تدويل القضية الفلسطينية ما بين الاستراتيجية والتكتيك

بقلم: أحمد الأسطل

هو عنوان بحث كتبت فيه، ويدور حول مسألة التدويل، وكيفية نشأة الكيان (الإسرائيلي)، وترويج وجوده على العرب والفلسطينيين من خلال اتباع العديد من المراحل التكتيك لتحقيق الهدف الاستراتيجي، ويبدو أننا نمر بذروة تدويل القضية الفلسطينية من المنظور العربي، والمرحلة المقبلة قد تشهد تهافت بعض الدول العربية في التطبيع؛ فبعد أن كان محرما أصبح مقبولا، ودولة البحرين أنموذج على سبيل المثال لا الحصر!

بدأ الصراع العربي (الإسرائيلي) برعاية بريطانية ابتدأته بتصريح بلفور؛ لأهداف استعمارية ما زلنا نكتوي بتداعياتها، ومهدت لوجوده مستغلة ومخالفة نصوص الانتداب الذي منحته اياها عصبة الأمم، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصير.

قررت بريطانيا ألّا توقف مسألة نشأة دولة الاحتلال (الإسرائيلي) عندها فقط، وإلا ستأخذ طابع المستعمرة البريطانية، ومن هنا أدخلت ملف القضية الفلسطينية لعصبة الأمم؛ لكي تكسب خطواتها بخصوص نشأة هذا الكيان الشرعية الدولية، وعندما انهارت عصبة الأمم نقلت بريطانيا أصول الملف لهيئة الأمم المتحدة لنفس الغاية وهي تدويل القضية الفلسطينية، وتثبيت الوقائع التي أوجدتها من المنظور الدولي.

انتقلت الحركة الصهيونية إلى أمريكا لترعى وجودها بعد الحرب العالمية الثانية، وما كان لها القدرة على الاستمرارية لولا وجود راعي يحفظ وجودها، ولهذا نتيجة اختلال الميزان الدولي لصالح الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية توجهت لها؛ حيث أفرزت الحرب قوى عالمية جديدة، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية.

رفض العرب القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية منذ قرار التقسيم 181 لعام 1947، وبالتالي رفضوا التعاطي مع مسألة التدويل، والقبول بوجود هذا الجسم الغريب، وكانت السياسة العربية تدعو لعدم التفريط بفلسطين من البحر إلى النهر، ولكن أدرك العرب بعد عام 1967 أن دولة (إسرائيل) هي دولة عالمية المنشأة والمرعى، وبالتالي زوالها يحتم تغير المنظومة الدولية برمتها، ويبدو أن هذه المعطيات أجبرتهم على تغيير سلوكهم السياسي.

على أية حالة بدأ تدويل القضية الفلسطينية، والقبول بوجود دولة تسمى (إسرائيل)، وهنا التدويل من المنظور العربي، وبدأت السياسة العربية تتغير تجاه دولة الاحتلال (الإسرائيلي)، فبدأ العرب بتقديم المبادرات واستقبالها لاسيما أكبر الدول العربية والمؤثرة بالقرار العربي كمصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر حامل لواء القومية العربية، ولربما الظروف الدولية أجبرته، وأصبح الموقف الفلسطيني، وبعض الدول العربية المحدودة ترفض التعاطي مع مثل هذه المبادرات، ولكن بعد حرب 1973، بدأ الفلسطينيون أنفسهم يتعاطون مع ملف القضية الفلسطينية من المنظور الدولي، وبالتالي القبول بوجود دولة الاحتلال (الإسرائيلي)، وأدركوا أن التعاطي مع هذا الكيان بنفس الطريقة هو محال لاسيما في ظل الواقع الدولي الموجود.

وأزداد الفلسطينيون استسلاما للواقع الدولي بعد حرب 1982 التي أخرجتهم من آخر معاقلهم الاستراتيجية في مواجهة دولة الاحتلال بحكم أنها بمحاذتها، وما كان أمامهم إلا مصيدة أوسلو، ولربما ما دفع منظمة التحرير الفلسطينية القبول بهذه النتيجة هو الخروج من عزلها عن المشهد السياسي من ناحية، ولربما الخشية من التعامل مع قيادة فلسطينية في الداخل المحتل!

