الرئيس عباس في خطابه امام المجلس المركزي بالأمس..أسهب بشكل كبير في السرد التاريخي والمظلومية الفلسطينية،لتثبيت الحق التاريخي لشعبنا الفلسطيني في أرضنا،وهذا التاريخ والسرد له،اعتقد بأن مكانه ليس في خطاب يوجه الى شعبنا الفلسطيني،وكذلك هذا السرد جرى في أكثر من خطاب وفي أكثر من محفل دولي،وجيد هذا الإسهاب أن يوجه لغير الشعب الفلسطيني،فالشعب الفلسطيني الذي يعاني من الإحتلال ومسلسل إجراءاته وممارساته القمعية كل يوم،أصبح اطفاله قبل شبابه وشبابه قبل شيوخه خبراء،في الطبيعة الكولنيالية لهذا الإحتلال الصهيوني،والهدف الإستعماري من إقامة هذا الكيان في قلب العالم العربي،والدور والوظيفة المناطة به.
وكذلك تطرق خطابه الى بعض المواقف التآمرية على القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني،من قبل دول ما يسمى بمحور الإعتدال" الإعتلال" العربي،الذي وضع عباس كل البيض الفلسطيني في سلته،وبقي حتى ما قبل قرار الرئيس الأمريكي المتطرف ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال،يتحدث عن ان الأمريكان جادون في حل للقضية الفلسطينية،رغم كل الشواهد الني كانت تقول بان هذه الإدارة الأمريكية،هي الأكثر سفوراً ووقاحة وعداءً لشعبنا الفلسطيني،وبعد أن "وقعت الفاس في الرأس"،كما يقول المأثور الشعبي،إكتشف الرئيس عباس والفريق المحيط به بان ما يسمى ب"صفقة القرن" هي صفعة قرن،وبأن حلفائه الموثوقين جزء من هذه الصفقة،المستهدفة تصفية القضية الفلسطينية. اما حول المصالحة الفلسطينية،فواضح من خطاب الرئيس وهجومه الكبير على حركتي حماس والجهاد الإسلامي،بان هناك ازمة عميقة في النظام السياسي الفلسطيني،وحالة من فقدان الثقة،وعدم القدرة على نظم برنامجي سياسي موحد،ولا حتى رؤيا واستراتيجية موحدتين،والحديث عن الوضع في قطاع غزة قد تغير،وبأن هناك حل لقضية الكهرباء غير مسنود بحقائق،وعدم التطرق الى رفع العقوبات المفروضة على اهلنا وشعبنا في قطاع غزة....كل ذلك يؤشر الى ان المصالحة التي يقول الرئيس بأنها غير متوقفة،فرص تحقيقها في المدى المنظور غير متوفرة،وربما عدم تحقيقها في قضية مركزية كقضية القدس يدفعنا للقول،باننا اما إنقسام يتأبد ويتشرعن ،وهنا نلمس بأن هناك شخصنة عالية للأمور،حتى في الحديث عن انضمامنا للشرطة الدولية "الإنتربول" هناك شخصنة،والحديث بعدم وجود فساد في السلطة وهيئاتها ومؤسساتها يفتقر الى الكثير من الدقة والمصداقية.
والمرافعة المطولة التي طرحها الرئيس عباس وتطرق فيها الى إنجازات الحكومة والإنجازات المتحققة سياسياً ودبلوماسياً وقانونياً،والدور الأمريكي العدائي لشعبنا الفلسطيني وقضيتنا الفلسطينية،من خلال استخدام 43 "فيتو" في مجلس الأمن ضد قرارات لصالح الشعب الفلسطيني،وخفايا مفاوضاته مع الإسرائيليين وغيرها من القضايا السردية الأخرى،في إطار الضغوط الكبيرة التي مورست عليه والمغريات المادية الكبيرة التي قدمت له للقبول بما يسمى ب"صفقة القرن"،وصلت نهاياتها في الدقائق الأخيرة،الى خلاصة انتظرها الجالسون في قاعة المؤتمر،بعد حالة ملل تسربت الى عقولهم وقلوبهم.
