بسم الله الرحمن الرحيم
منذ عدة سنوات يقتحم يومياً المئات أوالعشرات من قطعان المستوطنين المجرمين الصهاينة ، ساحات المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف ، بحماية ضباط وأفراد شرطة ومخابرات وجيش العدوّ ، ودوماً يتصدى لهم المصلَّون والمرابطون في المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المُشَّرَّفة والحرم القُدُّسِّي الشريف ، وطلاب مصاطب العلم ، دفاعاً عن حُرمة وطهارة قبلة المسلمين الأولى ، ومسرى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ويهدف قطعان المستوطنين وكيان الإحتلال الصهيوني من وراء تكرار الاقتحامات الصهيونية اليومية للمسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف ، إلى ترسيخ ( الخطة الصهيونية الخبيثة الماكرة للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك ، والحرم القدسي الشريف بين المسلمين ، واليهود الصهاينة المحتلين الغاصبين لفلسطين وأرضها وخيراتها ومقدساتها ) ، مثلما حَدَثَ من قَبل مع الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة خليل الرحمن ، وحائط وساحة البراق الشريف ، وحي ومنطقة باب المغاربة ، وليس ذلك فقط ، إنَّما يسعى هؤلاء المجرمون وبمنتهى الجديَّة والإصرار إلى هدم المسجد الأقصى المبارك ، وبناء مكانه ( الهيكل المزعوم ) الذي لم يكن أبداً يوماً موجوداً ، لا في فلسطين التاريخية ، ولا في أية بقعة إسلامية أو عربية أوغير عربية من العالم ، ولقد أثبتت الإكتشافات والأبحاث الأثرية والتاريخية ، أنّه أبداً لم يكن هناك طيلة التاريخ ، وحتى بدايات القرن التاسع عشر أي وجود لـليهود فوق أي شبر من أراضي فلسطين التاريخية ، وهم لم يدخلوها أبداً ، ولم يسكنوا فيها ، ولم يمرّوا بها أو من خلالها ، ولاعبرها، ولم تكن في أي يومٍ من الأيام هناك مملكة لليهود كما يزعمون لهم ، فوق أيّ شبرٍ من أرضنا العربية الفلسطينية المقدسة ، ولا في أي مكانٍ من العالم ، ولم يكن هناك أيّ هيكل مزعوم قد أقيم في أي مكان من الأرض ، فالهيكل المزعوم هو (اختراع صهيوني وكذبة وخرافة كبرى ) ، مثلما هي الدولة العبرية ، ليست إلا ( خرافة قائمة على الأكاذيب والأساطير ) ، ولو استمر علماء الآثار الصهاينة يبحثون مليون عاماً في كل شبر من أرض فلسطين التاريخية ، فلن يجدوا أثراً يهودياً أو تلمودياً أو توراتياً واحداً ، ولن يجدوا سوى مايدل على كنعانية عروبة وإسلامية وفلسطينية وعراقة وأصالة هذه الأرض الطيبة المباركة ، وحضارتها الكنعانية / العربية / الإسلامية/ الفلسطينية ، حيث سكن العرب مدينة القدس قبل نصف مليون عام ، وكافة الآثار المكتشفة تؤكد على عروبة وكنعانية وفلسطينية وإسلامية الأرض .
وهذه الأرض الفلسطينية العربية المباركة بشعبها وحضارتها وتاريخها وآثارها ومقدساتها ، هي رفضٌ جوهري وجذري وحضاري وتاريخي وواقعي ، للإغتصاب والإحتلال اليهودي الصهيوني لفلسطين ، ونفي لأية علاقة تربط الخرافات والأساطير والأكاذيب والمزاعم اليهودية / التلمودية / الصهيونية ، بالأرض الفلسطينية العربية الإسلامية المباركة ، وبالمقَّدسات والمساجد والمقامات الإسلامية ، وقبورالأنبياء(عليهم السلام ) والصحابة والتابعين وأولياء الله الصالحين والقادة والشهداء (رضوان الله عليهم ) ، التي تملأ كلَّ مدنها وقراها وبلداتها وسهولها ومروجها وسواحلها وجبالها وتلالها وصحرائها .
