هل نستحق نحن الشعب الفلسطيني ان نكون احرارا على ارض حرة ومحررة من العنصرية والاحتلال ام ان الامر هو محض تكرار لفعل اعتادت شعوب الارض على السعي اليه, هل نحن شعب مختلف ومميز ولدينا شيء مختلف عما هو لدى الاخرين من شعوب الأرض, ام ان تشكيل الدول القطرية والوطنية صار عادة وتقليد وصار من حقنا ايضا كباقي شعوب الارض ان نحصل على ذلك فقط لأن الشعوب والأمم اعتادت على ذلك.
ان تحصل على بقعة ارض وعلم ونشيد وسلطة وحكومة ومحكومين ووزارات وموظفين وتندحش كباقي دول الارض عضوا في الامم المتحدة فالأمر اكثر من ممكن وعادي ان انت تنازلت فعلا لأعدائك عن كل ما يريدون وقبلت بهذا الحق البروتوكولي كالآخرين وكنت مسننا واحدا لا أكثر في دولاب الامبريالية بكل بشاعتها واستغوالها.
كثيرة هي الامم التي فقدت مكانتها على الارض رغم انها شكلت في فترة ما واحدة من اهم وابرز الحضارات المادية فوق الأرض كالفراعنة والبابليين وغيرهم الكثير وجميع هذه الحضارات خلفت اثارا مادية ملموسة لا زالت حتى اليوم تعيش بين ظهرانينا وينظر لها على انها عجائب لا احد يتصور كيف تم إنجازها ومع ذلك احد لم يعجب ابدا لماذا اندثرت الحضارات التي بنت الاهرامات والمدرجات الرومانية والحدائق المعلقة ومدن عجيبة كالبتراء وتمثال رودس ومنارة الاسكندرية.
الحضارات المادية رغم عظمة انجازاتها اندثرت وأهلها وبقيت اثارهم للذكرى والتمعن لا اكثر ولا اقل وفيما عدا الباحثين وخبراء الآثار فان احدا من العامة لا يكترث على الاطلاق لمثل هذه الانجازات سوى لجماهلها او ابهارها كمتفرجين لا اكثر ولا أقل, وقد لا تكون تلك العجائب اكثر ابهارا من عجائب انجازات الرأسمالية الحديثة متمثلة بالثورة الرقمية وثورة الاتصالات والاختراعات والابتكارات الحديثة التي حولت الارض كل الارض الى محض لوحة رقمية على منضدة صغيرة في اي زاوية صغيرة على وجه الأرض, وقد يتخيل المرء ان من حقق مثل هذه الانجازات سيبقى سيدا للأرض الى ما شاء الله لكن نظرة الى الوراء لمن سبقوهم في انجازاتهم المادية تعطي للمرء الاجابة الشافية وهي ان سائر الانجازات المادية قابلة للزوال كسابقاتها.
وحدها القيم الروحية لم تتغير عبر ملايين السنين بكل اشكالها وأنماطها بين مكونات الكائن الحي وليس الانسان وحده فالعواطف الانسانية والروحية راسخة رسوخ الجبال في حياة الاحياء بدءا من عاطفة الامومة والأبوة وعواطف الحب حتى لدى الحيوانات, ومشاعر الخير والإيمان والروحانيات وانتهاء بما لا زلنا حتى اللحظة نعاود صياغته بأشكال ولغات جديدة إلا ان الامومة ظلت كما هي وظل الحب ايضا كما هو ليس بين البشر فقط بل وحتى في اوساط الحيوانات.
