اصبحت جميع الوقائع التي تناقلتها الاخبار والصحف العالمية عن دور ايراني مباشر في جبهات متعددة وعلى خريطة دول الوطن العربي، فالحرس الثوري الايراني يعمل وبشكل مباشر في كل من سوريا واليمن والعراق،وفي ظل تسريبات عن تقدم في المفاوضات بين امريكا وايران بخصوص ملفها النووي وانتقاد الكونجرس الامريكي لسياسة اوباما تجاه هذا الملف وخطاب نتنياهو المؤثر في مواقف الكونجرس لوقف اي تنازلات قد تقدمها امريكا لايران.
في كل الاحوال الصراع الدائر في المنطقة يدور حول مليء مناطق الفراغ وعدم الاستقرار نتيجة مؤثر الغزو الامريكي للعراق وما احدثه ما يسمى الربيع العربي من خلق الفوضى وتحطيم سيادة وهيبة دول واطلاق العنان لقوى مذهبية وطائفية في صراعات انهت سيادة الدولة وحطمت القوانيين والتشريعات المجتمعية والانسانية في تلك الدول.
منذ بزوغ الثورة الاسلامية في ايران، وانتهاء الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثماني سنوات ""1980-1988م"" في اطول حرب شهدها التاريخ الحديث والتي خلفت ورائها ما يقارب مليون قتيل من كلا الطرفين وضعف هذا العدد من المعوقين والجرحى وتحطيم البنية التحتية بخسائر تقدر بترليون دولار.
كما رات ايران بان نظام صدام حسين وقوته في بناء العراق الحديث خطرا على وجودها وتمددها في منطقة الخليج، وهنا القضية قد تتضح بمبادي حزب البعث القومية ومباديء الثورة الايرانية وتوجهاتها نحو الاماكن المقدسة الشيعية في العراق فقد صرح" علي أكبر كاظمي، المساعد الثقافي للجنة الإيرانية العراقية إعادة إعمار العتبات الشيعية في العراق، ونقلت وكالة أنباء "فارس" التابعة للحرس الثوري الإيراني، عن كاظمي اليوم الثلاثاء، قوله إن "القوات في حالة استنفار بعد القصف المكثف بالهاون الذي تعرضت له المناطق المحيطة بالمقامات المقدسة في مدينة سامراء من قبل قوات داعش"."
باختصار تلك المرحلة التي استنزفت فيها قوة العراق ومحاولة تطويق نشاط الثورة الايرانية من قبل امريكا والغرب، واستغلالا امريكيا لتصفيات وانهاء خدمة لخيرة ضباط وجنرالات الجيش الايراني في عهد الشاه.
التحولات في السياسة الامريكية والتي تعمل دائما باعتبار ان الارض العربية هي ساحة للاستثمار وتوافق المصالح سواء بشكل مباشر او غير مباشر ووضع الدول العربية تحت هدف احداث متغيرات قد تكون على غرار سايكس بيكو التي قسمت الوطن العربي في خطوط ومناطق من التوتر الحدودي والمائي، قد تسعى امريكا لتعديل تلك الخرائط السياسية والجغرافية بما يؤمن مصالحها وامنها القومي، وكانت البداية في حرب الخليج الثانية ""عملية عاصفة الصحراء أو حرب تحرير الكويت 17 يناير إلى بريل1991) "" والتي قاتها امريكا بدول التحالف التي شاركت فيها 34 دولة والتي نتج عنها تحطيم قدرات العراق المنهكة اصلا في حربها السابقة مع ايران ومنذ تاريخ 1991م الى 2003م خضعت العراق لوكالة الطاقة الذرية ولجان التفتيش عن الاسلحة الاستراتيجية التي دمرت بواسطة تلك اللجان ومهدت لاحتلال العراق عسكريا وتحطيم ما تبقى من قدرات العراق عام 2003م
نستنتج من تلك الاحداث ان امريكا بشكل او باخر مهدت الى نفوذ ايراني في العراق من خلال حكومتي علاوي والمالكي والعبيدي الذي لا يختلف عن رؤساء الحكومات السابقة بانتشار المليشيات الطائفية والتي بلولرت نفسها الان بالحشد الشعبي ومليشيات اخرى لمطاردة داعش واجلاء مناطق من السنة في عمليات تصفيات ديموغرافية وعرقية.