ويسعى الغاصبون المجرمون الصهاينة من وراء تكرار اقتحامات الحرم القُدسي الشريف ، إلى تكريس الأكذوبة الصهيونية الكبرى ، وفرض الأمر الواقع لتقسيم المسجد الأقصى المبارك ، والحرم القدسي الشريف مكانياً وزمانياً ، تمهيداً للسيطرة التامة عليه ، ومن ثم هدمه وتدميره تماماً وتهويده متى تمكنوا من ذلك ، رغم أنَّه لاتوجد أية علاقة بين مقدساتنا الإسلامية في المدينة المقدسة ، وبين أية ديانة أخرى ، والمقدسات الإسلامية هي للمسلمين فقط ، وإنَّ الإصرار الصهيوني / التلمودي / اليهودي الحاقد للسيطرة على المقدسات الإسلامية ، أو تقاسمها مع المسلمين ، لأنهم يعلمون جيداً ، ويدركون يقيناً ، أنَّ أي وجود إسلامي/ عربي / فلسطيني ، وبقاء أية مقدسات إسلامية ومسيحية في المدينة المقدسة ، أو أي مكان من فلسطين المحتلة ، إنما هو تاريخياً وفعلياً وعملياً وواقعياً ، نفي لوجودهم الأسطوري الخرافي ، وتهديد مستمر للوجود والإستعمار الصهيوني لوطننا الفلسطيني المحتل ، ولكنهم يستغلون الوضع الفلسطيني والعربي والإسلامي الممزق والمُشَتَّت والمُهَلَهَل لتمرير مخططاتهم الإستعمارية العنصرية العدوانية وسمومهم الحاقدة ضد الإسلام والمسلمين والعرب وفلسطين والفلسطينيين ، وهم يعتبرون أنَّ هذا هو الوقت المثالي لهم لتمرير مخططاتهم الإجرامية العدوانية ، ولفرض سيطرتهم ، أو على الأقل تقسيم المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف زمانياً ومكانياً ، ويبذل اليهود الصهاينة اليمينيون المتطرفون العنصريون الحاقدون جهوداً يومية كبيرة ومتلاحقة وحثيثة لإلحاق الأذى والضرر الكبير بالمسجد الأقصى المبارك ، والحرم القُدّسِّي الشريف ، ولهذا بثَّت القناة العاشرة التلفزيونية الصهيونية ، في أوقات متفاوتة تقاريراً عن قيام بعض من الصهاينة المتطرفين بجمع حجارة من على شاطيء البحر الميت المحتل ، بالإضافة إلى تجميع الأغنام والماعز ، وتجهيزها في المذبح الذي ينوون مكان الحرم القُدّسِّي الشريف بالقدس المحتلة !!، ويتسابق المهندسون الصهاينة المتطرفون في إعداد الخرائط والرسومات المعمارية لإستبدال المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف ، بـ (الهيكل المزعوم ) ، وأظهرت التقارير التلفزيونية الصهيونية الحاقدة ، كل مايمكنه أن يستفز مشاعر المسلمين والعرب والفلسطينيين من مشاهد ومواقف وتصريحات وأكاذيب ، ومن بينها حظائر للأغنام يجهزها الإرهابيون المستوطنون في مستوطنات بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة ، لذبحها في المذبح عند إقامة الهيكل المزعوم ، وكان أكثر هذه المشاهد استفزازاً ، مشاهد زعماء المستوطنين الصهاينة المتطرفين الحاقدين المجرمين ، وهم يجمعون الحجارة الصخرية من البحر الميِّت ويغسلونها وينظفونها ، ويغلِّفونها ، ويقولون : (بهذه الحجارة سنقيم المذبح ، ونحن ننتظر اللحظة التي تعلن فيها الجهات المختصة ، اقامة الهيكل حتى نَنقَض ونبنيه مكان المسجد الأقصى !!) ، وعلَّق أحد الجنرالات الإحتياط في جيش العدو ، قائلاً ، إنَّ: (ما يحدث في الأقصى يصلح أن يكون حرباً عالمية) ، وقال الحاخام الإرهابي الصهيوني المتطرف المجرم يهودا عتصيون ، الذي حاول أكثرمن مرة تفجير المسجد الأقصى المبارك ، إنَّ : ( القدس عاصمة لليهود ، ويجب أن يكون الهيكل هنا ، والقدس عاصمة لليهود ، ومكة للمسلمين ، كما هي روما عاصمة للمسيحيين ، وسوف نزيل الأقصى ، سنفككه بأيدينا ) .
ونحن بدورنا وبشكل علمي وتاريخي موضوعي ودقيق وواقعي ، نؤكد أن الدولة العبرية ليست أكثر من أكذوبة كبرى ، قامت على الخرافة والأسطورة والأكاذيب والأوهام والمزاعم التي لاأساس لها من الصحة ، ومايُسمى بــ ( جبل الهيكل المزعوم ) ، ليس إلا اختراعاً صهيونياً ، وأسطورة وخرافة ووهم ، وكذبة العصر الكبرى ، ونعيد التأكيد المبني على حقائق وأبحاث ودراسات تاريخية موثقة ، وأكدتها دراسات المستشرقين والمؤرخين اليهود الجدد : لم ، ولن ، ولا توجد أية آثار للهيكل المزعوم الأول أو الثاني في الحرم القدسي الشريف ، ولابجانبه ، ولا أسفله ، ولا بالقرب منه ، ولا في أي مكان من مدينة القدس المحتلة ، ولا في أي مكان من أرض فلسطين التاريخية ، ولا في أي مكان من المنطقة العربية ، والإسلامية ، أو أي مكان في العالم ، لأنه لم يكن يوجد يوماً في التاريخ شيئا إسمه ( هيكل سليمان ) ، ولا أي ( هيكل مزعوم لليهود ) .
