قراءتي لكتب التاريخ ... وللصراعات التي كانت قائمة ما بين العديد من الشعوب ... وحتى الاحتلالات التي كانت قائمة والحلول التي وصلت اليها مع الشعوب المحتلة ... وحتى الدول الكبرى التي لها قواعدها التي تتحكم بها داخل العديد من الدول ... لا تتعامل على قاعدة قانون الاذعان ... والامر الواقع وحتى سلب الرأي وامكانية القبول او الرفض .
ليس بهذا الزمن ... ولا حتى بالزمن الماضي قد استمعنا ... الى ما نسمعه اليوم من سياسة امريكية ... جاءت الينا بنظريات حديثة ومستحدثة تتحدث بلغة الطعام ... وبمشهيات التذوق ... فاما أن نأكل ... واما ان نرفض .... وهنا استذكر مثلا قديما وانا كنت طفلا صغيرا كان يقول
(صحيح لا تقسم، ومقسوم لا تاكل، وكْل حتى تشبع )
وطالما ان غرنبلات مبعوث الرئيس الامريكي ترامب بما يسمى بعملية السلام .. يتحدث بعنجهية وعنصرية وبتعالي غير مسبوق ... حتى انه يتحدث بلغة المطبخ الامريكي الصهيوني .... والتي باتت على النار وعلى وشك الانتهاء ... وما تبقى لها بعض الملح والبهارات ... وان القرار حولها ليس للسلطة الفلسطينية ... التي ليس لها حق الاعتراض او المناقشة او التعديل .
معتبرا ان صفقة القرن الجاري اعدادها بالمرحلة الاخيرة ... وان الفلسطينيون ليسوا طرفا مقررا ... بل ليسوا طرفا مشاركا او معارضا ... وان الخطة الجاري اعدادها للاقليم والفلسطينيون طرفا ... لكنهم ليس الطرف المقرر ... بل الاقليم المقرر حسب قوله .
وبخصوص وكالة الغوث الأونروا قال بأنها لا يمكن ان تعمل للأبد !! .. وان الكثير من اللاجئين قد ولدوا بمكان وطنهم الحالي !! وانه يجب وضع تاريخ محدد للانتهاء !! .
كما اكد ان الخطة التي يجري اعدادها على وشك الانتهاء ... وهي ليست للتفاوض ولكن للتنفيذ !! وانه لا يمكن لأحد أن يحل محل امريكا !! وأن الهدف من وراء الصفقة ايجاد تحالف اقليمي اسرائيلي ... ضد الخطر الايراني والارهاب !!
في ذات الوقت لا يمكن ايجاد مثل هذا التحالف دون حل المشكلة الفلسطينية !! معربا ان الفلسطينيون لا يخفون مخاوفهم من ايجاد قيادة بديلة !! او ممارسة الضغوط عليهم !! .
الثلاثي غرنبلات ... كوشنير .... وفريدمان ... يطبخون طبختهم بمذاقهم وحسب شهيتهم وفق المطبخ الامريكي الصهيوني ... وربما يأخذون بعض المشهيات من المطبخ الشرقي ... على اعتبار ان أهل الشرق يرغبون بالملح والبهارات الواضحة ... حتى أن مقدار الملح والبهارات التي ستوضع على الطبخة الامريكية الصهيونية ليس لنا دور فيها ... بمعنى اننا لم نختار نوعية الطعام ... كما لم نختار مذاقه ... ولا حتى موعد وضعه على طاولة الطعام ... وربما ليس لنا دور فيمن سيجلسون .. على اعتبار ان الخطة التي يجري اعدادها على وشك الانتهاء وهي ليست للتفاوض ولكن للتنفيذ !!
طبخة على مائدة الاقليم ... ولمجموع الجالسين وعلى رأسهم امريكا واسرائيل ... ولكل منهم نصيبه الكبير والقليل ... بحسب امكانيات أكله وطول يده وحد اشباعه ... ولا نعرف اذا كنا من الحاضرين ومقدار حصتنا في اطارالاقليم ... ام سنبقى جائعين ... وليس لنا الا ان نعكر اجواء الجالسين ... او نرمي بالرمل على الطعام ... حتى لا يأكل منه أحد !!!.
