اطفال فلسطين ، اطفال الانتفاضة الشعبية الباسلة ، اطفال المجد والبطولة والمواجهة يصنعون لنا الفجر والعزة والكرامة ، ويؤكدوا للعالم بأن الصرع وجود لا حدود ، وبأن القدس عاصمة دولة فلسطين ، فهم يولدوا ويحملون معاناتهم ، يترعرعون تحت سطوة المحتل وتكبر معه المعاناة ، و تكبر فيهم المقاومة و الشعور بالعداء لمحتلي أرضهم ، ومن هذه المعادلة البسيطة تنمو شخصية الفلسطيني المقاوم .
إنهم أطفال فلسطين ، جيل الانتفاضة ، أطفال المواجهة و الحجارة ، أبطال النصر الذين امتشقوا أحلامهم ومآسيهم والحجر، فارضين على العالم صورة جديدة للطفل ، مجترحين معجزة المواجهة المريرة بأكثر الأدوات بساطة ، هم شـعـاع النصر الـذي لا يخـبـو و مـيضه ، وهم المشروع المستقبلي وعدة المجابهة التاريخية للمشروع النقيض على أرض وطنهم ، مشروع تكريس الاحتلال والهيمنة والتوسع الإسرائيلي .
نقول ذلك لأن هؤلاء الأطفال الذين كبروا بفعلهم في عيون الدنيا قاطبة ، يشكلون أحد إستهدافات المخطط الصهيوني لتدمير الذات الفلسطينية ، وإن أستهدافهم يعني استهداف بذور تتحرك بتسارع في أرضية الصراع والمواجهة ، وتومئ إلى مستقبل يشرع أبوابه على أفق التحرر والاستقلال، حيث أستيقظ هؤلاء الأطفال في ظلام الاحتلال على طفولة شقية موزعة بين حلم الإنعتاق وحنين الاستقلال كما اطفال فلسطين في الشتات والمنافي يتطلعون لحق العودة ، وفي كلتا الحالتين كان البحث عن الهوية وتأكيدها هاجساً ينمو مع العمر .
امام كل هذه الظروف نقول لقد تنوعت الأساليب العدوانية التي مارستها سلطات الاحتلال الصهيوني ضد الطفل الفلسطيني ، فاتخذت أشكالاً مختلفة كالقتل المتعمد إلى الحرمان من التعليم بإغلاق المؤسسات التعليمية مدداً طويلة ، وإطلاق صفارات الخطر لترويع الأطفال ومنعهم من النوم ، واستخدام الأساليب النفسية كضرب الآباء أمام الأبناء ، واقتياد الأطفال إلى أماكن خالية وضربهم بعنف الأمر ، اضافة الى آلاف الأطفال الفلسطينيين ولدوا بعد أن دخل آبائهم السجن ، ولم يروهم إلا بعد سنوات عديدة ، وآلاف الأطفال لا زالت مناظر هدم المنازل التي ولدوا وعاشوا فيها أو هدم منزل الأقارب والجيران ماثلة أمامهم ، وصورة جنود الاحتلال المدججين بالسلاح وهم يقومون بعملية النسف أو الهدم لن تغادر ذاكرة هؤلاء الأطفال فقد انطبعت في ذاكرتهم صور القمع الوحشية لقوات العدو الصهيوني فيها للأبد ، ولكن هم يقفزون إلى قلب الدائرة المشتعلة.
وفي ظل هذه الاوضاع وبعد قرار ترامب وقرار حزب الليكود الصهيوني، نقول أن الانتفاضة بوتقة نضالية استطاعت أن تستوعب كل جموع الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة لمواجهة العدو الصهيوني ، غير أن اللافت للنظر هي المشاركة المتميزة للطفل الفلسطيني ومعاناته النضالية التي يتحملها يومياً من جراء مشاركته في الانتفاضة ، فتعليق الأعلام وكتابة الشعارات الوطنية
وإقامة المتاريس في الشوارع والتصدي لآليات الاحتلال العسكرية ، جميعها مهام نضالية تكفل بها الأطفال ، حيث تشير بوضوح إلى نسبة مشاركة الأطفال الفلسطينيين في الانتفاضة ، كذلك عدد المعتقلين بسجون الاحتلال ، حيث خلقت من الطفل الفلسطيني طفلاً آخر له سمات مميزة تميزه عن باقي أطفال العالم ، فسياسة الضرب المبرح التي يتعرض لها الطفل من قوات الاحتلال ، وسياسة الاعتقال والقتل ومداهمة المنازل أثناء الليل والتنكيل بالمواطنين كانت سبباً كبيراً لتنامي عنصر التمرد لدى الطفل الفلسطيني ، حيث تتولد عنده ردة فعل عنيفة ينعكس من خلالها سلوكه اليومي ، وجعلت منه طفلاً تلاشت عنده حاسة الخوف ، وامتلكته الجرأة والإقدام على المغامرة ، وعدم المبالاة بالمخاطر المترتبة على هذا السلوك ، وأصبح طفل الحجارة مستهدفاً في كل شبر داخل فلسطين المحتلة، كأنه قنبلة موقوتة يخشى المحتل الصهيوني انفجارها لتدميره .
من هنا نرى ان الشارع الفلسطيني يشهد أساليب عدوانية متعددة تمارسها سلطات الاحتلال حيث تكشف الدماء الفلسطينية حجم ازدواجية تعامل المجتمع الدولي مع الفلسطينيين، و ها هم سادة العالم ودعاة الإنسانية يسدون أفواههم ويعمون أعينهم ويصمون آذانهم عن الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها أطفال فلسطين بشكل عام وأطفال القدس بشكل خاص، حيث يتعرضوا الى تعذيب وترهيب واعتقالات وحجز حريات من قبل جنود الاحتلال الذين ضربوا بعرض الحائط جميع المواثيق والقرارات الدولية التي تنص على حماية الأطفال، أفعال شنيعة وجرائم خطيرة ما كان لهم أن يرتكبونها لولا الصمت والتعامي الدولي عن أفعالهم.
وأمام قتامة وسوداوية ذلك المشهد، نرى قلوب أطفال القدس وفلسطين تكاد أن تصرخ غضباً وقهراً من تمييز المؤسسات الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة، ولكن نقول ان نضال اطفال فلسطين انطلق من رحم أوجاعهم المستمرة التي بدأت مع اغتصاب الأرض وتهجير الآلاف من أبنائها ، ليأتي نضالهم أسلوباً ينتفضون من خلاله وعبره على الواقع الأليم الذي يعيشونه في كنف احتلال استطاب الرقص على جثث أطفال فلسطين.
ختاما : نقول اطفال فلسطين هم مقاومون بواسل، لم يستسلموا أمام جبروت الاحتلال، أبوا إلا أن يجابهوا، حملوا دماءهم على أكفهم وانطلقوا، حيث زرعوا الرعب في قلب المحتل الغاشم، وها هم ينجحون في قلب المعادلة،فألف تحية إلى اطفال فلسطين الذين يخطون بسواعدهم أرقى ملاحم البطولة، وألف تحية إلى شابات وشباب فلسطين الذين يتجاوزون الواقع العربي في نضال مستمر و ليكرسوه حقاً وليتمسكون بأحقية إنجازه، ويرسمون من جديد تاريخاً نضالياً يضاف إلى سجل هذا الشعب الأبي الذي لن يستكين حتى تحرير الارض والانسان.
بقلم/ عباس الجمعة