد الحي عيسى ين مريم عليه السلام, كررها على اطراف غزة حامل ساقيه صليبا على ظهره مقاتلا في سبيل غده ابراهيم ابو ثريا, بينما ارادت الطفلة عهد التميمي ان توصل لنا رسالة غاندي حين قال " سيبقى ما فعلته لا ما قلته أو ما كتبته " فالذين لا يتقنون سوى الغناء لا يمكنهم ابدا ان يصوغوا غدنا فالفؤوس تحرث الارض بسواعد حامليها لا بأصوات المغنين على الناصية, وان لم تتقدم قوى وفصائل الثورة وقياداتها لتنظيم الجماهير وتعبئة طاقاتها وقيادتها في الميدان لا من على الشاشات فان الاحتلال سيواصل امعانه العملي بإعادة انتاج النموذج الامبريالي في القارة الامريكية بإلغاء وجود شعبنا وشطب هويتنا الوطنية وحقنا المطلق في بلادنا.
اكثر من 50000 شهيد قدم الشعب الفلسطيني منذ هبة البراق حتى اليوم رغم غياب الاحصائيات الدقيقة وعشرات الاف الجرحى ومئات الاف الاسرى وملايين المشردين وعلى مدى مسيرة شعبنا ظلت القيادة تستثني ارادة الجماهير وتمجد الاعمال الفردية وخصوصا تلك التي تنتهي باستشهاد بطلها بل وتشجع عليها وقد استفحل الامر كثرا منذ الانتفاضة الثانية ليصبح المشهد الساطع امامنا بقيادة ثورية بلا ثورة وحاكمين ووزراء بلا حكم واكتفاء بالغناء والتمجيد للبطولات الفردية الغير منظمة ودون ان تعطى هذه التضحيات الاهتمام الذي تستحق ودون ان تسعى القوى المحتكرة للقب الثورة للقيام بمهامها الشعبية وبعكس الدور المناط بها راحت جميعها وبلا استثناء تستند الى الاستعداد الفطري لدى الشبان والشابات وحتى الاطفال احيانا للتضحية وتحولت الفصائل الى فرق غناء وخطابات للشهداء وعنهم والتي سرعان ما تغيب مع غياب بوابة بيت العزاء لنحضر لغناء جديد لشهيد جديد والقاب جديدة لبطل جديد.
ان قيادة تستند الى اطفالها لتبرر احتفاظها بياقاتها المنشاة ومكاسبها السخيفة بالمعنى الفردي ودون ان تقف بنفسها على راس الجموع لا يمكن لها ابدا ان تحقق شعاراتها ولا ان تنتصر لقضيتها الا اذ وجدت السبيل لتتوحد بالمطلق مع جموع الشعب في فعل جماعي يعتمد التضحية الجماعية والصمود الجماعي القادر على الثبات والمواصلة, وبدون ذلك فسنبقى اسرى لانتظار قرار دولي هنا وخطاب رئاسي لزعيم غربي هناك وكلمة عن حقوقنا من بلد بعيد وتأييد لفظي لقضيتنا من مجالس رسمية لا تغني ولا تسمن من جوع واستمرار حالة الرضا والتهليل لقرارات الامم المتحدة مع استمرار ادارة الظهر للإرادة الشعبية الحية وحاجتها الى قيادة حقيقية قادرة على تفعيلها, ذلك لن يصل بنا الى حقوقنا وعلى العكس فسيواصل الاحتلال افعاله بالتهويد والعبرنة لأرضنا وانتزاع ترابنا من تحت اقدامنا وفي احسن الاحوال زرع شبابنا بقلب التراب والابقاء على قيادة لا ولن تتقن سوى الغناء البعيد لدم الابطال الدافئ فوق تراب بلادنا دون ان تتقدم خطوة عملية واحدة الى الامام قد تفقدها امتيازاتها السخيفة.
بقلم
عدنان الصباح