“عملية نابلس“ الجواب والمسار

بقلم: جبريل عودة

عملية نابلس الفدائية , طرحت الخيارات الفلسطينية في مواجهة المؤامرة , فلا سبيل أمام هذا الشعب الذي يتعرض لعملية إستهداف لوجوده وهويته الوطنية ,الا المقاومة فهي خيار الشعوب الحية , التي لا تقبل الضيم أو الإستسلام أمام إرادة البطش والعدوان , فلماذا يراد نزع هذا الخيار الوجودي من جعبة شعبنا الفلسطيني ؟ لماذا تنقلب الموازين وتتبدل المفاهيم وتسقط القناعات عندما يتعلق الأمر بمقاومة الإحتلال الصهيوني لفلسطين ؟, لقد بات المشهد واضحاً فالمجتمع الدولي ومؤسساته مشارك رئيسي في محاولات ترسيخ كيان الإحتلال والإعتراف به كدولة لها عضويتها الكاملة في كافة المؤسسات الدولية ,وهي بمثابة ردة كونية عن مواثيق وقوانين وعهود شكلت القانون الدولي , وتؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في مقاومة أي إحتلال أو عدوان عسكري خارجي , الا أن سطوة القوى الإستعمارية وفي مقدمتها الولايات الأمريكية التي تعتبر شريكة للكيان الصهيوني في إحتلاله وعدوانه على فلسطين الشعب والأرض , جعل من دولة " إسرائيل " دولة فوق القانون الدولي والمؤسسات الأممية .
في هذا السياق يأتي الحديث المسخ , للمنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف , في إدانته المشوهة لعملية نابلس الفدائية , فهي عبارات لا تستند إلى مرجعية إنسانية وقانونية , حيث أن هذا الفعل المقاوم لها مبرراته ومسبباته القائمة , في طليعتها جريمة إحتلال الأرض ومحاولة فرض تغييرات ديمغرافية , من خلال زرع عصابات الإستيطان في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 ميلادية , أليست الضفة الغربية أرض محتلة بإجماع القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة , كان على ملادينوف أن يطالب الإحتلال على الأقل بالإنسحاب الفوري من الأراضي المحتلة عام 1967 تطبيقاً لقرارات الأمم المتحدة , فالإحتلال هو السبب المباشر لعملية نابلس الفدائية , إستنفر المبعوث الأممي ملادينوف لمقتل مستوطن مسلح يصادر أراضي فلسطينيين عزل , ولم نسمع له صوتاً أو إدانة لإستشهاد أكثر من 17 مواطن فلسطيني عزل خلال شهر, برصاص جنود الإحتلال منذ إعلان قرار ترامب , أم أن دماء الفلسطينيين ليست من النوع التي ينتفض لها السيد ملادينوف ؟!.
في خضم معركة الحرية التي يخوضها شعبنا الفلسطيني , سنسمع إدانات كثيرة لأي عمل فلسطيني مقاوم , ويعود ذلك لإنحراف القيم في المنظومة المتزعمة لهذا العالم الظالم , ويجب أن لا يتوقف شعبنا كثيراً عند تلك الإدانات فهي من أدوات حماية الإحتلال في فلسطين , ويجب أن نتعامل معها على هذا الأساس , فهي كالحاجز العسكري الي يخنق المدن الفلسطينية في الضفة المحتلة , تحتاج إلى نوع أخر من المقاومة وهو المقاومة الدبلوماسية التي تصر على حقنا في الدفاع عن أرضنا من الإحتلال الغاشم يكون ميدانها العالم أجمع .
أهمية عملية نابلس النوعية تشكل الجواب الفلسطيني , لكل التحديات التي تعترض قضيتنا وهي المسار الذي يجب أن نسلكه من أجل إنجاز مشروعنا التحرري , تأتي هذه العملية بعد تطورين مهمين في ساحة مواجهة ومقارعة الإحتلال الصهيوني , الأول قرار كتلة حزب الليكود الصهيوني الحاكم بفرض السيادة على الضفة الغربية , والثاني محاولة الكنيست الصهيوني إقرار قانون بإعدام منفذي العمليات الفدائية ضد الإحتلال , منفذي العملية أرسلوا الرد في الميدان على هذه القرارات لقادة الإحتلال بأن الضفة رغم تمدد البؤر الإستيطانية ستبقى فلسطينية ولن يستطيع الإحتلال تهويدها , و المقاومة حاضرة في ردها المسلح على الأرض الفلسطينية , وهي أيضا رسالة للسلطة الفلسطينية بأن المقاومة هي السبيل لإفشال أهداف الإحتلال بالسيطرة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية المحتلة , وأن حالة الهدوء سمحت للمستوطنين العيش بسلام في مستوطنات الضفة والتنقل عبر شوارعها بأمان ,ولم يعد سراً ما تم نقله عن الرئيس الراحل ياسر عرفات خلال إنتفاضة الأقصى مطالبته الأجنحة العسكرية للمقاومة , أن تزيد من عملياتها ضد المستوطنين في الضفة الغربية , حتى لا يسمح لهذا السرطان بالتمدد بلا مقاومة في الأرض الفلسطينية .
عملية نابلس النوعية , جاءت كصفعة لوزير الحرب الصهيوني ليبرمان وأعضاء الكنيست الصهيوني الذي حاولوا إقرار قانون بإعدام منفذي العمليات الفدائية , فلا يستطع قرار أو قانون أو محكمة ظالمة , أن تردع طلاب الحق والساعون لحرية أوطانهم , من التقدم وإقتحام الصعاب و الأهوال عبر مقارع أعداء الحرية وسارقي الأوطان , فمنفذي عملية نابلس وكل عملية فدائية يخرجون على نية الإستشهاد وعدم العودة بعد تنفيذ العملية وهذا قد يكون من أسباب الإقدام والجرأة التي يتمتع بها المقاومون رغم إمكانيات العدو الكبيرة والمتقدمة في مجالات الأمن والمراقبة , فلم يكن ذلك رادعاً لهم في الإستمرار بالمقاومة , ولن يكون قرار الإعدام بعد محاكمة صورية رادعاً لمسيرة مقاومة شعبنا الفلسطيني , الذي إستلهم ثورته المتجددة من أرواح الشهداء , وفي مقدمتهم عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي الذين اعدموا بتاريخ 17-6-1930 في سجن القلعة بمدينة عكا, زمن الإحتلال البريطاني لفلسطين , وأصبحت حكايتهم وأسماؤهم أنشودة الثورة الفلسطينية المستمرة تترنم بها الأجيال الفلسطينية .

بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني
10-1-2018م