إستقبل ابناء شعبنا الفلسطيني كسائر شعوب العالم العام الجديد، وفيه كما في كل عام تتجدد الآمال والطموحات بحياة افضل ومستقبل اكثر ازدهارا وإشراقا، فقد شهد عام 2017 الكثير من الاحداث والمتغيرات في فلسطينينا، وكان عاماً علقت عليه آمال كبيرة في أن ينجز الكثير على صعيد أولا إنهاء الانقسام الأسود مرورا بإعادة ما دمره الإحتلال الصهيوني وتوفير الخدمات الاساسية في حياة ابناء شعبنا كفتح المعابر وتوفير الكهرباء على مدار الساعة والمياه الصالحة للشرب في بعض مناطقنا الفلسطينية، علاوه على بناء المشافي وتوفير الأدوية والعقاقير الطبية للمرضى وخاصة مرضى السرطان والفشل الكلوي، والقضاء على الفقر والبطالة وتحسين المستوى المعيشي ولو بالحد الأدنى وإعادة الحياة الكريمة للعمال والطلاب والأكاديميين والخريجين والمعاقين والفلاحين والصيادين والحرفيين وللصناعيين والكثير من المنشآت السياحية والصناعية والمالية وتدوير عجلة الاقتصاد وغير ذلك خصوصاً بعد تشكيل حكومة التوافق الوطنية برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، والتحسن النسبي في عودة الاستقرار الى مناطق عدة في وطننا فلسطين.
ولكن المواطن الفلسطيني وهذا ما تجمع عليه العديد من التقارير والشواهد سوف ينتقل الى عام 2018 وهو ما زال ينوء بالكثير من الاعباء والصعوبات التي أثقلت كاهله، حتى بات غير قادر على حملها، ومن هنا نرى ونسمع ونشهد صرخات الاحتجاج والشكوى والتذمر.
ان المواطن الذي قبل بالقليل، وتحمل الكثير املأ في انفراج قريب بات يدرك حد اليقين بأن الوعود والشعارات التي أغدقها البعض من مسؤولينا، لم تكن إلا من باب الدعاية والكسب على حساب استمرار جوع وفقر ومرض آلاف المواطنين واستمرار معاناتهم، ويتزايد لدى الكثير الإدراك بأن بقاء الحال من المحال لذا تتصاعد الدعوات الى التغيير والمطالبة بهجر السياسات والمواقف المتشنجة بين هذا وذاك والتي قادتنا الى ما نحن عليه، سياسة المحاصصات الفصائلية والحزبية المقيتة.
عشرة أعوام مضت على وجود الانقسام بآلامه وهمومه ومغامراته الطائشة واستهتاره بالوطن وشعبه رغم العديد من الخطوات والمبادرات الداعية من البعض في الوطن الفلسطيني لإنهاءه فورا ولكن جحافل المحاصصات والقرابات الحزبية والسياسية زحفت عليه وأحالت إنهاءه إلى أحلام صعبة التحقيق، فأزمة كالكهرباء لم تجد لها أية حلول جادة رغم التبرعات والهبات والمنح الدولية والعربية والتي صرفت عليها لديمومتها واستمرارها، ناهيك عن تصريحات المسئولين الوردية التي تتبخر مع بداية كل شتاء وصيف، حيث ما زلنا نعاني من عدم وجود حل صحيح واستراتيجي لهذه الازمة التي باتت تشكل كابوسا لنا نحن الجماهير حيث ما تزال الازمة على حالها لم تتحرك بوصة واحدة حيث لم نشاهد أحد من أصحاب القرار نجحوا في إنهاء هذه الأزمة الكهربائية حتى وقتنا هذا، بل يقال بأننا سنستورد الكهرباء من دول صديقة قريبا كما نستورد منهم الملابس والشكولاته والأحذية الجلدية، أيضا وكأننا وطن معدم عقيم الأموال والأفكار والعقول لحل الازمات رغم وجود الحلول وتوفرها لكن الأطماع وغياب الرؤى ما زالتا يفسحان المجال أمام البعض من الانتهازيين لديمومة هذه الازمة وإطالة امد معاناتنا وهمومنا.
لا توجد في الوطن سياسة تخطيط استراتيجي تحدد الأسبقيات والأموال للمشاريع والضرورية ولا يوجد برنامج وطني للحكومة لإنشاء شركات او تأسيس جهد وطني يعمل على إقامة هذه المشاريع الضرورية وبطاقم وخبرات فلسطينيه كما هو معمول به في اغلب دول العالم، بدلا من تكدس العاملين في المصانع والشركات والمؤسسات من دون عمل حقيقي وإضاعة لجهودهم وخبراتهم، فكل ما نجده اليوم مجرد شعارات براقة ورنانة ترفع من دون أي فعل حقيقي او تغيير للواقع الذي لا يرغب أي مواطن فلسطيني باستمراره، فقد أوشك الصبر الفلسطيني على النفاذ وعلى أصحاب القرار والمسئولين تدارك الأمر وتجنب حصول سيناريو مفاجئ ليس في حسبان احد.