فلسطين دون غيرها من بقاع الارض اتت كمدينة للسماء على الارض حاملة لكل القيم النبيلة والمشاعر الجميلة التي لا يمكن لكائن حي الاستغناء عنها لمواصلة بقاءه وبذا فان النظر الى الانجازات الرأسمالية العظيمة التي تسعى لتحويل الانسان الى قطعة من الة وكأنه حق ثابت لن يتغير هو اغماض للأعين عن الحقيقة مطلق, فقد تنهار كل هذه الانجازات يوما ويندثر اهلها جميعا ولا يبقى على الارض سوى قيم الروح التي لا حياة للبشرية دونها وهو ما يضع فلسطين وشعبها بإرادتهم او بدون ارادتهم امام مهامهم الانسانية التاريخية كحماة لقيم الروح على الارض ويحملهم مسئولية استعادة مكانة الروح للإنسانية والعودة بهم من غي الرأسمال ومشاريعه العدوانية القائمة على ترسيخ مبادئ مناقضة قائمة على الكراهية والعنصرية والتعصب, وهو ما تسعى له القوى الامبريالية اليوم للإبقاء على اشتعالات النار قائمة في كل مكان على الارض وفي الشرق تحديدا وقلبه فلسطين وكأن بهم يسعون لخنق المكانة والدور الروحي الانساني المناط بفلسطين وأهلها ولذا ظلت فلسطين حتى يومنا هذا مسرحا لجرائمهم القائمة على تغييب شعبها كليا حد الغاء وجوده لصالح نشر ثقافة الموت والاقتتال وتقسيم البشرية لطوائف وشيع واديان وقوميات متنازعة بهدف تنشيط تجارة الموت التي يملكونها وتكديس الاموال في خزائنهم لا اكثر ولا اقل.
على فلسطين اذن ان تستعيد مكانتها على الارض كحامية للقيم الروحية بكل تجلياتها العظيمة القائمة على العدل والخير والحب والمساواة والسلام لكل بني البشر وهي قيم لا يمكن لها ان تموت كمكون اساس من مكونات حفظ الجنس البشري الذي بات يقترب من حيوانيته وهو يبتعد عن مكونه الاساس " المكون الروحي " لصالح مكونه الطارئ " المكون المادي " بعد ان باتت قوى الشر الرأسمالية تستخدم كل شيء لصالح سيطرتها وفرض نفوذها على كل بقاع الارض وناسها بسرقة قوتهم وأرواحهم بكل الطرق الممكنة ما دامت تؤدي في النتيجة الى زيادة ارباحهم اكثر فأكثر.
فلسطين وشعبها دون غيرهم هم الحماة الحقيقيين للمكون الروحي الثابت للإنسانية جميعها كحاملة لرسالة الله على الارض ولذا فان الحرية لفلسطين هي حرية للروح وقيمها والحرية لشعب فلسطين يعني استعادة حتمية لدورهم في نشر القيم العظيمة التي تحملها فلسطين على ظهرها هما انسانيا وحاميا حقيقيا للبشرية عبر نشر قيم العدل المطلق بكل تجلياته دون انتقاص وبالتالي فان السعي الحقيقي لحرية فلسطين لا ينبغي له ان يكون محض سعي لانعتاق مجموعة من البشر هم الشعب الفلسطيني ولا قطعة من الارض هي ارض فلسطين من الاحتلال ورجسه بل هي الحرية للروح الانسانية من اغلال الامبريالية والرأسمالية وكوارثها على الارض بكل الاشكال والأنماط بدءا من افتعال الحروب وزرع الكراهية وانتهاء بتحويل البشر الى مسننات سخيفة في دواليب صناعة الموت خاصتهم, ومهما تلونت اشكال الحداثة والانجازات على الارض فالإنسان يمكن له ان يعيش بدون كهرباء وهاتف ولكن انسانيته تصبح مستحيلة دون العدل والخير والحب وغيرها وهي القيم التي تمثلها على الارض فلسطين وشعبها, ولهذا فان حرية فلسطين هي البوابة الرئيسية لتحرير الانسانية برمتها من شيطنة الامبرياليين ومصالحهم المغمسة بدم الفقراء والمضطهدين في سائر بقاع الارض بما فيها بلادهم انفسهم ولن تستعيد البشرية انسانيتها إلا باستعادة فلسطين لحريتها وعودة مكانتها الاساس كحامية لقيم الروح على الارض.
بقلم
عدنان الصباح