على مدار سنوات النضال الفلسطيني جربت حكومة ودولة الإحتلال اختراع قيادات للشعب الفلسطيني مرتبطة بها وتعمل على تنفيذ مخططاتها ومشاريعها،منها روابط القرى العميلة والتقاسم الوظيفي وغيرها من المشاريع،ولكن الشعب الفلسطيني بنضالاته وتضحياته قبر تلك المشاريع...واليوم ليس كما هو في السابق،فالبحث عن القيادة البديلة للشعب الفلسطيني يأتي في ظل الكثير من المتغيرات والتطورات،وتوسيع دائرة المشاركين في هذا المشروع على ضوء الرفض الفلسطيني لقرار ترامب بإعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال ورفض ما يسمى بصفقة القرن "صفعة القرن"،حيث تتوظف لخدمة المشروع الأمريكي- الإسرائيلي للقيادة البديلة العديد من الدول العربية،والتي أضحت تستعجل تطبيع علاقاتها وشرعنتها مع دولة الإحتلال،ولا ترى في اسرائيل عدواً،بل دولة صديقة يجري دمجها في المنطقة كمكون طبيعي،دون الإلتفات الى إحتلال الأراضي الفلسطينية والعربية،وقد عبر وزير خارجية البحرين،خالد بن احمد ال خليفة عن وجهة نظر تلك الدول،قبيل قرار الجمعية العامة المقدم من فلسطين ضد قرار ترامب يإعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال،حيث قال :- علينا عدم المواجهة مع امريكا في قضية جانبية كقضية القدس،بل يجب تعزيز التحالف والتعاون ما بين عرب الإعتدال "الإعتلال" وامريكا لمواجهة الخطر والعدو المشترك على حد زعمه ايران،وكذلك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مارس الكثير من الضغوط على الرئيس عباس للقبول بصفقة القرن،وعدم الإعتراض على قرار ترامب بإعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال،وتلك التهديدات طالت الملك الأردني عبد الله الثاني.
في الوقت الذي أعلنت فيه القيادة الفلسطينية والرئيس عباس مواجهة القرار الأمريكي،كانت دوائر القرار الأمريكي وصناعه،تعكف على صياغة خطة عقابية قاسية بحق الرئيس عباس والقيادة والشعب الفلسطيني،العقوبات التي تتمثل بتجميد وقطع الإتصالات السياسية والأمنية وعدم استقبال المسؤولين الفلسطينيين بصفة رسمية او غير رسمية،واغلاق مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن، وهذه العقوبات ليست بالمهمة،بل ما هو مهم فرض حصار مالي واقتصادي على الضفة الغربية،شبيه بحصار قطاع غزة،تشارك فيه امريكا واسرائيل والعديد من الدول الخليجية وفي المقدمة منها السعودية والامارات العربية والبحرين،وربما قطر،حيث حسب موقع"ديبكا" الإسرائيلي لم يستجب اميرها تميم بن حمد لطلب الرئيس عباس بتحويل دفعة مستعجلة لخزينة السلطة الفلسطينية،وأيضاً ستنضم لهذا الحصار دول اوروبية غربية،والرهان هنا بأن تتراجع القيادة الفلسطينية عن مواقفها،أو ان تستمر في الثبات والصمود عليها،والصمود والثبات عليها،يعني أن تشرع امريكا ومروحة حلفائها في نقل مشروع الخطة البديلة لحيز التنفيذ والفعل.وما هو حاسم هنا موقف القيادة الفلسطينية وموقف حركة فتح من خارج السلطة،كادراتها وقواعدها التي وجدت بان السلطة رهلت فتح وفرغتها من مضمونها الكفاحي،فالشرائح المرتبطة بالسلطة من داخلها وخارجها والمنتفعة،ستمارس الكثير من الضغوط على القيادة،من اجل التراجع عن رفضها لما يسمى بصفقة القرن،وابداء مرونة عالية في العلاقة مع امريكا،وكذلك هناك من يعتقد انه بعد كارثة اوسلو الممتدة والمتواصلة حتى الان،وما نتج عنها من ضياع للحقوق الفلسطينية ودمار وتخريب داخلي،يمكن ان نعترض على القرار الأمريكي وصفقة القرن،من خلال حراك شعبي مضبوط مسيطر عليه لخدمة اغراض تكتيكية لتحسين شروط الظروف العملية التفاوضية،وهنا انا اجزم ومن خلال القراءة للواقع وحركة الشارع،ليس كمتابع فقط،بأن الجماهير محجمة عن النزول بشكل واسع للشارع،إرتباطاً بحسها وعفويتها بان هذه القيادة ستعمل على استثمارها ليس من اجل خوض مواجهة شاملة مع المشروع الأمريكي،بل في إطار الإستثمار التكتيكي لتحسين شروط التفاوض،وهنا سيكون مقتل هذه القيادة ونهايتها فالشعب الفلسطيني مل هذا الماراثون التفاوضي العبثي الذي لم يستولد سوى المزيد من ضياع الحقوق والأرض للشعب الفلسطيني..