تعلو الاصوات عن خطورة التمدد الايراني في مناطق استراتيجية في اليمن والعراق وسوريا وتحكم ايران في كل الممرات البحرية عبر حلفائها في ظل تصريحتات مباشرة اخرها مستشاراية الله خامينائي بان ما يربط ايران بالعراق هو رباط روحي، ولكن اليس من حق ايران الدفاع عن طموحاتها ومصالحها في المنطقة وبغياب ايقونات عربية فاعلة واطلاق العنان لمخططات امريكا في المنطقة وطموحاتها على ارض العرب...!!! ولماذا امريكا حطمت العراق وابتدعت قصة الربيع العربي والفوضى اليس هذا كان يصب بشكل او باخر في سلة الطموح الايراني.
هل سياسة امريكا غبية ام بسبق القرار والترصد..!! امريكا تدير الملف النووي بينها وبين ايران وتغمض عينيها عن تدخل مباشر في العراق وسوريا واليمن، مع اعتراضنا على فكرة تدمير النظام السوري والعراقي واليمني، الذي انتج مناطق فراغ لتدخل قوى خارجية ، افتعلت امريكا وعملت على لايجاد مناطق فراغ وصراعات مذهبية وعرقية...... لصالح من ...!!
الارتعاش والتردد الامريكي تجاه ايران.
هل نستطيع القول ان امريكا عجزت امام تمدد ايران وكبح طموحاتها...؟؟ في نفس الوقت هل عجزت امريكا في انهاء ظاهرة داعش..؟؟ بالتاكيد ان امريكا ورغم صمتها من التدخل المباشر الايراني في العراق وفي تكريت وسامراء وصلاح الدين والانبار فان امريكا تعمل على رسم جغرافيا سياسية من خلال قوى المواجهة المذهبية.... اصبح ليس خفيا ان امريكا تدعم داعش بشكل او باخر وتغمض عينيها عن نشاطات الحرس الثوري الايراني الذي يقود المعارك مع الحشد الشعبي الشيعي في العراق... اذا ماذا تريد امريكا..؟؟
امريكا تريد ان تحقق في رسم خطوط الصراع واطرافها الاتي
1- رسم جغرافيا سياسية مبنية على قوى طائفية وعرقية في كل من العراق وسوريا واليمن
2- تتطلع امريكا الى تحقيق انجازات فيما فشلت فيه امام تطور قدرات ايران العسكرية والنووية بانهاك القوة الايرانية التي استدرجت في كل من سوريا والعراق واليمن وما يبرهن على ذلك معركة تكريت والموصل بين داعش والحرس الثوري ومليشيات الحشد الشعبي من جهة اخرى والتي يقودها قادة من الحرس الثوري الايراني
3- اضعاف الايقونات العربية وستنزاف اموال دول الخليج والسيطرة على مقدرات المنطقة تحت ذريعة الرعب من التمدد الايراني ولصالح الخزانة الامريكية
امام التنبه للسيناريوهات الامريكية في المنطقة العرب في واقع لا يحسدون عليه بين طمواحات ايران وتامين تمددها بعمق نظرية الامن القومي الايراني وبين طموحات امريكا في استنزاف القوة الايرانية على ارض العرب واستخدام العرب تحت طائلة نظرية الرعب الايران كوقود
كوقود لتلك المواجهات والمعارك..... فهل ينجح العرب في تشكيل تحالف قوي يضم مصر والسعودية وتركيا ودول الخليج لرسم وبلورة كيانية عربية وفضاء عربي قادر على مواجهة خطورة كل تلك المتغيرات.... هل هذا ممكن؟؟!!.
