قد أجدُ نفسي مُضطّرا لأن أُدوّن بعض الأبجديّات تعليقاً على مقالة الدّكتور أحمد يوسف التي نُشرت اليوم "دحَلان للمشهد السّياسي الجَديد" وإن كانت مقالة الدّكتور أحمد حَملت مع أبجدياتها محطّات الوُقوف مع الذّات، واستدراجٍ قام به شارون للإنسحاب المُنفرد من غزّة وما تعلق من ذلك بدراسات إسرائيلية لسيناريُوهات الصّراع على الساحة الفلسطينية، ووقُوع الجميع في الفخ الإسرائيلي، ومسيرةً من التّخبط والانقسام، ومُنذ عام 2006م بفوز حماس في المجلس التّشريعي. الحقيقة أنّ الدّكتور أحمد كان مُنصفاً في طرحِه متوازناً في سرد وقائع الماضي والحاضر وخاصّة العلاقة بين محمد دحَلان وحماس، وكلٌ منهما توفّرت لديه إرادة "شيطنة" الآخر، وعمليّات شحن النّفوس المُتبادلة، والتصلّب في المواقف، ولكن ما أُريد أن أُؤكده هو أنّ محمد دحَلان رجلٌ متسامحٌ، ولأكثر من مرة أغلق ملفّات الماضي بعجرِه بِبجرِه ومن أجل حاجة الوطن والوطنية الفلسطينية، وكما أشار الدّكتور، فهو إبن المُخيم الذي تحتوي خلاياهُ وعقلُه وباطنهُ الأخلاق الوطنية والإنسانية، بل في وجهة نظري أنّ دحلان تجاوزَ لغةَ الفَصيل، بل هو الوجهُ الحقيقيّ للوطنية الفلسطينيّة التي تَبرز في وقت الشّدائد وحاجة الشّعب والقضيّة لها.
ولكن أريد أن أذكُر أنّ محمد دحلان لم يُحاصر غزة ولا يَمنع عنها الكهرباء والعلاج، أمّا ثروة محمد دحَلان التي تحدّث عنها محمد يُوسف فهي سُخّرت لتعمير البُيوت المستورة والمشاريع والمرضى وطلّاب الجامعات ودعم البُنية التّحتية في القدس، وياليت كلّ من أثروا من أصحاب رُؤوس أموال وسيارات الدّفع الرباعي قَاموا بنفس الأعمال التي يقُوم بها دحلان والفاضلة جليلة دحلان من خلال مؤسّسة فتا، لوجدنا حينها أن المُجتمع الغزّي بخير ولن نجد فقيراً او متسولاً أو واقفاً على مجمّعات القمامة.
نعم دحلان له علاقات اقليمية ودولية واسعة، ولكن دحلان لا يمتلك العصَا السّحرية لفَكفَكة جميع الأزمات دون أن يضع الجَميع طاقاتهِ وما يملك على الصّعيد الحِزبي أو الشّخصي.
تفاهُمات القاهرة حيثُ لاقت إسنادً شعبياً وما حقّقته من إنجازات على الأرض وفّرت حالةً شعبيّة كان يُمكن البناء عليها وليس التّباطؤ في التعامل معها في إنتظار خيارات أُخرى ومصالحةٍ مع ما يُسمى الشرعية والسلطة، في حين أن دحلان وكلّ إخوانه رحّبوا بالمصالحة وساندوا الطّرفين، حتّى أنّ سمير المشهراوي قال أنا جُندي من أجل تحقيق تلك المُصالحة ووحدة شعبنا وما تبقّى من أرض الوطن، وسنضع جميع امكانيّاتنا دعماً لتلك المُصالحة، ولكن ماذا حدث الان؟؟، المصالحة مُتعثّرة، ومن الغباء من لا يعتقد أنّ هُناك ما يُحضّر لغزة، بل لكل القضية الفلسطينية، وتجويع غزّة تحت غطاء المصالحة وبسط الشّرعية هي آلية من آليات تنفيذ السيناريو ضدّ غزة أولاً ومن ثمّ باقي عناصر القضية الفلسطينية برمّتها.
القصة ليست قصة اللّعب في الأوراق والأوراق المُتاحة أو تبادليّة الأوراق كما شخّصها الدّكتور أحمد يوسف بطرح خيار دحلان مُجدداً.
لم يغِب دحلان يوماً عن السّاحة الوطنية كرُكن مُؤثر، ولن يستقيم الحالُ في الفهم إذا كان الإدراك والتّفكير للبعض يمضي بمنهجيّة البدائل. دحلان وفتح التيّار الإصلاحي ركنٌ أساسي في أي صياغة مُعادلة وطنيّة سواء نجحت المُصالحة أم فشلت. سبق لدحلان أن طرح عدة مُبادرات وحدويّة ورُؤية سياسية يمكن التوافق عليها إلا من يُريد ان يشُذّ عن الّسياق الوطني. وأُكرر دحلان ليس خياراً فوق الرّف يُمكن إحضاُره وقتما يريدُ البعض أو لا يُريد، أما دسّ السّم في العسل فأعتقد ان محمد دحلان والتيار الاصلاحي تجاوز هذا اللّغو في المُصطلحات ومواقعها، والميدانُ مفتوح الآن لمن يُريد أن يضع يديه في يد محمد دحلان لإنقاذ غزة اولاً كتبويب لإحياء الوطنية الفلسطينية على قاعدة الشّراكة وليست كخيارات لهذا أو ذاك أو فهم لهذا أو ذاك.
نعم أتّفق مع الدّكتور أحمد يوسف أن الإنفجار أصبحَ هو مطلب شعبي ومن يجد من الزّمن طريقاً لإمتصاص غضَب الشّعب يكُون مُخطئا في ظل أزمةٍ خانقة تطالُ الحجَر والبَشر والمُستشفيات وكلّ مناحي الحياة، وإذا حَدث الإنفجار لا تُحدّثني عن فصيلٍ وقوّته أو إقليمٍ ومواقفهِ، فالحقيقة ستكون مدمّرة للجميع.
واخيرا كنت اود ان اقول للدكتور احمد يوسف كنت موفق في الطرح لمحطات متعددة ، ولكن فل ندع الخريف ان ينصرف من حياتنا ونتنازل عن فصاائليتنا ونرجسياتها ، فالوطن يحتاج الجميع في شراكة يندمج فيها الشعب مع نخبه من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه
سميح خلف