لا أعرف ... ولا استطيع أن احدد ... ما يجب فعله ... واولويات هذا الفعل في ظل ما نسمع ... وما وصلت اليه الامور الى حد قرب الانتهاء ... أي قرب الاعلان .
لكن ما قرأت ... وما استنتجت ... ان القطار يسير بسرعة البرق ... وانه ليس بالامكان الانتظار على محطة الانتظار ... فمن يريد ان يركب القطار ... ومن يريد الانتظار الى حيث النهاية ... ربما سيطول انتظاره لمئة عام أخرى ... وربما لأكثر من ذلك في ظل تقلبات التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا وفي ظل متغيرات عوامل القوة والسيطرة والوقائع على الارض .
ليس بقولي هذا انني قد ارتعبت مما قرأت ... أو انني لا أجد مخرجا مما يكتب من سيناريو قادم .... ولم أصل بعد الى مرحلة الاحباط من امكانية افشال ما يخطط وما يدبر وما يجري تنفيذه .
لان مثل هذه الاقوال وبهذا التعالي والعنصرية والفوقية وكأننا أصحاب القضية ليس لنا امكانية القول والفصل في القبول او الرفض وكأنهم يضعوننا أمام احتمالين :-
اولا : المواجهة فيما بيننا الى حد الصراع والخلاف والاحتدام .
ثانيا : وضعنا أمام حالة خلاف حاد مع اشقاء لنا تختلف اولوياتنا مع اولوياتهم .
وفي الحالتين نحن الخاسرين ولا نكسب شيئا ... بل من يكسب أعداءنا والمتربصين بنا ... والمنفذين لخططهم والتي يريدون تطبيقها .
فماذا علينا أن نفعل ؟!!!
ليس من السهولة بمكان التسرع بالقول والفصل والحسم حول ماذا نفعل بما قرأنا واستمعنا اليه ... لكن هذا لا يعني القبول والتنازل والتراجع عن مواقفنا وثوابتنا حتى وان اشتدت الهجمة علينا .
لكن الفارق الكبير والحاسم اننا كلما توحدنا وتقاربنا وعملنا بجهود واحدة وبخطط واحدة وباستيراتيجية واحدة ... كلما قلصنا امكانية تنفيذ ما يخطط لان المشروع المخطط له يعتمد على حل المشكلة الفلسطينية في اطار حل اقليمي ... فاذا لم تحل القضية الفلسطينية سيكون هناك اشكالية كبيرة أمام الحل الاقليمي ... لكن هذا ليس هو الحل الامثل لاننا نسعى لايجاد حل لمشكلتنا ... امام مشروع حل اقليمي ولا استغناء عن حل المشكلة الفلسطينية باعتبارها بوابة الحل الاقليمي يجب ان نعمل على تحسين وتطوير قدراتنا والتمسك بثوابتنا ومشروعنا الوطني التحرري ... فاذا كانت هناك مصالح امريكية اسرائيلية اقليمية لاقامة سلام أقليمي .. فلماذا لا نحقق نحن مصالحنا في اطار مصلحة اقليمية الجميع يستفيد منها لانه لا يعقل ان نبقى على حالنا وازماتنا واحتلال ارضنا وتهجير شعبنا أمام سلام اقليمي يعود بالنفع على جميع دول وشعوب المنطقة ونحن نحرم من كافة مميزات هذا السلام او على الاقل نأخذ جزءا يسيرا من مميزاته ... يجب ان نعمل على أخذ أكبر قسط ممكن من المميزات وان نستفيد بدرجة عالية من عائدات ما يجري من مخطط اقليمي .
الفكر السياسي الفلسطيني يجب ان يأخذ منحى جديد ... بفكر متجدد ... وبرؤية شاملة ... وبحسابات دقيقة لا أن نأخذ مواقفنا بتزمت وتعصب وتشدد ... يجب ان تحسب مصالحنا الوطنية بدقة عالية وبحسابات دقيقة وحساسة .... فالامور ليست هينة وسهلة .. فالقادم أخطر... وقد قلنا أكثر من مرة أن القادم أخطر .
حالنا اليوم لا يساعدنا على مواجهة انفسنا وازماتنا ... فكيف يمكن ان نواجه القادم الا اذا كانت هناك المعجزة الفلسطينية فهل ستحدث ؟!!
بقلم/ وفيق زنداح