يبدو أن هناك البعض ممن لا يحبون قراءة التاريخ .....ويصابوا بصدمة وقائعه وأحداثه .... ويحاولون التهرب من نتائجه .....وكأن هناك حساسية عالية .... وغضب عارم .... واستهجان لا مثيل له ....ورفض قاطع لحديث التاريخ بكل منعطفاته ومحطاته وأحداثه ..... وكأننا لا نريد الا الحديث عن الواقع المنفصل انفصالا تاما عما سبقه من تاريخ ...وأن لا نتحدث عن المستقبل...... وما يمكن أن نواجهه من خلال تحديات تفوق الواقع ....وتصعب علينا ...مسيرة المستقبل .
فهل نحن أبناء اللحظة ..... والوقت والزمن الحالي ..... ولا نريد أن نعود بعمق ذاكرتنا .... الي تاريخ مضي ...وذاكرة أجيال سابقة .... ومحطات تاريخية ..... لها ما لها ...وعليها ما عليها.... بكل ما فيها من معلومات وأحداث قيمة ....واستخلاصات ودروس مستفادة ....وتراكمات تجربة زادت من معدلات المعرفة ....وجعلتنا أكثر قدرة على التفكير والتحليل وعدم تكرار الأخطاء .... وعدم الدخول بتجارب مريرة تم دفع ثمنها عبر أجيال عديدة .
ردود الفعل غير المدروس .....والذي يعبر عن حالة قصور وعدم دراية ..... بل يعبر عن موقف سياسي .... وتنظير فكري ....بأكثر منه محاولة موضوعية متوازنة ....لقراءة خطاب الرئيس عباس ..... وما ورد بالخطاب من سرد تاريخي ....أتحدي أن هناك الكثيرون ممن يجهلون الكثير من حديثه .....والذي سبق المؤتمر الصهيوني الأول ووعد بلفور ...وسايكس بيكو .....وسان ريمو واضراب ل36 وثورة البراق ..... والحرب العالمية الأولي ...والثانية ...وقرار 181 وقرار قيام دولة الكيان والنكبة بالعام 48 وما سبق النكبة.... ولعقود طويلة ماضية من تداخلات وأحداث حول الحركة الصهيونية ....وتحركاتها ...وجلبها ....حتى للأمريكيين داخل فلسطين .
كثيرة هي الأحداث والمحطات التاريخية والتي تجهلها الكثير من الأجيال.... والتي لا يمكن الحديث عنها الا من خلال سرد تاريخي .... لأحداث متتالية ...وتحليلات سياسية ....ودراسة معمقة لأبعاد ونتائج.... أوصلت مرحلة بمرحلة أخري ...كما حالة بحالة أخري .
ردود الفعل غير المقبولة للبعض القليل ....والغير منطقية .... مع حرية الرأي حول أي موقف حول خطاب الرئيس عباس .... والخوف من الزمن ... من خلال السرد التاريخي..... وكأننا نريد أن نختصر ونختزل الزمن .... للاستماع الي ما ننتظر الاستماع اليه .... من الغاء أوسلو ...وحل السلطة ....وانهاء كافة العلاقات مع المحتل الإسرائيلي ووضع العلاقات مع أمريكا ....وحتى قطعها .... وايجاد مسار سياسي تفاوضي دولي .....وربما انتظر البعض اعتماد خيار المواجهة .....كخيار وحيد .... في ظل تغييب خيار السياسة والتفاوض .... والتسوية السياسية .... القائمة على العدل والشرعية الدولية ....ومفهوم حل الدولتين .
أي أن بعض المنتظرين للخطاب .... كانوا يريدون الاستماع منذ بدايته .... عن هدم السلطة ...وهدم خيار التسوية ..... والغاء كافة اشكال المفاوضات والتسويات .... وارجاع الأمور الي نقطة ما قبل الصفر .... والي المواجهة المفتوحة ..... وحتى تكون النتائج كما تكون ....وحتى دون تفكير بحال الناس وظروفهم وأحوالهم ....وحتى دون دراسة متأنية .... لواقع النتائج المترتبة على اتخاذ قرارات غير مدروسة .... تحكمها العاطفة ....كما يحكمها ضيق الأفق.... في اطار حكم بعض الاقليم الذي يعيش على حالة لهيب النار ..... ليصفقوا لنا وليبدأوا بتعداد قتلانا وجرحانا .
تصفيق حار لمدة دقيقة واحدة ....مع وقفة صمت ...على أرواح الشهداء ومن ثم السلام الوطني ....وانتهاء الاجتماع .... وكل منا يذهب الي منزلة.... وليكون الصراع مفتوحا ....وغير محسوبا ..... ولا يستند الي مقومات حقيقية ..... لكنه يعتمد على خيال ووهم .... وحالة ضيق في الأفق ...... لحسابات خارجية أكثر منها داخلية ..... توفر للمحتل الاسرائيلي .... المزيد من الفرص لنهب المزيد من الأرض ....ولفتح المزيد من المعتقلات ..... وليدخل عشرات الالاف بداخلها بقلب الصحراء ......وليقوم بابعاد من يريد ابعادهم ...وحتي قتل من يريد قتلهم .