الخيار الوحيد أمام القيادة الفلسطينية،هو ان تصمد على مواقفها،وتعمل على إحداث حالة قطع مع المرحلة السابقة بشكل متدرج،وبما يجبر إسرائيل على جعل السلطة،كما حدث في عهد القائد الراحل أبا عمار تستشهد،فلم يبق امام الشعب الفلسطيني ما يخسره،ولذلك في الوقت الذي تقول القيادة بموقفها الحازم ستجدد ان هناك التفاف شعبي وجماهير حولها،ومهما كانت قوة الدفع حول مشروع القيادة البديلة مالياً وامنياً وسياسياً،فهي لن يكتب لها النجاح في ظل حالة من الفوران الشعبي واسعة وتضحوية،وهذا يتطلب من القيادة الشروع الفوري في إنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية على قاعدة الشراكة الحقيقة والمشاركة في القرار،وضمن رؤيا واستراتيجية موحدتين قائمتين على الصمود والمقاومة وفتح آفاق سياسية جديدة بديلاً عن أوسلو والخيار الأمريكي،وهذا يتطلب انفتاح فلسطيني وترتيب وتوثيق العلاقات والتحالفات،خارج إطار محور الإعتدال "الإعتلال" العربي،المشارك أصلاً في المشروع الأمريكي والقيادة البديلة،ويمكن هنا نسج علاقة فلسطينية – أردنية قوية على قاعدة ان هناك استهداف مشترك للقيادتين،ومد الجسور نحو دمشق- الضاحية الجنوبية- طهران- أنقرة – موسكو وبكين،فهذا حلف له وزنه الكبير،ويمكن ان يشكل معادل كبير في حماية القرار والقيادة الفلسطينية،ويشكل ضاغط كبير على الحلف المقابل،لكي يتراجع عن مشاريعه التصفوية بحق القيادة والشعب والقضية الفلسطينية،ونحن ندرك تماماً بان المتغيرات التي تحصل في المنطقة،وتراجع وانكفاء الدور والمشروع الأمريكي في المنطقة،قد يمكننا ان نعزز صمودنا وثباتنا،وان نفتح كوة جديدة ونافذة قوية،تجاه تحقيق حقوق شعبنا في الحرية والإستقلال،والشعب لم يخذل القيادة دوماً،ولكن القيادة عندما تخذل الشعب،او تقوده الى متاهات ومشاريع،هدفها خدمة مشاريع ومصالح طبقة او فئة فلسطينية،فالشعب لن يقف الى جانبها،ولكن القيادة الان امام مفترق كبير،وعليها ان تتخذ قرارتها وبما ينسجم مع المصالح العليا للشعب الفلسطيني،ولا اظن بان مصلحة الشعب الفلسطيني مع قرار ترامب بإعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال،او مشروع ما يسمى بصفقة القرن،تصفية القضية والمشروع الوطني الفلسطيني.
صحيح المرحلة جداً صعبة وخطرة ولكن عندما تكون القدس مستهدفة ،وكل مرتكزات البرنامج الوطني الفلسطيني،قدس ولاجئين وأرض فلا خيار سوى الإنحياز لخيار وقرار للشعب.
بقلم/ راسم عبيدات