والخلاصة التي وصل اليها خطاب الرئيس،يمكن ان نكثفها في عدة نقاط تحدد إتجاهات وعناوين موقف الرئيس والسلطة في المرحلة القادمة من العملية السياسية وصفقة ترامب،فالرئيس يشدد على انه لا خيار سوى خيار الإستمرار في التفاوض،وأشكال المقاومة محصورة في المقاومة الشعبية السلمية،ولكنه لن يوافق على صفقة القرن،وبأن تكون ابوديس عاصمة للدولة الفلسطينية،كما تريد أمريكا واسرائيل وما يسمى بدول الإعتدال العربي "الإعتلال"،بل سقف السلطة السياسي سيبقى تحت سقف دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران/1967 وعاصمتها القدس الشرقية،واضح أيضاً انه لن يسحب الإعتراف بإسرائيل،حيث قال في خطابه،بأن اوسلو الذي يقول البعض انه خيانه،هو من اتى بالإعتراف المتبادل بين أسرائيل والمنظمة،وبأن اسرائيل انهت اوسلو،واوسلو تعاقد بين طرفين،وبالتالي القول بأن اوسلو قد انتهى،يحتاج الى موقف فلسطيني واضح ينهي اوسلو وما ترتب عليه،وليس عبارات مبهمة وغامضة وتحمل الكثير من التفسيرات والتأويلات للتهرب من الإلتزام بتطبيق أي قرار قد يتخذه المركزي في ختام دورته.
الان من الواضح بان السلطة كما يقول المأثور الشعبي "كمن يبلع سكيناً"،لا هي قادرة على الموافقة على ما يسمى بصفقة القرن،والتموضع تحت سقف عباءة المحور العربي المتلفع بالعباءة الأمريكية،وهو سبب بلاؤنا ومأسينا كشعب فلسطيني،ولا هي قادرة وراغبة في الخروج من تحت عباءة هذا الحلف الى حلف ومحور المقاومة،حتى لا تخسر الدعم المالي لها من هذا المحور،وكذلك حتى لا تثير غضب هذا المحور عليها،وهي التي وضعت كل البيض الفلسطيني في سلته،ومن هنا هي تريد ان تتخذ موقف اللا موقف وتمارس سياسة "اللعم"،وهي تبحث عن مرجعية وعباءة افتراضية جديدة،بحيث تستمر في التفاوض من خلال رعاية دولية جديدة،بحيث تمنع بروز أي تيار او شريك فلسطيني يمكن له ان يستجيب للمشروع الأمريكي- الإسرائيلي،وبالتالي هذا الفشل والمنع،يمكن ان ينتج رعاية دولية جديدة للمفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية،وان أقول بان البحث عن رعاية دولية جديدة،سيعيدنا الى الدوران في الحلقة المفرغة،ودهاليز المفاوضات العبثية،حيث أن أي رعاية اوروبية غربية- روسية- صينية،تحتاج لكي تنضج الى سنوات،وتعديل جدي في ميزان القوى،وهذا لن يتحقق بدون فتح القرار والخيار الفلسطيني،على أكثر من شكل كفاحي ونضالي،والولوج الى اوسع وأرحب فضاء عربي- إسلامي- دولي،وبما يشمل محور المقاومة،والقوى الإقليمية والدولية الفاعلة.
الشعب الفلسطيني والحضور لم يحصلوا على اجوبة شافية على القضايا والأسئلة الكبرى،في خطاب الرئيس عباس،وكذلك لا اعتقد بل اجزم،بان هناك مشروعاً للوحدة ستقوده السلطه،فالسلطة تريد ان تبقي نفسها متموضعة بين محورين ،المحور العربي- الأمريكي ومحور المقاومة،وفي نفس الوقت ضمن خيار واحد،خيار المفاوضات والمقاومة الشعبية السلمية،ولذلك جوهر سياسة عباس والسلطة،ستبقى عدم تحقيق الوحدة الفلسطينية،بل ربط ذلك بالنزاع،للإفادة من عدم التصادم في تعزيز الوضع نحو التفاوض،والإفادة من عدم التعاون لعدم خسارة تصنيف الغرب لعباس كشريك في عملية سلام.
بقلم/ راسم عبيدات