بات الحديث عن المصالحة الفلسطينية مقرفاً إلى حد بعيد، لأن جميع القوى الفلسطينية تصر على الحرث بالماء، إلا من رحم ربي، وبزوغ نجم الإسلام السياسي الفلسطيني زاد الطين بله واتسعت دائرة الشرخ والانقسام والضياع في مجاهيل الظرفين الذاتي والموضوعي، الأمر الذي يهدد المشروع الوطني الفلسطيني برمته.
منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة العام 1964 فشلت كل محاولات تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وغلب كثير من الفصائل مصالحه بشكل أو بآخر على مصلحة الشعب الفلسطيني، رغم أن مراحل الصراع العربي الصهيوني المتعاقبة شهدت أحداثا وحروبا كبيرة كان على القوى الفلسطينية أن تتوحد في ظلها على الصعد كافة.
ينادي الجميع اليوم بإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، ويتساءل آخرون، هل دخلت المصالحة في سبات مؤقت أم موت سريري؟
في ظل «الربيع العربي» و«صفقة القرن» وبدايتها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس والاعتراف بالمدينة عاصمة للكيان الصهيوني والحديث عن يهودية الدولة، وعدم اتخاذ خطوات عملية ضد هذه المؤامرة، يمكن الجزم أن المصالحة الفلسطينية «كش مات»، إلا إذا حدثت معجزة ذاتية تقلب المعادلة وتفشل كل ما يخطط موضوعياً.
ما يجري بين حركتي حماس وفتح من اقتتال في مختلف الجوانب، ليس تراشقاً إعلامياً وإنما هو شرخ قاتل في النظرية والممارسة انعكس بالضرورة على بقية الفصائل والقوى التي يراد لها أن تكون مجرد بيادق في ملعبي الحزبين الحاكمين.
هذا الشرخ أدى إلى انحراف البوصلة ما حقق انهيار المصالحة وفشل الوحدة الوطنية الفلسطينية، والخوف كل الخوف أن ينتج عن هذا الأمر موت المشروع الوطني الفلسطيني، ودليل ذلك اعتراف قائد حركة «حماس» في قطاع غزة يحيى السنوار وقوله: «إن لم يتحرك شعبنا للنهوض بمشروعنا الوطني فسنعض أصابع الندم في وقت ليس ببعيد».
لذلك يسود اعتقاد أنه بظل غياب الحاضنة العربية والإسلامية والدولية عن جزء واسع من الكل الفلسطيني، في ظل تبدل منظومة القيم السياسية وهرولة عدد كبير من الرسميات العربية نحو التطبيع من فوق الطاولة، بات الانتحار السياسي سمة الراهن الفلسطيني، ومعه ورقة المصالحة الصغيرة في المعادلة الدولية المقبلة سوف تكون ميتة ومن الماضي، إلا إذا حدثت معجزة كما أسلفنا تمنع هذا الموت.
إن قرارات الأمم المتحدة والتحرك السياسي والدبلوماسي لن يثني الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قراره ولن يجبر الاحتلال الصهيوني على التراجع عن مشاريعه الاستيطانية والتهجيرية والتدميرية، وبالتالي لن يتوقف قطار التطبيع العربي الرسمي، ولذلك لا يوجد مبرر من الهروب في مواجهة الاحتلال الصهيوني بالمقاومة وعلى رأسها المسلحة، وإتمام المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، وإلا فإن فلسطين الأرض والإنسان سوف تتذكرها الأجيال المتعاقبة وقوفا على الأطلال، فهل من معتبر؟
بقلم/ نعيم إبراهيم