والخطير في القضية أنه رغم ضعف المناورة لدى منظمة التحرير الفلسطينية بحكم أنها بعيدة من مناطق التماس مع دولة الاحتلال إلا أن الدول الكبرى وإسرائيل دفعتها لأوسلو، ولربما من أهدافهم الكبرى إدخال القضية الفلسطينية مرحلة تدويل جديدة، وهي ضرورة التخلص من السكان الفلسطينيين الذين يشكلون خطرا ديموغرافيا على دولتهم بهدوء ودون إطلاق أي طلقة تجاههم؛ فبقاء وجودهم بلا دولة يعني ضرورة وجودهم كمواطنين ضمن دولة الاحتلال، أو اعتبارها دولة عنصرية؛ فيبدو أنه كان التوجه الوحيد هو أوسلو الملهاة للشعب الفلسطيني وحرفه عن أهدافه ناهيك عن إنهاء الانتفاضة الفلسطينية الأولى!

أوسلو كانت وما زالت مزاياها جمة لدولة الاحتلال (الاسرائيلي)؛ حيث تخلصت من العبء السكاني الفلسطيني الذي يهدد وجود دولتهم من ناحية، ومن ناحية ثانية أسهمت بتهويد دولة الاحتلال مساحات شاسعة من الأرض الفلسطينية، وإضافة لذلك تهويد القدس؛ فكانت خطوة ترامب الرئيس الأمريكي مكملة لهذه الجهود، فهو يسير ضمن خطة ممنهجة، ومشتركة باعتبار الولايات المتحدة هي الراعية لوجود (إسرائيل) واستمراريتها.

وهنا مسألة التدويل أخذت منحىً مختلفا، ودخلنا في ذروة التدويل، وذروة التيه السياسي، والعرب أصبحوا عرابين لسياسة التدويل والمدافعين عن السياسة الأمريكية، ولو كانوا غير ذلك لقطعوا العلاقات فورا ردا على انتهاج الولايات المتحدة سياسة جديدة.

لاشك أن منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية وقفوا في وجه السياسة الأمريكية القديمة الجديدة، والمستترة أحيانا والظاهرة أحيانا أخرى سواء بانتزاع قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يرفض قرار ترامب، ونجحوا بعزل إدارة ترامب، ولو مؤقتا!

نجح الرئيس الفلسطيني في تحريك الدبلوماسية الفلسطينية، وتجنيد العالم الحر، ويبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد صراعا سياسيا متشعبا ومتشابكا؛ فمن ناحية سيكون صراعا سياسيا على المستوى الدولي لتثبيت الجهد السياسي الفلسطيني في مواجهة الإدارة الأمريكية، وصراعا على المستوى الداخلي في محاولة التدخل بالشأن الفلسطيني، والبحث عن بديل للرئيس الفلسطيني، ولربما بأيد عربية، وقد يعلو المشهد اغتيال له يشبه اغتيال الراحل عرفات!

لابد أن تعاد هيكلة الدبلوماسية الفلسطينية في كل مكان، وتفعل بشكل أفضل لصالح القضية الفلسطينية ومتابعتها، ومن ناحية أخرى يقع على الرئيس أمر مهم وهو إنهاء ملف الانقسام _وإلا فما جدوى نضالنا السياسي ونحن مختلفون فيما بيننا؟، والاتفاق داخليا، وبمشاركة الجميع على برنامج سياسي يكون صفعة لدولة الأبرتهايد العنصرية، ولربما ينبغي أن يكون من بين السيناريوهات حل السلطة والذهاب للمطالبة بحقوق المواطنة في دول واحدة كما همس بذلك الرئيس في الأمم المتحدة.

ولربما تخشى المنظمة من حل السلطة فتكون فرصة سانحة لحركة حماس بإعلان الدولة الفلسطينية في غزة، وبالتالي اعتلائها المشهد السياسي، وتغيير قواعد اللعبة بالكلية؛ ما سيترتب عليه تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية برمتها، ولذلك لابد من تنسيق منظمة التحرير الفلسطينية مع الجميع، وإشراكهم في القرار الفلسطيني، وضرورة إنهاء الخلافات الداخلية للتصدي بقوة جماعية للسياسة الصهيوأمريكة، وهنا يجب التنويه بضرورة فهم لغة العالم والتعاطي مع الخطاب السياسي العالمي بمرونة بعيدا عن الأفق السياسي الضيق أو لغة التخوين.

بقلم/ أحمد الأسطل