لو توافق الفلسطينيون على إقامة دولتهم العتيدة في مخيم جباليا، بعد سقوط العراق وترنح سوريا، لن تقبل إسرائيل بذلك، لأن وجود كيان فلسطيني سيكون مناقض تماما للوجود الإسرائيلي، وتدرك تل أبيب أن الاعتراف بالجزء مقدمة للاعتراف بالكل.
اعلان إسرائيل رغبتها في ضم الضفة (21%) من فلسطين، أمر جرى عام 1967 ولم يحدث الا إعادة انتشار خارج غزة وخارج مدن الضفة فقط، وطالما تمسكت إسرائيل بمسمى يهودا والسامرة، وعملت على الضم الاقتصادي في مناطق (ج) وسلب مقدرات الضفة مسبقا، ومنحت تصاريح خاصة لغزة وسيناء بشكل علني.
اذن.. الأمر شديد الوضوح، ولم يكن بمقدور الفلسطينيين إلا التحايل على البقاء في الخليل وسلفيت والأغوار وأريحا، دون إطلاق الرصاص لأن ذلك سيسرع استكمال الضم والتهويد باستعمال المطرقة العسكرية، إذا ما العمل مع الاحتلال وتسارع الاحلال؟
إقرار العالم بحل الدولتين كأفضل وسيلة للاستقرار متوسط الأمد، هو أمر بلا جدوى ما لم تُفعل أدوات المجتمع الدولي خارج سيطرة ترمب، فالعدالة دون عقاب عملية أخلاقية فاسدة تعمل لصالح الطرف الأقوى، ولا شيء يجبر العالم على معاقبة إسرائيل والضرب على يدها ما دامت أدوات الضغط العربي غير فاعلة ومستلبة، والحضور الفلسطيني الحضاري في المحافل الدولية محط احترام وتقدير لكن في السياسة الدولية كل ذلك "أدب من الضحية الضعيف المكبل بمعادلات الأمن والاقتصاد".
تخيلوا معي مشهد احراق جوازات السفر لدولة فلسطين تحت الاحتلال في المقاطعة، وتوجه 3 مليون في الضفة الى حواجز الاحتلال سلميا للمطالبة بانتخابات برلمانية مبكرة أو الاستفتاء على شكل دولة فلسطين والذهاب نحو صيغة "اتفاق طائف مستحسن" وتحويل حكومة نتنياهو ليبرمان إلى حكومة احتلال عنصري، أعتقد أن الوضع سيكون مختلف ولغة الرباعية ناقص أمريكا ستكون أكثر جدية، كما أن طيش نتنياهو سيجد له حد.
إن الذهاب لخيار الكفاح المسلح في الضفة هو استدعاء (سور واقي 3) أكثر وحشية، ويطلق يد الاحتلال لتشجيع الترحيل المباشر وغير المباشر، والعبرة لمن يعقلون ويتفكرون في قوائم المسافرين المجنونة على معبر رفح (30 ألف طالب ومقيم في الخارج ومريض؟!) فما بالكم لو فتح المعبر لكل راغب في السفر وما وراء السفر.
ليس بيد منظمة التحرير سوى ترك السلطة بطريقة سلمية ذكية وتحميل الاحتلال مسؤولياته وبشكل شجاع وسريع، فلا يجوز ترك المبادرة في يد حزب الليكود، والأخطر من ذلك خيار المراوحة والتأجيل والانتظار، لأن الوقت يعمل لصالح من يمتلك وسائل القوة المحمية بإرادة أمريكية مطلقة وكاملة وتوازنات دولية جديدة في طور النشوء لها حسابات أهم في أوكرانيا ودمشق والوقت فلسطينيا لا يحتمل حكمة الصين وهدوءها ولا الشجاعة الفرنسية التي لن تكتمل.
القرارات الشجاعة لها ثمن لكن نتائجها أكثر وضوح، والمبادرة في إدارة الصراع تعمل لصالح الطرف الأضعف وفي التاريخ عبر وتجارب غير محدودة، مع التأكيد على أن طبيعة الصراع في فلسطين مختلفة بسبب تشابك الديني مع الجغرافي والاقتصادي والروايات التاريخية المعقدة واستحالة الحل السلمي مع طرف لا يقبل دولة فلسطينية في مخيم جباليا.
أخيرا ثلاثة أمور هامة يجب التفكير جيدا فيها وحولها:
1- الحادثة العنصرية مع جندي درزي في موقع قرب كرم أبو سالم تستدعي عمل مكثف لأن الدروز يدركون عنصرية يهود أوروبا، وهذا أمر يجب العمل عليه فيهود الشرق هم جزء من المنطقة العربية.
2- استدعاء حرب غزة أو توفير أسبابها يعمل لصالح فصل غزة و2 مليون فلسطيني واقصاءهم الجبري من الصراع والسلام، تحت عناوين مؤقتة تصبح دائمة دون حلول نهائية، وقد تستدعي دخول الجيش المصري على حدود غزة لوقف العدوان وكوسيط لحفظ السلام، وهو ما لا يمكن أن تفعله الأردن في الضفة أو تقبله إسرائيل فيها.
3- فكرة حكومة منفى غير منطقية بالنظر للمحيط العربي، وستكون في جوهرها مزيد من الوقت لصالح الإدارة المدنية التي تعمل ليل نهار لإحباط الوجود الفلسطيني.
بقلم: عامر أبو شباب