إسرائيل .. خفايا المجتمع المغلق

بقلم: أشرف صالح

كان تواجد اليهود في فلسطين أبان حكم الخلافة الإسلامية العثمانية تحت مسمى "أهل الذمة" ومن ثم جاء الإنتداب البريطاني في فلسطين على أنقاض الخلافة العثمانية . ليتحول اليهود كمسمى من أهل ذمة إلى "الأقليات" كما نسمعه في الأعراف السياسية والديمقراطية . حتى تشكلت الحركة الصهيونية في العالم وهدفها إنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين . ليمزجوا بين قومية وعرقية ودينية في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة . وبذريعة أن أرض فلسطين هي أرض الميعاد كما يعتقدون . وعملت الحركة الصهيونية ليلا نهارا على تهجير اليهود من الشرق والغرب ليستوطنون في فلسطين قبل نكبة 48 . حتى جاء يوم النكبة وإقامة دولة اليهود على دماء  الفلسطينيين وعلى أنقاض ضعف وتخاذل العرب .

ومن هنا بدأت الحكاية . حكاية المجتمع اليهودي المغلق الذي لا يعرف عنه إلا فئة قليلة من المجتمع الفلسطيني كالسياسيين والباحثين المتخصصين في المجتمع اليهودي . وأيضا طبقة العمال الفلسطينيين اللذين عملوا داخل الخط الأخضر بحكم الإختلاط . كل التحية والإحترام لهم . ولكن طبقة العمال برغم خبرة التعايش مع اليهود ومعرفة الكثير عنهم تبقى طبقة مهمشة في المجتمع الفلسطيني وللأسف الشديد .

للأسف الشديد نحن مجتمع غير قارئ ولا نقرأ من الأحداث إلا العناوين . ولهذا السبب نجد صعوبة للتعرف على المجتمع اليهودي بتفاصيله . وقد نتعامل مع وسائل إعلامهم بأنها أكثر مصداقية من إعلام العرب . والسبب أن اليهود يقدمون لنا عبر وسائل الإعلام مواد تخفي الوجه الحقيقي لإسرائيل وتظهر الوجه المزيف . غير أنها تستهدف مصداقية العرب وتحاول الشبك بينهم بواسطة أخبار تحمل عناوين قريبة من أهدافهم ولكنها مزيفة .

إن مجتمع إسرائيل مجتمع عنصري طبقي ديني بإمتياز . وله تركيبة خفية لا يعرفها إلا المقربين . ورغم تطبيع إسرائيل مع غالب الدول العربية سياسيا وإقتصاديا لكن هذا لا يكفي ولا يتيح الفرصة للعرب الدخول في عمق المجتمع المغلق . فهناك مناطق في إسرائيل لا يستطيع أحد غريب أن يدخلها إلا بإذن الحاخام . وهم اليهود الأصوليين المتشددين . إنهم يرفضون الخدمة العسكرية بدافع ديني . عددهم يزيد عن مليون يهودي . لهم صلاحيات ونفوذ عند الحكومة كونهم الطبقة المحافظة على أصول الدين . اغلبهم يعيشون في القدس وبعض الأحياء . ومجتمعهم مغلق ومتعصب دينيا ولهم عادات وطقوس غريبة ولا يسمحون للغريب الدخول في أحياءهم والتعرف على حياتهم الخفية . يمارسون دور الحكومة بضبط المجتمع دينيا . ينزلون على الشوارع ويغلقون المحلات مساء الجمعة استعداد ليوم السبت المقدس .

وهناك أيضا طبقة المتدينين الأقل تعصبا تعيشون حياتهم طبيعية . من الواضح أن التدين في إسرائيل يسوده التدرج كما هو الحال في أي دولة في العالم .

وفي المقابل يوجد في إسرائيل التيار العلماني الذي يفصل الدين عن المجتمع في سلوكياته اليومية . وأيضا هناك يهود ملحدين لا يعترفون بالديانات أصلا . ولكنهم لا يظهرون علنا في المجتمع اليهودي لأن إسرائيل دولة دينية . وأيضا السامريين  طائفة يهودية ولكنها تعتمد تفسير مختلف عن تفسير معظم اليهود للتوراة . وتعتبر نفسها تملك اقدم نسخة من التوراة .وتعيش في نابلس وتتعايش مع الفلسطينيين . أما الدروز فحدث ولا حرج يمزجون بين الأعراف والأديان . يأخدون أحكامهم الدينية قليل من الإسلام وقليل من اليهود وقليل من المسيحيين وتسيطر على عاداتهم ثقافة الغموض . وهناك أيضا يهود مسيحيين يجمعون بين قومية إسرائيل وعرقية اليهود وديانة المسيح .

وهناك أيضا الطائفة الأغرب في مجتمع إسرائيل المغلق . وهي تسمي نفسها حارس المدينة . حركة يهودية اوردتكسية  ترفض الصهيونية بكافة اشكالها وتعارض وجود دولة اسرائيل . اتباعها يعتبرون انفسهم يهود فلسطينيين ويتمنون العيش في ظل حكم فلسطيني . ويحرقون علم اسرائيل في الشارع في عيد استقلال اسرائيل . وتعتبر هذه الحركة من أكبر الحركات المعادية للصهيونية في اسرائيل والعالم أجمع . والحكومة في إسرائيل تعتبرهم غير وطنيين وتعاملهم  بقسوة شديدة وعنصرية .

إن مجتمع إسرائيل المغلق لا يقتصر على التقسيم الطائفي فقط . بل هناك عنصرية واضحة تسود البلاد وتعطي الحق لأناس على حساب آخرين . وتفرق العنصرية بين الطبقات دينيا وعرقيا وإجتماعيا . تفرق بين اليهود العرب والغرب . وتفرق بين اليهود العلمانيين والمتدينين . وحقوق المواطنة عندهم تنقسم لدرجات وكل درجة لها إمتيازاتها الخاصة .

وفي النهاية فإن الطبقة الأعلى مرتبة في إسرائيل هي الطبقة الدينية المتشددة . وهي التي تسيطر على كل مناحي الحياة في مجتمع إسرائيل المغلق .

بقلم/ أشرف صالح