الشعب الفلسطيني ومنذ مدة طويلة وهو يطالب ويريد من حكومته، تنفيذ الوعود التي وعدتهم بها وهي وعود كثيرة لا تحصى ومنها تحقيق الأمن والاستقرار وبناء وتعمير الوطن وتوفير فرص عمل للخريجين والعاطلين عن العمل في وطن لديه جيش من العاطلين عن العمل وتوفير الخدمات وغيرها من الوعود التي لم تتحقق فبقت حبرا على الورق، والمواطن المسكين ما زال يحلم بها بأنها ستتحقق أحلام بسيطة جدا ومطالب سهلة المنال تستطيع أية حكومة من توفيرها للمواطنين في حال وجدنا الأشخاص والمسئولين المناسبين في الأماكن المناسبة، ليشغل محله الطبيعي الذي يتلاءم معه لا ان يفصل على مقاسه، ولكن مع الأسف الشديد ان ما يجري في الوطن لا يمكن ان نعول عليه في بناء دوله تحقق طموح واحتياجات المواطن فالبناء هو بناء حكومة تتغير كل أربع سنوات لتبتدئ الحكومة اللاحقة من جديد (من الصفر) لا ان تكمل من حيث أنتهى السابقين لهم، ونبقى على هذا الحال نراوح في أماكننا والوقت يمر بسرعة ولا ينتظر أحد فبدلا من ان نتطور سوف نعود الى الخلف والاسوء من ذلك كله هو انهيار المنظومة الاجتماعية بالكامل وتزعزع الثقة ما بين الشعب وحكوماته في ما بينها، فلم يعد بمقدور اصحاب القرار من إقناع الشعب بأنهم خدم لمصالحهم، أو زرع الثقة بينهم وبين الجماهير لان الجماهير لم تعد تتحفظ عن تصرفات احد بل أصبحت تشكل على أفعال الجميع.
نحن بحاجة الى إعادة النظر بمسيرة بناء الثقة والمصداقية ما بين الجماهير والحكومة والمسئولين، وان تعرف الجماهير بان الحكومات زائلة والجماهير والوطن باقيين ما بقت الأمم، وما الحكومات ألا خدام لجماهير هي من وافقت عليهم واختارهم وقادره على استبدالهم وفي أية لحظة، فخدمة الجماهير هو شرف لكل مسئول وقائد وصاحب قرار، وليس منة منهمن فعليهم تلمس معاناتهم الذي هو اولا وأخيرا واجب عليهم، فدروس التاريخ كثيرة وحاضرة وعلى الجميع الاستفادة منها قبل ان ينفجر البركان في أية لحظة.
إن الظروف البالغة الخطورة والحساسية والعصيبة جدا، التي يمر بها الوطن الفلسطيني اليوم يلزم فيها على جميع شعبنا الفلسطيني بحكومته وبقواه وفصائله واحزابه وشخصياته الوطنية والإسلامية، العمل يدا بيد للم الشمل الفلسطيني وتوحيد الصف والموقف والكلمة والإرادة قبل أن يعود وتمزقه رياح الفتنة والنفاق والخيانة والانقسام العاصفة به، وقبل أن يتمكن الاحتلال والإرهاب من تقطيع الوطن وتمزيقه ودفع أبناء الوطن الفلسطيني الواحد نحو حرب أهلية لا تحمد عقباها، فقد بلغ الأمر في الشارع الفلسطيني من الخطورة ما يستلزم إجراء عملية قيصرية سريعة من قبل عقلاء القوم وكبار قادته السياسيين والوطنيين والأحرار والشخصيات المجتمعية والاعتبارية، وخاصة رجال الدين المسلمين والمسيحيين بوطننا الفلسطيني للحد من حالات الانقسام الذي قوض كل مقومات الحياة في فلسطين.
إن الجماهير تريد افعالا من حكومتها ومن كافه اصحاب القرار ولا ترغب بالخطابات والشعارات البراقة والرنانة، فهناك الكثير من الأطفال يجيدون إلقاء الخطب أفضل من الكثير من القادة والسياسيين.
نعم نحن نأمل أن تكون هناك خطة حكومية لتخفيف الأزمات الناتجة عن عدة عوامل اغلبها تتعلق بالجانبين الخدمي والمعيشي، والتي تطالب بها الجماهير والتي لها كل الحق بكل حرية والمطالبة السلمية بحقوقها المشروعة التي أقرتها لها كل القوانين والدساتير في دولة فلسطين، كما أننا نهيب بالحكومة أن لا تقفز فوق المشاكل من دون دراسة معمقة، لان المراحل الصعبة التي يمر بها الوطن والمنطقة لا ترحم سياسة الارتجال والمحاصصة.
*آخر الكلام:
لندخل جميعا قوى وفصائل وأحزاب ومن كافة الأطياف والشرائح والاتجاهات، بروح القيادة والإرادة السياسية الجادة في إنهاء الخلاف والدافع الوطني الذي يؤسس لحكومة وحده وطنية والتفاهم والحكم الرشيد القادر على النهوض بكافة الملفات امام التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه وطننا فلسطين في مرحلته الجديدة وعامه الجديد، وبلا شروط أو أحاديث استباقية تتنبأ للحوار دون أدنى سبب الفشل او العراقيل.
بقلم/ رامي الغف