العالم باكمله الان ينظر ويراقب ما يحدث في ايران من احتجاجات وعنف وقيام بعض المتظاهرين بحق لمراكز الشرطة والمرافق العامة وكأن ذاكرتنا تعود بنا الى عام 2011م عندما تسللت الفوضى والعنف الى الدول الوطنية في ليبيا وسورياومصر نفس السيناريو الداخلي والشعارات التي رفعها المتمردون باسم الشعب وتحريك الماكينة الاعلامية وتضخيم ما يحدث ولكن هل ايران هي ليبيا وسوريا في حين ان المكون المذهبي في ليبيا سائد وواحد اما سوريا فهي من مكون من القوميات والمذاهب وتكاد تكون ايران وبغالبية الشيعة التي تقدر بنسبة 51% ويليه المذهب السني 15% والباقي موزع على ديانات اخرى .... والبعض يتحدث عن ربيع ايراني او الثورة الثانية بعد الشاه ، وموقف الادارة الامريكية التي وضعت تحفظات اتفاق اوباما النووي وفك العقوبات عن ايران حيث صرح الرئيس ترامب ان اموال الاتفاق النووي وزعت على من سماهم قوى الارهاب وجيوب المتنفذين في ايران اما نتنياهو فقد علق قائلا اذا نجحت الثورة الايرانية فاننا سنعتبر ايران صديقة لاسرائيل ، اما الدول العربية مثل مصر تنظر بحذر الى ما يحدث في ايران وهو نسبيا موقف متزن اذا ما قورن بدول اللخليج ما عدا قطر والتي اتهمتهم ايران وتحالفهم مع امريكا باثارة الفوضى عبر عملائهم والقوميات الاخرى .....ولكن هل ستتطور الاحداث في ايران الى واجهة التغيير والثورة على الثورة الاسلامية وولاية الفقيه لا اعتقد ذلك فاوروبا وروسيا يروا من ايران نقطة اتزان في منطقة الخليج والشرق الاوسط وكذلك اذا نجحت تلك الثورة او ما يسمونها الثورة فان ذلك يفتح الباب على مصراعية في معظم دول اسيا كباكستان وماليزيا واندونيسيا وستشتد الحروب المذهبية في الوطن العربي بعد ان اوشكت على النهاية في العراق وسوريا . اما المقياس الاخر فان قوة ايران التكنولوجية في مجال التسليح لن تكون مباحة او محل تنازل كما حدث في العراق او ليبيا فاذا عمت الفوضى في ايران فان هذا السلاح المكبوح جماحة سيشكل خطرا على دول الخليج اذا ما وصل الى مرحلة الفلتان .
الحلف العربي الذي دعوت له لا ان يكون مشاركا في بؤر التوتر والمخطط الامريكي بل لتحقيق الامن القومي العربي في توازن واتزان مع القوى الاقليمية الاخرى في ايران وتركيا وما يسمى اسرائيل ، ولا اعتقد ان الامن القومي العربي واستقراره يتحقق بالتعاون او التطبيع مع اسرائيل وهي ماضية في تهويد القدس والضفة كما صادق حزب اليكود على ذلك فاول مهام هذا الحلف ووقاية الامن القومي العربي هو تشكيل قوة ردع لاي تمدد اخر اقليمي في المنطقة وخاصة اسرائيل .... اجمالا لست مشجعا ان يمضي العرب قدما في مواجهة مع ايران .. فالبرنامج الامريكي يسعى الان الى توريط العرب في حرب مع ايران خدمة لنظرية الامن الاسرائيلي وخدمة لتمويل الاقتصاد الامريكي .... اما الخطأ الاخر هو اللعب على متغير داخلي في ايران لن تسلم منه دول الخليج.
بقلم/ سميح خلف