سيناريو الفوضي .... وعدم احكام العقل .... واعطاء الفرص المجانية ...لعدو مجرم ...ينتهز كل فرصة ليأخذ منها كل ما تمني أخذه .... ما بعد هدم المعبد ....بما فيه وعليه ..... والسير الي المجهول .... بما سبق قوله.... يمكن أن يكون في اطار فكر البعض ....وليس في اطار فكرهم محاولة الاستفادة من هذا الدعم الدولي .... غير المسبوق للقضية الفلسطينية .... وللدولة وعاصمتها القدس ..... مواقف غير مسبوقة على مدار سنوات النضال الوطني ..... من خلال تحركات سياسية ودبلوماسية ....وانتزاع قرارات أممية .... وتأكيد شرعية دولية ...جميعها تجمعت .... لتضاف الي قرارات عربية واسلامية وجميعها تصب لصالح القضية الفلسطينية .
المكاسب السياسية المتتالية .... والمتراكمة .... بحكم قرارات اممية .... ومواقف دولية تراكمت وتعاظمت بفعل مكونات خطاب سياسي .... ارتكز على مفهوم العدالة والقانون والشرعية ....ولم يستند الي حالة التشدد والغضب .... واعلاء الصوت .
العالم بأسره.... يستقبل القيادة الفلسطينية ....استقبال الدول كما استقبال الرؤساء... والجميع يشاهد المواقف .....والتي تؤكد على حرص الجميع على دعم حقوقنا ..... وأحقيتنا .... بدولة فلسطينية مستقلة بحدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس .
كل ما سبق ذكره .... أليس نتيجة لخطاب سياسي ؟.... يعبر عن عظمة شعب صامد .... وقضية عادلة ..... وظلم تاريخي ..... يجب أن يزول ..... لكن وحتى يستمع الجميع ....وحتى يتم تكرار الموقف ..... وحتى تؤكد الأحداث بكافة محطاتها التاريخية ....وحتى نؤكد للعالم أننا منذ العام 88 واعلان وثيقة الاستقلال وبرنامج الحد الأدني الذي تم قبوله ....بالدورة التاسعة عشر للمجلس الوطني .... ونحن نسير بمنهج سياسي وفكري متفتح .....وبعلاقات دبلوماسية متوازنة.... نحاول من خلالها تعزيز علاقاتنا مع الجميع ....على أرضية استقلالية قرارانا الوطني..... وعدم التدخل بشؤون الأخرين.... كما رفض التدخل بشؤوننا الداخلية ....هذا الفكر الوطني الفلسطيني الخالص والمستمد من تجربة نضالية طويلة .... ليس فكرا أيدلوجيا ماركسيا يساريا ..... وليس فكرا مستندا للقومية وللبعث ....كما ليس فكرا مستندا للاسلام السياسي.... وليس له منطلقات طائفية ومذهبية أصولية راديكالية .... فكرا وطنيا يستمد شرعيته من أحاسيس الناس .....وبساطتهم .....وثقافة وطنهم .... ومنطلقاتهم المتراكمة .... مواقف مستمدة من تاريخ طويل تولد وتألق بفعل مسيرة نضال مستمر ..... يتمسك بالأرض والقيم والمبادئ والاهداف والحقوق .... لا يعرف يمينا ولا يسارا .....ولا يعرف أيدلوجيات وأفكار مستوردة .....كما لا يتبني أفكارا خيالية وهولامية .
فكر وطني نابع من تجربة وطنية ..... لشعب مناضل.... تراكمت تجربته عبر عقود ...ووصل الي مرحلة الوعي الكامل ..... والمسئولية الشاملة ...والرسالة الواضحة ..... والتي يتمسك فيها بالتاريخ الذي لا يعجب البعض .... والذي يرفض الواقع بكافة تفاصيله ومصاعبه .... كما يتطلع الي المستقبل المنشود بكل أماله وطموحاته .
التاريخ .... ليس سردا كلاميا .... بل محطات نضالية كفاحية .... استشهد على طريقها عشرات الالاف ....وعاني فيها الالاف..... عبر كل محطة من محطاته ....والحديث فيها يؤكد جذور وحقوق .....ويفند فيها اكاذيب ومحاولة تزييف التاريخ .... وعلينا أن ندرك أن من لا تاريخ له..... لن يكون له واقع ....وبالتأكيد لن يكون له مستقبل ..... ونحن أصحاب التاريخ والذي سنبقي نتحدث عنه .... بكل قوة ...وبكافة منطلقاته وجذوره ....وسنبقي نفند الأكاذيب ....ونثبت الحقائق ...ولنجعل من الحقيقة تاريخ ساطع .... لا يغطي بغربال .... كما نؤكد على أن واقعنا لن ينال من عزيمتنا ..... وصبرنا وصمودنا ..... وأننا على طريق المستقبل المنشود الذي نسعي فيه الي السيادة والحرية والدولة .... وعاصمتنا القدس .
لقد تأسفت كثيرا .... وربما عذرت البعض ....على بعض أقوالهم ....ومواقفهم .... ازاء السرد التاريخي .... ولا أعرف حقيقة ومنطلقات مواقفهم .... لكن كل ما اعرفه ومتأكد منه أنهم قد أضافوا الي فكرهم وثقافتهم ....وتجربتهم ....ما يمكن أن يفيدهم ويصوب فكرهم ....كما يعزز من طريقهم ....وهذا ما نأمله .
ونحن على مقربة من نتائج القرارات الصادرة عن المجلس المركزي والبيان الختامي .... والذي سيكون بعد ساعات قليلة .... لنا فيها حديث ومقال .
الكاتب : وفيق زنداح