وفي الحقيقة أنَّ الدولة العبرية ، هي دولة عنصرية / فاشستية مُجرمة تمارس كل أشكال التمييز العنصري 'الأبارتهيد ' ، والتطهير العرقي المُنَّظَم ضد العرب الفلسطينيين أصحاب الأرض التاريخيين ، وإنني ـــــــ كمسؤول ومناضل فلسطيني عربي مسلم ، وكأكاديمي ومؤرخ متخصص لعَلَى يقين مُطلق ـــــــ مُستمد من يقني بالله تعالى ، وقرآننا الكريم ، وديننا الإسلامي العظيم ، أنَّ دولة الكيان الصهيوني العنصري تسير حتماً في طريق التآكل والزوال والفناء ، وأحد أهم مسببات زوالها الحتمي هو الإحتلال الصهيوني العنصري الوحشي البغيض ، والظلم والقتل للفلسطينيين ، والعلو والإفساد والتدمير والإستيطان ومصادرة وتهويد الأراضي وهدم المنازل ، وبناء جدار الفصل العنصري ، ولابد لهذا الكيان العنصري المتوحش الدموي من أن ينتهي ويزول يوماً ما ، ولكن ذلك مرتبط بجملة من الشروط والأسباب والمعطيات الذاتية والموضوعية ، أهمها وفي مقدمتها وحدة أمتناالإسلامية والعربية ، ووحدة شعبنا الفلسطيني ، وكل المؤشرات والحقائق القرآنية والتاريخية والواقعية ، تقول ، إنَّ : ( نهاية الأبارتهيد والإحتلال الصهيوني باتت وشيكة) ، وقد اعتبرت الكنيسة المشيخية الأميركية ، وهي من مجموعة كنائس بروتستانتية أميركية ، أنَّ : ( إسرائيل دولة غير شرعية ) ، وإتهمت ( اليهود الأميركيين بالابتعاد عن دينهم ).
وبرغم كل الظروف الدراماتيكية الصعبة والمُعَقَّدَّة التي تعيشها أمتنا وشعبنا الفلسطيني ، فإنَّ أي مساس صهيوني فعلي بالمسجد الأقصى المبارك ، والحرم القدسي الشريف، سيكون الفتيل الذي يشعل ( حرباً دينية) لن تنتهي ، ولن يكون من السهل إطفاء نيرانها ، وستقلب كافة الموازين في المنطقة ، لتضع الأمة الإسلامية والعربية ، ومعهما الشعب الفلسطيني ، أمام قدرهم إما بقاءً أو فناءً ، ولن ينجح مخطط العدو الصهيوني مهما حاول الاستفادة من الظروف الراهنة ، وهناك من يمكنه حقاً وفعلاً توجيه الضربات المؤلمة والموجعة للعدو الصهيوني ، وهناك من يملك القدرة على استنزافه وإرهاقه وتشتيت جهوده وقدراته العسكرية ، وتمزيق بنيته الداخلية الهشَّة ، بل إنَّ الأمة الإسلامية كلها من طنجة حتى جاكرتا سوف تتوحد وتستنفر جميع طاقتها وقواها ، وتتناسى خلافاتها وصراعاتها ومشاكلها الهامشية المؤقتة التي يسعى أعداءها دوماً لجعلها خلافات مركزية ، وسيكون المساس بالمسجد الأقصى المبارك بمثابة ( كلمة السر ) التي تعيد توحيد صفوف شعبنا وأمتنا ، ولكن علينا ألا ننتظر وقوع الأذى والخطر الصهيوني الكبير على المسجد الأقصى المبارك لكي نتوحد ، فنحن نمتلك كل أسباب ومقومات وامكانات الوحدة الفلسطينية والعربية والإسلامية ، وحان الوقت لكي ننهي كافة أسباب وعوامل وذيول وآثار حالة ومرحلة الإنقسام الفلسطيني الأسود ، ومرحلة التمزق والتشتت العربي والإسلامي ، ومحاولات بعض الأطراف الإقليمية العبث بالشأن الفلسطيني ، وأن نعمل من أجل وضع خطة دفاع وطني فلسطينية عربية إسلامية شاملة عن المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف ، وكافة مقدساتنا الإسلامية والمسيحية في فلسطين المحتلة ، ولنثبت لأمتنا أننا دوما كشعب فلسطيني مازلنا نتقدم الصفوف ليس فقط دفاعاً عن فلسطين ، إنّما أيضا عن الأمة كلها، لأنَّ الأمة كلها مستهدفة ومهددة بالضياع والفناء فيما لواستمر احتلال فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك ، فمصير الأمة كلها يتحدد بالتماس مع القدس وفلسطين ، بقاءً أم فناءً ، صعوداً أم هبوطاً ، قوةً أم ضعفاً ، وهذا هو التحدي الأكبر أمام الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية ، فهل سنتطيع النهوض والتماسك من جديد ، لنصوغ حاضرنا ونصنع مستقبلنا ومجدنا وتاريخنا ؟؟.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.محمد أبوسمره / سياسي ، مؤرّخ ومفكّر فلسطيني
رئيس تيار الاستقلال الفلسطيني ، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني .
البريد الإليكتروني [email protected]