قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي ظهرت في البيان الختامي مساء الاثنين 15 يناير، أظهرت وبوضوح أن إستيراتيجية سياسية وميدانية قد تم الاتفاق عليها، وقد وصفت في أوساط الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي بــ"الصادمة"، وبأنها تشكل "التحول الجذري" الذي لا يعكس فقط ما يجري في فلسطين خاصة، وما طرأ على عنجهية معلنة من الإدارة الأمريكية أو تطرف عنصري واسع المدى اسرائيليا، بل يعكس الصورة التي يمكن أن تظهر فيها استيراتيجية المنطقة والاقليم عامة.
الاستيراتيجية الفلسطينية، وبالرغم أنها تعتمد المقاومة الشعبية السلمية، وعدم الدخول في حرب مع (اسرائيل)، إلا أنها أغلقت الستارة على مشهد الاحتفال المهيب الذي أقيم في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض لتوقيع إتفاقية إعلان المباديء "أوسلو"، واستبدلت ذلك بالبحث عن آليات وأدوات جديدة لقيادة العملية السياسية، بعيدا عن التحيز السافر للبيت الابيض أو "منطق السحق" الذي يؤمن به ترامب في التعامل مع غيره وبما يسميه تحقيق الاهداف وانجاز الصفقات والفوز، فكان نصيبه الخراب لكل ما تم طيلة ربع قرن، ولهذا كان أدق تعبير للرئيس أبومازن أن قال له وبتهكم واضح "يخرب بيتك يا ترامب"، وفي لهجتنا العربية تدلل الكلمة عن الحالة التي أوصل بها ترامب البيت الأبيض والسياسية الخارجية لامريكا.
وقف التنسيق الأمني بكل أشكاله، قرار من اللجنة المركزية الى اللجنة التنفيذية للتنفيذ، وأيضا العمل على فرض سيادة الاقتصاد الفلسطيني من خلال التحلل من اتفاق باريس الاقتصادي، وهنا تتحمل الادارة الأمريكية والاحتلال الاسرائيلي المسؤولية الكاملة على تداعيات ونتائج ذلك.
ان ترامب الذي اعتقد أن أوضاع المنطقة قد باتت جاهزة تماما لتنفيذ المؤامرة التي أعلن عنها بداية بأنها "صفقة العصر"، وانقلب بها على المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة، باعلانه أولا بأن مدينة القدس عاصمة لدولة اسرائيل، متوهماً بأنه لن يقف في طريقه أحد وأن كل ما يقرره قابل للتنفيذ دون نقاش، قد نسي تماما ما ذكره به المجلس المركزي بالرفض التام للقرار الأمريكي، وقطع الاتصالات السياسية مع الادارة الأمريكية ورفض أن تكون المتفردة او الراعية للعملية السياسية او المفاوضات السياسية التي يجب ان تكون من خلال لجنة دولية ومن خلال مؤتمر دولي وبمرجعية القرارات الدولية ذات الصلة.
لقد شكل الاستيطان وضم القدس الشرقية وعدم اعتراف اسرائيل بحل الدولتين مدخلا هاما في قرارات المجلس المركزي ليكلف اللجنة التنفيذية للمنظمة بتعليق اعترافها بدولة الاحتلال نتيجة لذلك، وفي هذا انهاء فعلي لأوسلو ورفض أي طروحات او افكار للحلول الانتقالية أو المراحل المؤقتة، ورفض أيضا لما طرح سابقا من أفكار حول الدولة ذات الحدود المؤقتة والحل الذاتي، ورفض للدولة اليهودية والاشتراطات والاملاءات الاسرائيلية، وهذا الموقف السياسي الفلسطيني، جاء وفق اصرار وارادة واقعية، بأن العملية السياسية تبدأ من الاعتراف بالاستقلال واقامة الدولة الفلسطيينة، وأن تكون دولة فلسطين عضو كامل الحقوق والسيادة في الأمم المتحدة وفقا لكل القرارات ومنها قرار التقسيم الذي صدر في 1947م.
المجلس المركزي يطالب بأن يتقدم من يمكنه ملء الفراغ المتأتي من رفض وجود الطرف الامريكي "منفردا"، وبما شكل ضمانات من الأمم المتحدة، وفترة زمنية محددة، ومفاوضات دولية باسس مختلفة وملزمة للاحتلال، وأن تقود الى قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين.
بقلم/ د.مازن صافي